نظرة لمسار العلاقات الاقتصادية بين دولة الإمارات والجمهورية اللبنانية، تكشف عن نموذج متميز من التعاون المشترك والتوافق في الرؤى وتبادل المنافع الاقتصادية والتجارية.
إن لبنان لم يشهد عجزاً في الميزانية قبل عام 1975 م، ورغم افتقاره إلى المواد الأولية، فإنه استطاع أن يثبت ذاتيته الاقتصادية في عالم المال والتجارة، فقد كان لبنان منذ عقود خلت المركز الكبير للواردات والصادرات في الشرق، ومركزاً مالياً يضم نحو 100 مصرف مالي عامل إلى جانب فروع عديدة للمصارف الأجنبية.
ودولة الإمارات بمؤسساتها ورجال أعمالها بادرت في اتجاه التعاون الفعال في القطاعات اللبنانية على اختلاف نشاطاتها، فقد عملت دولة الإمارات ولبنان في السنوات الأخيرة على زيادة تعاملاتها التجارية وتطويرها بما يتماشى وطموحات البلدين، وقد أسهمت الزيارات المتبادلة التي يقوم بها رجال الأعمال والوفود التجارية بين البلدين في تمتين الروابط التجارية وفتح خطوط أكثر للتواصل وتبادل المنافع التجارية.
وقد أعطت الاتفاقيات الموقعة بين البلدين دافعاً قوياً للتبادل التجاري، مثل الاتفاقيتين اللتين وُقعتا في مايو/أيار عام 1988 بمبنى وزارة المالية والصناعة في دولة الإمارات؛ الأولى متعلقة بشأن ضمان وحماية الاستثمارات، والثانية خاصة بتجنب الازدواج الضريبي، هدفها إزالة العوائق أمام منتجات البلدين وإعطاء ضمانات قانونية للتجار والمستثمرين من البلدين، بغية تعزيز حضورهم وتكثيف أنشطتهم الاقتصادية.
ومع بداية النهضة الاقتصادية والعمرانية التي شهدتها دولة الإمارات في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، توافد العديد من المواطنين اللبنانيين إلى دولة الإمارات وبالتحديد إلى أبوظبي في البداية، أيام الاستكشافات النفطية، وعمل العديد منهم في المقاولات والاستشارات والبناء والتجارة وباقي الأعمال الوظيفية والحرة، وقد وفّرت دولة الإمارات كل الظروف الملائمة والشروط التي تساعد على إقامة المشاريع وتنميتها.
لقد أعطى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- تعليماته خلال الأحداث اللبنانية على اختلافها وتوقيت حدوثها بفتح أبواب دولة الإمارات أمام اللبنانيين وتسهيل أمورهم، مساهمة في تخفيف المعاناة عنهم حتى يستقروا، ويعاملوا معاملة جيدة، وينعموا بالرعاية على كل المستويات.
وقد ترجم اللبنانيون مشاعرهم نحو دولة الإمارات قيادة وشعباً بإنجاز العديد من المشروعات ودخولهم حقل الاستثمار الواسع في قطاعات العمل الإنتاجي وفي قطاع السياحة والفنادق، والمطاعم، والإعلام، وغيرها.
وقد عززت هذه الأعمال مكانة ووجود اللبنانيين على أرض دولة الإمارات، كما أسهمت في ترسيخ العلاقات المتميزة بين الدولتين.
إن هذه اللفتة السريعة إلى الماضي القريب تعطينا بدايات الاستثمار اللبناني بدولة الإمارات، الذي أصبح اليوم يمثل رقماً مهماً بالنظر إلى الشركات والمؤسسات التي يملكها مستثمرون لبنانيون بدولة الإمارات.
ومنذ بداية عقد التسعينيات، شرعت حكومتا الدولتين في بحث أفضل الطرق لزيادة حجم الاستثمار المتبادل بينهما، خصوصاً أن الجمهورية اللبنانية أخذت في تسطير برامج اقتصادية واجتماعية طموحة لتجاوز مرحلة وآثار الفتنة الأهلية التي أتت على جميع المرافق الصناعية والاقتصادية والإنتاجية، وسعت بكل جهد واجتهاد لإعادة بناء البنية التحتية وفتح علاقات دولية قوية مع الدول العربية وبالأخص دولة الإمارات، بغية إعادة اجتذاب الاستثمارات العربية والأجنبية واستقطاب رؤوس الأموال، لذلك وقعت دولة الإمارات والجمهورية اللبنانية في أكتوبر/تشرين الأول عام 1998 اتفاقية هدفها تشجيع وحماية الاستثمارات بين البلدين.
كما استقبل الرئيس اللبناني إميل لحود في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 1999 في بيروت، وفداً يضم مواطنين إماراتيين يملكون عقارات وأملاكاً في بعض المناطق اللبنانية، وتم خلال هذا اللقاء بحث كيفية تعزيز الإجراءات التي تساعد على تحسين فرص الاستثمار والتملك في لبنان، وتأمين الضمانات وفق القوانين اللبنانية.
وقد أكد الرئيس اللبناني أن لبنان على استعداد لاتخاذ كل الإجراءات من أجل تحسين فرص الاستثمار والتغلب على كل المصاعب، وتوفير التسهيلات اللازمة للمواطنين العرب الذين يودون الاستثمار أو التملك في لبنان، وقد اعتبر الرئيس لحود في هذا اللقاء أن ما يربط لبنان ودولة الإمارات من علاقات أخوة يجب أن يتعزز بالمزيد من التعاون، وأن الإماراتيين في لبنان هم في بلدهم الثاني، الأمر الذي يؤكد جدية مسعى الحكومة اللبنانية في توفير البيئة الاستثمارية التي ما فتئت تستقطب المشاريع ورؤوس الأموال الإماراتية والعربية.
إن العلاقات الإماراتية - اللبنانية تتميز بمنهج ثابت وخطى واثقة وأخوة وتضامن عبر خمسة عقود مضت، وقد جسدت حملة (الإمارات معك يا لبنان) التي وجه بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، ويشارك فيها جميع مؤسسات المجتمع على اختلافه، إرادة دولة الإمارات وعزمها على تسخير الإمكانات كافة وتقديم كل ما يلزم لدعم الأشقاء اللبنانيين، ومساعدتهم والوقوف معهم في مواجهة التحديات الراهنة والصعوبات الحالية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة