الإمارات والقضية الفلسطينية في 2023.. دعم قوي ونهج راسخ
ملحمة سياسية ودبلوماسية وإنسانية تاريخية سجلتها دولة الإمارات العربية المتحدة، على مدار عام 2023، بمداد دعم لا ينضب لسكان غزة وفلسطين.
دعم قوي ونهج راسخ يشكلان العنوان الأبرز لعام جديد من دعم القضية الفلسطينية على مختلف الأصعدة، في مسار توثقه الحقائق على أرض الواقع.
كما تؤكد لغة أرقام التزام دولة الإمارات الراسخ بدعم فلسطين، القضية التي تعد أحد ثوابت سياستها الخارجية منذ تأسيسها، وحتى اليوم.
ومنذ بدايته وحتى ختامه، شهد عام 2023 جهودا ومبادرات سياسية وإنسانية دعما للقضية الفلسطينية بشكل عام وأهل غزة بشكل خاص.
جهود شملت دعم فلسطين في المحافل الدولية وخصوصا داخل مجلس الأمن الدولي وتقديم مساعدات إنسانية لدعمها على مدار العام، وبلغت تلك الجهود ذروتها عقب التصعيد الإسرائيلي بقطاع غزة اعتبارا من 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
اختراق تاريخي
منذ اندلاع حرب غزة، لا يكاد يمر يوم دون أن يجري الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، مباحثات واتصالات مع قادة ومسؤولي دول العالم لبحث جهود التهدئة والدعوة للحفاظ على أرواح المدنيين وتوفير الحماية لهم.
وأيضا لفتح ممرات إنسانية لنقل المساعدات الطبية والإغاثية إلى القطاع دون عوائق، وبحث سبل إيجاد أفق للسلام الشامل في المنطقة.
كما حرص الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على إبراز القضية في المؤتمرات الدولية التي يشارك فيها أو المباحثات الثنائية التي تجمعه بقادة ومسؤولي العالم.
وتوجت الإمارات حراكها المتواصل لدعم غزة في آخر أيام عضويتها بمجلس الأمن الدولي بتحقيق اختراق تاريخي عبر اعتماد المجلس قرارا إماراتيا حمل رقم 2720 يدعو إلى "اتخاذ خطوات جوهرية وملموسة لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية التي يحتاجها الفلسطينيون بشدة في غزة، وحماية موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني على الأرض".
كما يدعو القرار إلى اتخاذ خطوات عاجلة للسماح بدخول المساعدات الإنسانية فوراً وبأمان ودون عوائق وعلى نطاق واسع، ولوقف الأعمال العدائية في قطاع غزة بشكل مستدام.
ويطلب القرار من الأمين العام للأمم المتحدة تعيين شخص في منصب "كبير منسقي الشؤون الإنسانية وشؤون إعادة الإعمار"، وهو ما حصل مساء الثلاثاء الماضي بتعيين الهولندية سيغريد كاغ.
وسيكون من ضمن مهامها التي تبدأ في 8 يناير/ كانون الثاني المقبل، رصد الشحنات التي يتم تسليمها إلى غزة والتحقق من الطبيعة الإنسانية لها وإنشاء آلية مساعدات تحت قيادة الأمم المتحدة لتيسير وتسريع عملية تسليم المساعدات إلى القطاع.
كما طالب مجلس الأمن جميع أطراف النزاع بالتعاون مع المنسقة لضمان اضطلاعها بولايتها دون عوائق، وسيعزز هذا القرار استجابة الأمم المتحدة للأوضاع وضمان حصولها على الدعم الكامل من قبل مجلس الأمن.
ورحبت السفيرة لانا زكي نسيبة، مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية، المندوبة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، بتعيين سيغريد كاغ.
وأعربت عن ثقتها في "أن دراية كاغ وخبرتها ستساعدان في ضمان التنفيذ العاجل والتام للقرار، بما يشمل مراقبة عمليات تسليم المساعدات الإنسانية والتحقق منها، وإنشاء آلية تابعة للأمم المتحدة لتسريع إيصال المساعدات إلى غزة".
وشكرت دولة الإمارات الأمين العام على استجابته السريعة للقرار 2720، معتبرة أنه نظراً لحجم هذه الأزمة، فمن الضروري أن تتعاون جميع أطراف النزاع مع المنسق، وكذلك مع آلية الأمم المتحدة، من أجل معالجة الوضع المأساوي الذي يخيم على الشعب الفلسطيني.
وأشارت إلى أنه "في حين تظل دولة الإمارات حاسمة في دعوتها لوقف إطلاق النار باعتباره أساساً لإنهاء المعاناة في غزة، فضلاً عن السماح بدخول المساعدات الإنسانية، فإن القرار 2720 يوفر تدابير ملموسة لإيصال المساعدات الحيوية إلى من هم بأشد الحاجة إليها".
ويأتي اعتماد القرار الذي تقدمت به دولة الإمارات بعد نحو أسبوعين من "فيتو" أمريكي أحبط محاولة إماراتية مماثلة، الأمر الذي يبرز الإصرار الإماراتي لدعم القضية الفلسطينية والمثابرة على تحقيق الأهداف.
واستخدمت واشنطن في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الجاري حق النقض ضد مشروع قرار قدمته دولة الإمارات أيضا يدعو إلى "وقف إنساني فوري لإطلاق النار في غزة"، فيما تواصل إسرائيل حملة بلا هوادة على قطاع غزة، رغم ضغوط أممية غير مسبوقة.
وما بين مشروعي القرارين، اتخذت دولة الإمارات خطوة رائدة وغير مسبوقة لدفع جهودها قدما، باتجاه إقناع المجتمع الدولي باتخاذ خطوات فعلية لوقف الحرب الدائرة منذ أكثر من شهرين.
فنظمت بالتعاون مع مصر زيارة لمندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي لمعبر رفح الحدودي مع قطاع غزة يوم 11 من الشهر الجاري، لإطلاعهم مباشرة على الحاجة الماسة لوقف إطلاق النار وزيادة المساعدات الإنسانية.
ومنذ تجدد التصعيد بغزة، عقد مجلس الأمن 13 جلسة حول القضية الفلسطينية والوضع في غزة، لم يمر أي منها دون أن تسجل دولة الإمارات رسائل قوية داعمة لغزة، إضافة إلى سعيها لتحقيق التوازن بين مختلف الأطراف والعمل على دعم جهود السلام وتخفيف حدة التصعيد.
ومن بين تلك الجلسات الـ13 في مجلس الأمن، عقد 8 منها بطلب من دولة الإمارات، قدمت خلال ثلاثة منها (8 و19 و22 ديسمبر) مشروعي قرارين لوقف الحرب في غزة.
وحرصت عبر جلسات أخرى على إتاحة المجال لأعضاء المجلس، والاستماع إلى إحاطات من مسؤولين أمميين وآخرين في المجال الإنساني، كشفت حقائق الوضع الإنساني المأساوي في غزة.
اختراق تاريخي لدعم القضية الفلسطينية حققته الإمارات باعتماد مجلس الأمن القرار رقم 2720 ، في إنجاز إماراتي لا يعتبر الأول من نوعه داخل المجلس.
وسبق أن اعتمد مجلس الأمن الدولي في فبراير/شباط الماضي بياناً رئاسياً يعارض التدابير أحادية الجانب والتي من شأنها عرقلة آفاق حل الدولتين في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وكانت الإمارات العربية المتحدة، بصفتها عضواً منتخباً في مجلس الأمن، قد يسّرت هذا القرار الهام، الذي يعد أول قرار يصدر عن المجلس بشأن ملف الاستيطان منذ أكثر من ست سنوات.
وكرّر مجلس الأمن في بيانه أن استمرار أنشطة الاستيطان الإسرائيلية يهدد بشكل خطير إمكانية تحقيق حل الدولتين على أساس حدود 1967. كما أكد أيضاً على أهمية خفض التصعيد وتجنب الأعمال الاستفزازية.
مبادرات إنسانية
بموازاة الجهود الدبلوماسية والسياسية لدعم عزة وفلسطين، أطلقت دولة الإمارات 4 مبادرات إنسانية رئيسية منذ بدء التصعيد الإسرائيلي في غزة، يتفرع من كل منها عشرات المبادرات التي تعبر من خلالها دولة الإمارات وقيادتها وشعبها والمقيمين فيها عن قيم التضامن والأخوة والدعم لأهل القطاع.
من أبرز تلك المبادرات «الفارس الشهم 3» والتي وجه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بإطلاقها في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي والتي تم من خلالها الإعلان عن مبادرات عدة من أبرزها:
- الإعلان عن إنشاء مستشفى ميداني في غزة (6 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي)، وتم افتتاحه 2 ديسمبر الجاري، واستقبل حتى اليوم 673 حالة.
- الإعلان عن إقامة 3 محطات لتحلية مياه البحر في رفح (16 نوفمبر/تشرين الثاني)، وتم افتتاحها 11 ديسمبر الجاري حيث تعمل المحطات على تحلية نحو 600 ألف غالون يومياً، وضخها عبر أنابيب تمتد إلى داخل قطاع غزة، وتغطي احتياجات 300 ألف نسمة.
- إرسال قوافل مساعدات إلى معبر رفح تضم (121) شاحنة.
- تسيير جسر جوي إنساني بدأ 6 نوفمبر/تشرين الثاني، ووصلت عدد طائراته حتى اليوم 124 طائرة شحن، إضافة إلى سفينة شحن.، قاموا بنقل 9209 أطنان من المساعدات.
وضمن أحدث المبادرات أيضا، وجه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، باستضافة ألف فلسطيني من المصابين بأمراض السرطان من قطاع غزة من مختلف الفئات العمرية، لتلقي العلاجات وجميع أنواع الرعاية الصحية التي يحتاجون إليها في مستشفيات الدولة.
وجاء إطلاق المبادرة بالتزامن مع وصول الطائرة الأولى التي تحمل على متنها أولى الدفعات ضمن مبادرة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بعلاج ألف طفل فلسطيني برفقة عائلاتهم من قطاع غزة في مستشفيات دولة الإمارات.
ووصلت حتى اليوم 338 حالة على دفعات عدة لتلقي العلاج في مستشفيات الإمارات.
وتجسد هذه المبادرات نهج دولة الإمارات والتزامها التاريخي بدعم الشعب الفلسطيني والتخفيف من حدة الأزمة الإنسانية التي يواجهها، خاصة من الفئات الأكثر ضعفا، وفي مقدمتها الأطفال الذين يشكلون نحو نصف سكان القطاع (ما يزيد على مليون طفل)، الذي يأتي في إطار مواقف دولة الإمارات الأخوية الراسخة تجاه الأشقاء الفلسطينيين.
وجنبا إلى جنب مع تلك المبادرات الثلاث التي وجه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بإطلاقها، رسم أهل دولة الإمارات والمقيمون فيها صورة إنسانية ملهمة دعما لإخوانهم في غزة عبر مبادرة "تراحم من أجل غزة" التي تم إطلاقها في 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما زالت متواصلة.
تلك الملحمة الإنسانية لدعم أهل غزة أطلقها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي أمر في الأيام الأولى للحرب وتحديدا في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بتقديم مساعدات عاجلة إلى الأشقاء الفلسطينيين بمبلغ 20 مليون دولار (نحو 74 مليون درهم إماراتي).
وارتفع الرقم إلى 154 مليون درهم بعد توجيه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في 13 أكتوبر/تشرين الأول بتقديم مساعدات عاجلة، بمبلغ 50 مليون درهم، عن طريق مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية.
كذلك، وجهت قرينة حاكم الشارقة الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة مؤسسة "القلب الكبير" في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بتقديم مساعدات إغاثية بمبلغ 30 مليون درهم للفلسطينيين.
دعم تاريخي متواصل
قبل اندلاع التصعيد في غزة، اعتادت القيادة الإماراتية التوجيه بتقديم دعم ومساعدات للفلسطينيين، كان أحدثها التوجيه في 6 يوليو/تموز الماضي بمبلغ 15 مليون دولار، لإعادة تأهيل المناطق المتضررة جراء الاعتداءات الإسرائيلية في جنين شمالي فلسطين آنذاك عبر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، وذلك بعد شهر من تقديم 20 مليون دولار لدعم الوكالة نفسها مطلع يونيو/حزيران السابق له.
وتخلل هذا الدعم توجيه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بتقديم مبلغ 7.3 مليون درهم دعماً لبلدية مدينة الخليل الفلسطينية منتصف يونيو/حزيران الماضي، وذلك بعد أن وجه في 16 مارس/آذار الماضي، بتقديم 3 ملايين دولار لدعم إعادة إعمار بلدة حوارة الفلسطينية.
وجاء الدعم بعد نحو 4 أشهر من تسليم غزة أكبر قافلة مساعدات طبية، تضم أدوية ومستلزمات طبية ضرورية، بقيمة 10 ملايين دولار، بتبرع سخي من دولة الإمارات.
وجاء إرسال القافلة الطبية لغزة بعد نحو شهر من توقيع دولة الإمارات اتفاقية تعاون مع منظمة الصحة العالمية، لدعم مستشفى المقاصد الذي يعد أكبر مستشفى أهلي خيري تعليمي في القدس الشرقية بـ25 مليون دولار.
ولا ينسى الفلسطينيون وأهل غزة الوقفة الإماراتية الإنسانية دعما لهم خلال فترة جائحة كورونا، فقد أرسلت دولة الإمارات إلى قطاع غزة شحنات عدة من اللقاح الروسي "سبوتنيك - في" المضاد لفيروس كورونا المستجد " كوفيد-19"، عام 2021.
وتأتي هذه المساعدات في إطار التزام دولة الإمارات المستمر بدعم الشعب الفلسطيني وتعزيز جهود الكوادر الطبية في مكافحة الجائحة، حيث سبق أن أرسلت دولة الإمارات في هذا الصدد 3 طائرات مساعدات طبية تحمل 36.6 طن بالإضافة إلى 10 آلاف جهاز فحص كورونا و10 أجهزة تنفس، ليستفيد منها 36.6 ألف من الكوادر الطبية.
وفي بداية عام 2021، قامت دولة الإمارات بإرسال مساعدات إغاثية عاجلة لدعم 10 آلاف أسرة في قطاع غزة، حيث قامت بتقديم 808 أطنان من المساعدات الإغاثية.
مواقف تأتي جميعها ضمن جهود دولة الإمارات المستمرة لدعم قدرات المؤسسات الصحية الفلسطينية، وتلبية متطلبات الشعب الفلسطيني في المجالات الإنسانية والمعيشية والصحية والاجتماعية والتعليمية وغيرها.
واستبق هذا الدعم الإغاثي والإنساني مساعدات إماراتية لفلسطين خلال الفترة من 2010 حتى 2021، بمبلغ 1.14 مليار دولار، منها مبلغ 254 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا).
ريادة إنسانية لدولة الإمارات في دعم فلسطين، أعادت لذاكرة الفلسطينيين جهود المؤسس والمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
وعلى درب المؤسس في دعم القضية الفلسطينية بشكل عام، يسير الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، مؤكدا بالأفعال والأقوال تضامن بلاده الراسخ مع الشعب الفلسطيني.