يتساءل المراقبون: لماذا أضحت دبي نموذجا خلاقا حيا للتأثير الإيجابي خليجيا وشرق أوسطيا ولا نغالي إن قلنا عالميا؟
من يصنع التاريخ؟ من المقطوع به أن الجدل القائم حول هل الظروف أم الشخصية هي التي تشكل الأحداث، قد حسم لصالح الشخصية.
النتيجة المتقدمة تتأكد لذوي العقول الراجحة الذين طالعوا بعمق وتؤدة المقابلة الثمينة التي أجراها الأستاذ الكبير غسان شربل مع الشيخ محمد بن راشد قبل يومين، ونشرتها الزميلة "الشرق الأوسط"، لاسيما وأن محمد بن راشد قد أثبت بأفعاله ما أشار إليه بكلامه.
"معركة محمد بن راشد" لا مجال فيها للدماء والنار والدمار، إنها معركة العودة إلى مساقات الحضارة العربية الخلاقة التي كانت يوما نبراسا لشعوب العالم، وآليات ذلك في فهمه وعمل يديه، هي تسليحهم بالعلم والمعرفة، وتوفير البيئة التي تشجعهم على البحث والتفكير، وتحثهم على الإبداع والابتكار
يتساءل المراقبون: لماذا أضحت دبي نموذجا خلاقا حيا للتأثير الإيجابي خليجيا وشرق أوسطيا ولا نغالي أن قلنا عالميا؟
باختصار غير مخل في عالم اليوم، يعتمد بقاؤك الشخصي والمهني على بناء علاقات "شريان الحياة "، فالسير وحدك لا يصلح وأنت تحتاج إلى أن تخلق فريق أحلام من الأشخاص الذين سيلتزمون تجاه أهدافك ويدعمونك في كل خطوة .
محمد بن راشد مهندس علاقات بشرية كما يتضح من رؤاه التي بثها في الحوار الشيق، ومؤثر حقيقي وفاعل في معادلات النهضة الشرق أوسطية الحديثة، وتأثيره ينمو بمرور الزمن، ويجذب المزيد والمزيد من الناس إلى مداره، هذا لأن التأثير الحقيقي لا يدور فحسب حول الحصول على ما تريد، بل يعني أيضا التأكد من أن الأشخاص الذين يهمونك يحصلون على ما يريدونه .
مثير شأن محمد بن راشد الذي نشأ في منطقة تنظر أمامها في خوف وخلفها في حسرة، وتعيش نهارها في قلق وليلها في أرق، لكنك تجده من "أولي العزم" دون تزيّد، فهو المتفائل بالمستقبل، حتى وإن كانت السحب الكثيفة السوداء تظلل البيداء والوادي معا .
" أنا متفائل بالمستقبل، وأنظر دائما إلى الجزء الممتلئ من الكوب، وأتطلع إلى ملء الجزء الفارغ ".
أبعد من ذلك، أن الأزمات في الواقع عند حاكم دبي تكون دائما مصحوبة بمخاطر وفرص، هل نحن أمام رجع صدى ولا يتأخر ولا يتلكأ لما تذهب إليه الفلسفة الصينية التي وضع لبناتها الحكيم " كونفوشيوس"، حيث تكتب كلمة الأزمة بحروف تقود لمعنيين، فإما الخطر وإما الفرصة؟
لنأخذ من نظرة محمد بن راشد لما أطلق عليه الخريف العربي، ذاك الذي أسماه البعض الربيع وقد كان مكذوبا شكلا وموضوعا، حيث يرى أنه بقدر ما كانت تكاليفه عالية وغالية، بمقدار ما كانت دروسه مفيدة وثمينة .
الفارق في تجارب البشر يبقى في عقول قادتها في كل البقاع والأصقاع، فبعضهم تنسد به المسارب إزاء الحلول ويتمحور حول المشكلات، فيما البعض الآخر يحدثك عن حتمية أن تكون مستعدا إذا فاجأتك الأزمات، الأمر الذي يتيح لك اغتنام الفرص، وهو نموذج محمد بن راشد .
يحار القارئ للحوار من شخصية الضيف فهل هو سياسي حكيم أو حكيم بدرجة فيلسوف يمارس عمل السياسة كنوع من الخدمة الوطنية لأهله، والإنسانية لعموم البشرية .
معادلات محمد بن راشد لها جذور عميقة في الفكر الفلسفي، وهذا ما يستشعره المرء بعد توصيفه لمسألة السعادة التي يربطها ربطا عميقا بالرضى، والمعروف فلسفيا أن معيار السعادة يزداد كلما ازداد معيار الرضى، والإمارات صاحبة تجربة غير مسبوقة في التعاطي مع هذه الإشكالية الفلسفية الخاصة بالسعادة والرضى إلى الدرجة التي عينت معها وزيرة خاصة بسعادة كل من يعيش على أرض الإمارات، سواء من المواطنين أو الأشقاء المقيمين.
لا تصنع الحضارة بالاستعارة، هذه يمكن أن تكون خلاصة جيدة للتجربة الإماراتية عامة، وللحال في دبي بنوع خاص، بل تقوم على عقول تعمل بعزم وتفكر بحزم، تستقرئ المستقبل وتؤمن أن أفضل طريق للتنبؤ به هو صناعته، ولهذا فهي تمضي بسرعة بلغت حد إرسال أقمار اصطناعية إلى الفضاء مصنوعة بأيدي أبناء الإمارات أنفسهم وليس سواهم .
لا تعيش الإمارات لنفسها، وحديث محمد بن راشد عن عطاء بلاده للقريب والغريب يؤكد ما نشير إليه من أن هناك فلسفة واحدة بمثابة حجر الأساس والركيزة التي يقوم عليها كل نجاح، وهي: كن معطاء دائما وأبدا، كن معطاء للمعرفة وللوقت وللمال وللحب، والمتابع لسيرة ومسيرة رجل دبي الكبير يدرك كم هو ثوري في ميادين المعرفة، عبر مشروعات تفتح آفاق المعرفة لأبناء العرب، فالذين يقرأون لا ينهزمون .
لماذا يشعر الإماراتيون بالراحة النفسية في تميز واضح لهم حال المقارنة مع أحوال الكثيرين من سكان المنطقة؟
الجواب الشافي الوافي: لأن الطمأنينة والسكينة منبعهما سخاء الروح والأفعال، وأيا كان ما سنخسره في لحظة العطاء، سواء كان في صورة الوقت أو المال أو الفرص، سيعود إلينا أضعافا مضاعفة عندما نجني ثمار العطاء، وهذا هو حال الإمارات في عيون الداني والقاصي، ولهذا باتت محط أنظار الباحثين عن تجربة إنسانية بها مسحة من الأمل والمستقبل الفسيح.
يؤمن محمد بن راشد بأن تلك الثمار هائلة ودائمة، وتأتي في صورة التمتع بصداقة أعمق، ولذا فأنت ترى الإمارات الخل الوفي لسكان المنطقة الخليجية والشرق أوسطية، إلا حفاري القبور .
"معركة محمد بن راشد" لا مجال فيها للدماء والنار والدمار، إنها معركة العودة إلى مساقات الحضارة العربية الخلاقة التي كانت يوما نبراسا لشعوب العالم، وآليات ذلك في فهمه وعمل يديه، هي تسليحهم بالعلم والمعرفة، وتوفير البيئة التي تشجعهم على البحث والتفكير، وتحثهم على الإبداع والابتكار، وتزرع فيهم قيم التسامح والحوار وقبول الآخر واحترام ثقافته .
أن تكون عطوف القلب هو أقصر الطرق لكي تصل إلى ما تصبو اليه.. محمد بن راشد المتفائل بالمستقبل.. عطوف القلب.. شمعة تنويرية وسط أجواء أصولية ظلامية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة