علاقة الإمارات مع الهند تجاريا تعود لآلاف السنين، إلا أنها من 5 سنوات تحولت إلى شراكة استراتيجية شاملة وبمعنى آخر تحالف طويل الأمد.
تعتبر العلاقة ما بين الإمارات والهند واحدة من قصص نجاح السياسة الخارجية للبلدين لأهمية جيوسياسية لا يمكن إنكارها، وكل طرف يكن الاحترام والتقدير للآخر وبشكل كبير، وخلال ثلاثة عقود من الزمان، كان الزخم مدعوما بتوافق آراء واسع النطاق لصالح العلاقات القوية في كلا البلدين.
في ظل وجود شراكة قوية كهذه فإنه ليس بالأمر البعيد أن يشهد كل من البلدين تحولات جذرية في الجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، حيث تتحد مصالح كل من الطرفين لتخلق جوا من الصداقة الاستراتيجية طويلة الأمد، وهذا شيء يستحق أن يحتفي به كل هندي وكل إماراتي.
ولأهمية الهند، ليس من المستغرب أن تراقب الإمارات ودول الخليج وعواصم الثقل السياسي عن كثب نتائج الانتخابات الوطنية التي جرت خلال الفترة من 11 أبريل إلى 19 مايو، حيث استضافت الهند أكبر عملية ديمقراطية في تاريخ البشرية؛ أدلى أكثر من 600 مليون مواطن بأصواتهم في انتخابات أسفرت عن فوز ساحق ثانٍ على التوالي لحزب بهاراتيا جاناتا ورئيس الوزراء الحالي مودي. كان ذلك بمثابة انتصار لديمقراطية الأمة الهندية، تصويت منظم وسلمي بأغلبية ساحقة، مسجلاً أرقامًا قياسية لمشاركة الإناث ونسبة المشاركة في التصويت بلغت 67٪.. الأمة الهندية تنظر إلى مودي كسياسي متواضع غير قابل للفساد وهي صورة مؤثرة جدا للمواطن الهندي العادي، وبالتالي فهو يحظى بشعبية كبيرة جدا –أكثر من ضعف شعبية حزب غاندي لحزب المؤتمر، وأكثر شعبية بكثير من حزب بهاراتيا جاناتا ككل. الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة بيو "PEW" عام 2017 ذكر أن 79% من الهنود "راضون عن الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية في الهند"، أي حكومة مودي، وهي أعلى نسبة في أي دولة تم استطلاعها، بينما 85% يثقون في الحكومة للقيام بما يصب بمصلحة الهند.. ومن جهة أخرى يعود الفضل إلى الرجل في تعزيز الشراكات الاستراتيجية للهند مع الولايات المتحدة واليابان وتعزيز صورة الهند في الشرق الأوسط وتحديث علاقاتها مع دول الخليج والإمارات بشكل خاص، كما سعى مودي إلى إصلاح العلاقات مع العواصم المجاورة في جنوب آسيا والمحيط الهندي كجزء من سياسة "الجوار أولاً" لدعم موقع الهند ضمن محيطها، صحيح أن العلاقة مع باكستان متوترة فيما يتعلق بكشمير إلا أن الجميع اليوم يراهن على حكمة قادة البلدين. كما أن الزيارة التي قام بها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية في الإمارات مع وزير الدولة للشؤون الخارجية في السعودية الشقيقة عادل الجبير تهدف إلى تخفيف حدة التوتر بين عملاقي القارة الهندية، ولاشك أن عمق العلاقة التي تربط الإمارات والسعودية من جهة وباكستان والهند من جهة أخرى سوف يكون لها تأثير إيجابي فيما يتعلق بالمستجدات بكشمير.
وعلى الرغم من أن علاقة الإمارات مع الهند تجاريا تعود إلى آلاف السنين، إلا أنها ومن خمس سنوات بالتحديد تحولت من علاقة تقليدية تجارية تجمع البائع والمشتري، إلى شراكة استراتيجية شاملة وبمعنى آخر تحالف طويل الأمد، وبالتحديد بعد زيارة رئيس الوزراء مودي للإمارات في أغسطس 2015، وهي أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي للدولة منذ 34 عامًا، من خلال الزيارة، لمس الرجل حفاوة غير تقليدية ومشاعر صادقة ورؤية نحو عمل مشترك أكثر تماسكا وقيادة مستعدة لتعاون اقتصادي سياسي عسكري اجتماعي على جميع الأصعدة، بما يحقق طموحات الشعبين. وحرص الرجل بعد ذلك على حضور فعاليات القمة العالمية للحكومات في 2018 ليشهد منصّة عالمية لتبادل المعرفة بين الحكومات واستعراض أفضل الممارسات العالمية من خلال جمع القطاعات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني تحت مظلة واحدة.
وفي معرض الحديث عن الأرقام ازدهرت التجارة بين البلدين من خلال مجموعة واسعة من الأنشطة التجارية كالمعادن الثمينة والأحجار الكريمة والمواد الغذائية والأقمشة والآلات والمواد الكيميائية والمنتجات البترولية والخشبية. وتشير التقارير إلى أن الهند استوردت 14.29 مليون طن متري بقيمة 6,122.20 مليون دولار من النفط الخام من الإمارات خلال الفترة 2017-2018، وبذلك تساهم دولة الإمارات بشكل كبير في تعزيز أمن الطاقة الهندي، وتعتبر سادس أكبر مصدر للنفط الخام للسوق الهندي، ونظرًا لأن الهند تستورد حوالي 80% من احتياجاتها النفطية، فقد ركزت الحكومة الهندية لإنشاء مستودعات تخزين للنفط لتخفيف تأثير انقطاع الإمدادات الخارجية وتسهيل التعامل مع حالات النقص أثناء الطوارئ بسعة 6 ملايين برميل بدعم من الإمارات.
وفي عام 2018 كشفت الدولة عن خططها لاستثمار 75 مليار دولار في تطوير البنية التحتية في جميع أنحاء الهند، ووقع الصندوق الوطني للاستثمار والبنية التحتية وهو أول صندوق سيادي في الهند اتفاقية للاستثمار بقيمة مليار دولار أمريكي مع جهاز أبوظبي للاستثمار، وذلك للاستثمار في الطاقة والنقل وقطاعات البنية التحتية الأخرى، كما أعلن الصندوق الوطني للاستثمار وموانئ دبي العالمية عن إنشاء هندوستان إنفرالوج الخاصة المحدودة كمنصة استثمارية لاستثمار حوالي 3 مليارات دولار في الموانئ والمحطات الطرفية والنقل والأعمال اللوجستية. وهناك اتفاقية أخرى تجمع أرامكو السعودية وأدنوك للعمل على تطوير شركة راتناجيري لتكرير البترول والبتروكيماويات المحدودة حيث يمتلك اتحاد الشركات الهندية النسبة المتبقية وهي 50%. كما وقعت أدنوك اتفاقية مع شركة النفط والغاز الهندي تمتلك بموجبه الأخيرة 10% من امتياز حقل نفط زاكوم البحري، ولا شك أن الاتفاقية تحقق منافع تجارية استراتيجية لكلا الطرفين، وكمؤشر أداء اقتصادي تعتبر الهند اليوم ثالث أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات حيث يصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى أكثر من 60 مليار دولار ويسعى الطرفين في 2020 لتحقيق أرقام قياسية جديدة نظرا لما يتمتع به البلدين من مقومات لبناء شراكة اقتصادية متنوعة ومستقرة.
لا شك أن الاقتصاد يلعب دورا مهما في توطيد العلاقة بين الدول والأمم، وبناء على هذه القاعدة استطاع رجال الأعمال الهنود بدبلوماسية خلق علاقات صداقة مع المجتمع الإماراتي، فنجدهم يشهدون المحافل الوطنية والمناسبات العامة ويدعمون بسخاء المبادرات الاجتماعية بل أصبحوا جزءا من منظومة عامة كمجالس الغرف التجارية ومجالس الشركات والبنوك في الدولة، فحضورهم مميز جدا. وذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في فبراير 2016 خلال زيارته للهند أن "دولة الإمارات لها تجربة ناجحة مع عدد كبير من رجال الأعمال الهنود، الذين يعملون حالياً في دولة الإمارات، واستطاعوا على مدى العقود الماضية الإسهام في عملية النهضة التنموية التي شهدتها دولة الإمارات، وباتوا من خلال أعمالهم الناجحة والمنتشرة بشكل واسع في الإمارات وعلى مستوى المنطقة، نموذجاً ناجحاً لكل الطامحين في تبوؤ مراكز متقدمة، من خلال الاستفادة من البيئة الآمنة والمستقرة التي وفرتها لهم دولة الإمارات".
وإذا ما نظرنا إلى المستقبل فمن المتوقع أن تصبح العلاقات بين البلدين أكثر صلابة وذلك بسبب الاحتياجات الاستراتيجية للحكومتين والتزامهما بالاحتفاظ بعلاقات متينة، كما أن استقرار وأمن دولة الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي هو من الأمور المهمة جدا للحكومة الهندية. وفي ظل وجود شراكة قوية كهذه فإنه ليس بالأمر البعيد أن يشهد كل من البلدين تحولات جذرية في الجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، حيث تتحد مصالح كل من الطرفين لتخلق جوا من الصداقة الاستراتيجية طويلة الأمد وهذا شيء يستحق أن يحتفي به كل هندي وكل إماراتي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة