دبلوماسية إماراتية رصينة صاغتها قيادة رشيدة بمداد الشراكة والحوار رسمت عبرها ملامح "القائد الأكثر تأثيرا" في منطقة وعالم متقلبين.
ثمارٌ تقطفها دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيسها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، القائد الأكثر تأثيرا في الشرق الأوسط، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
تصنيفٌ يترجم أبعاد الدبلوماسية الإماراتية الرابضة على خيط رفيع في سياق بالغ التعقيد، والتي نجحت في تحقيق المعادلة الصعبة بين الاستقلالية وتعزيز العلاقات مع مختلف الأطراف والقوى العالمية.
الأكثر تأثيرا
وقالت الصحيفة الأمريكية إن "الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والإمارات ظهرا كفائزين من جانب إعادة ترتيب العلاقات الجيوسياسية"، وذلك منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، في فبراير/ شباط 2022.
وأضافت أن "هذا الفوز لا يأتي دون ثمن، حيث أن استراتيجية التعامل مع الجميع اختبرت العلاقات مع أكبر حليف للدولة (الإمارات)، وهو الولايات المتحدة، حيث يتولى رئيسها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان دورًا قياديًا في الشرق الأوسط الجديد (...)".
دورٌ قيادي لم يأت من فراغ، بل يشكل باكورة جهود وسياسة واعية بإشكالات الحاضر وتوقعات المستقبل سواء إقليميا أو دوليا، إضافة لانتهاج الإمارات لسياسة دولية مستقلة مبنية على الشراكة والاحترام، منها مد جسور الصداقة مع الجميع، دون التدخل بالشؤون الداخلية للبلدان ومع الاحتفاظ بمسافة مع جميع الأزمات.
وفي أوكرانيا، حافظت دولة الإمارات على موقف محايد جعلها على نفس المسافة من طرفي الصراع ومكّنها أيضا من الحفاظ على صداقتها بالبلدين، وهذا ما يجعلها محط ثقة للعب دور الوساطة.
نهجٌ راسخ أكده نجاح الإمارات والمملكة العربية السعودية في وساطة قادها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، للإفراج عن سجناء بين أمريكا وروسيا.
وفي بيان صدر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلنت دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، في بيان مشترك، أن نجاح جهود الوساطة يأتي انعكاسا لعلاقات الصداقة المشتركة والوطيدة التي تجمع بلديهما مع واشنطن وموسكو، وللدور المهم الذي تلعبه قيادتا البلدين الشقيقين في تعزيز الحوار بين جميع الأطراف.
مواقف ثابتة
أزمات دولية عديدة، على رأسها حرب أوكرانيا، أكدت النهج الراسخ والمواقف الثابتة لدولة الإمارات حيال الصراعات والنزاعات، وهذا ما اختزله تأكيدها على أن أنها لن تسمح بحالة التنافس بين القوى العظمى بأن تؤثر على سياساتها ومواقفها.
توجه تجلى في العديد من المواقف التي كان للإمارات دور ورأي صلب فيها مثل قرار خفض الإنتاج بمنظمة "أوبك" والذي كان يهدف لدعم استقرار الطاقة، والذي تحدثت عنه "وول ستريت جورنال".
وهو المنحى نفسه الذي ذهبت إليه الصحيفة، بنقل تصريحات لمسؤولين إماراتيين أكدوا فيها أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان "لا يرى أن علاقة الإمارات الوثيقة بالولايات المتحدة تحول دون العلاقات مع موسكو أو بكين".
واستشهدت الصحيفة بتغريدة سابقة للدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات قال فيها: "لن نسمح لحالة التنافس بين القوى العظمى أن تقرر لنا توجُّهاتنا ومواقفنا".
وتطرقت الصحيفة إلى دور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في تبادل الأسرى بين واشنطن وموسكو، قائلة إن رئيس دولة الإمارات التقى، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سانت بطرسبرغ.
وأضافت أن الشيخ محمد بن زايد "لعب دورا محوريا في بعض القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة ومنها عملية تبادل الأسرى التي شملت لاعبة كرة السلة الأمريكية بريتني غرينر مقابل تاجر السلاح الروسي فيكتور بوت".
ونقلت الصحيفة عن مسؤول رفيع في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قوله إن مستشار الأمن القومي الأمريكي جايك سوليفان أشاد بجهود الإمارات في التخفيف من التصعيد بالمنطقة في خطاب ألقاه هذا الشهر، وتناول فيه سياسة إدارة بايدن في الشرق الأوسط.
محاربة الإرهاب واستقرار أسواق الطاقة
الصحيفة نفسها ذكرت أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى في دولة الإمارات شريكًا رئيسيًا في محاربة الإرهاب واستقرار أسواق الطاقة العالمية، وذلك بفضل الاستثمارات الضخمة التي تمت في الولايات المتحدة.
وعادت الصحيفة إلى الهجمات الإرهابية الحوثية التي استهدفت أبوظبي في 2022، وتحدثت عن عدم اتصال الرئيس الأمريكي جو بايدن حينها بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان في إطار موجة التضامن الدولية مع دولة الإمارات العربية المتحدة ضد الإرهاب.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين -لم تسمهم- قولهم إن "الشيخ محمد بن زايد آل نهيان طلب توضيح موقف الولايات المتحدة، فقام بايدن بدعوته لزيارة واشنطن، حيث من المتوقع أن تتعهد واشنطن بالتعاون مع الإمارات في مجالات الأمن والطاقة والأعمال والتسامح الديني".
ولفتت إلى أن الشيخ محمد بن زايد قام في 2020 بإعادة العلاقات مع إسرائيل، الحليف الأوّل للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أنه منذ تأسيس الإمارات في 1971، كانت الولايات المتحدة الحليف الخارجي الأهم للدولة.
واستشهدت الصحيفة بتصريحات سابقة لوزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي، الدكتور سلطان الجابر، قوله إن الإمارات ترغب في تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة ولكن ليس على حساب دول أخرى، موضحًا أن الأمر يتعلق بالولايات المتحدة والهند وأوروبا وروسيا والصين وغيرها.
توسع وانفتاح ونجاحات
وعلى مدار العقد الماضي، ذكرت الصحيفة أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان "هادئ الطباع البالغ من العمر 62 عاما"، رسم "خطّا سريعا للتوسّع الاقتصادي والانفتاح والتقدم المُجتمعي، وبناء العلاقات في مناطق الشرق الأوسط".
وشددت على أن اقتصاد دولة الإمارات ليس مبنيا على النفط فحسب، بل إن "مكانتها كدولة مستقرة في منطقة مضطربة جعلها سوقا جاذبا للمال والخدمات اللوجستية والسياحة".
ورغم التنافس الدولي وحالة الاضطراب العالمية، أظهرت الصحيفة مدى تنافسية الاقتصاد الإماراتي باعتباره نقطة جذب رئيسية حتى بين الأطراف المختلفة، فبينما للإمارات علاقات اقتصادية قوية وشراكات ضخمة مع أوروبا وأمريكا، أصبحت الإمارات مركزًا للأموال الروسية.
السند في وقت الجائحة
وأشادت الصحيفة بنموذج تعامل دولة الإمارات مع جائحة كورونا، مشيرة إلى أنه "في الوقت الذي كان العالم فيه يغلق كانت الإمارات تفتح حدودها، وتنتج اللقاحات وكانت الأكثر شراكة وريادة وتعاون مع الشركات الغربية في تجاوز العقبات في أوقات الجائحة".
وفي هذا الصدد، أشارت إلى أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان "بدأ في توطيد العلاقات مع الصين منذ سنوات، لكن البلدين تقاربا خلال جائحة كورونا، عندما أعلنت الإمارات فتح حدودها بينما أغلقتها الكثير من دول العالم".
وذكرت أن "الإمارات أنتجت أقنعة الوجه باستخدام آلات من مصادرها في الصين، بخلاف اختبارات الحمض النووي بالتعاون مع إحدى شركات الجينات الرائدة في الصين".
كما "أنتجت اللقاحات بالتعاون مع شركة سينوفارم الصينية، التي كانت أكثر استعدادًا من الشركات الغربية للتعاون مع الإمارات، وفق ما أفاد به المسؤولون الإماراتيون"، بحسب الصحيفة.