استقبال الرئيس السوري بالإمارات.. الأهداف والمآلات
المتابع والمراقب لدبلوماسية الإمارات وسياستها الخارجية تجاه القضايا العربية تحديدا، يدرك ، عدة أمور هامة وجوهرية تتسم بها تلك السياسة .
أبرز تلك الأمور هو سعيها الدائم للم الشمل وتعزيز التضامن العربي والبحث عن حلول لأزمات ومشاكل المنطقة ودعم شعوبها وتعزيز التعاون العربي بما يسهم في دعم الأمن والاستقرار وتحقيق الرخاء والازدهار.
أما سمات الدبلوماسية الإماراتية بشكل عام، فهي دبلوماسية قيادية، هادئة، حكيمة، متوازنة، متزنة، عاقلة، إيجابية، إنسانية، تغلب لغة الحوار، وتعلي نهج التسامح، وتدعم الأمن والاستقرار، وتسعى للبحث عن حلول منطقية وواقعية للأزمات، مع الأخذ في الحسبان التطورات الدولية والإقليمية المتلاحقة.
سمات تدفعها لاتخاذ خطوات جريئة ومواقف شجاعة، محسوبة ومدروسة، للوصول لحلول ملهمة ورائدة ومقبولة، لأزمات قديمة مستعصية، دون تفريط في الثوابت، أو الإخلال بقيمها ومبادئها، والتي لا تخرج أيضا عن ميثاق الأمم المتحدة .
ضمن هذا الإطار يمكن فهم تعاطي الإمارات مع القضايا العربية والدولية بشكل عام، وتعاطيها مع القضية السورية بشكل خاص.
أهداف ودوافع
وبالتالي يمكن فهم أهداف ودوافع استقبال الإمارات للرئيس السوري بشار الأسد، التي أثبتت عبره مجددا أنها صاحبة دور فاعل وحيوي في لم الشمل العربي عبر دبلوماسيتها الجريئة ومواقفها الشجاعة وسياساتها المتوازنة.
وقام الرئيس السوري بزيارة لدولة الإمارات، مساء الجمعة، أجرى خلالها مباحثات منفصلة مع كل من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية. وحرص الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال مباحثاتهما مع الأسد، على تأكيد رغبة دولة الإمارات في اكتشاف مسارات جديدة للتعاون البنّاء مع سوريا، ورصد الفرص التي يمكن من خلالها دفع أوجه التعاون المختلفة قُدماً بما يحقق مصالح الشعبين الشقيقين، ويخدم مستهدفات التنمية الشاملة لدى الطرفين، وبما يعزز من فرص السلم والاستقرار في سوريا والمنطقة على وجه العموم.
وأعرب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال لقائه الأسد في قصر الشاطئ عن تمنياته أن تكون هذه الزيارة فاتحة خير وسلام واستقرار لسوريا الشقيقة والمنطقة جمعاء.
بدوره، أكَّد الرئيس الأسد أنَّ "الإمارات دولةٌ لها دورٌ كبير نظراً للسياسات المتوازنة التي تنتهجها تجاه القضايا الدولية"، بحسب وكالة الأنباء السورية "سانا".
وأشار إلى أنَّ "العالم يتغير ويسير لمدةٍ طويلةٍ باتجاه حالة عدم الاستقرار لذلك فإنّه ولحماية منطقتنا علينا الاستمرار بالتمسك بمبادئنا وبسيادة دولنا ومصالح شعوبنا".
محاولة للفهم
من يفهم السياسة الإماراتية الخارجية ويتابع مبادراتها المتتالية لدعم الأمن والسلام والاستقرار في العالم، لن يتفاجأ بهذا الاستقبال التي فتحت الإمارات من خلاله الباب لسوريا للعودة لحاضنتها العربية بعد فترة عزلة استمرت 11 عاما، دفع ثمنها باهظا الشعب السوري.
سياسة عزلة عربية ودولية تجاه سوريا استمرت 11 عاما ولم تفض إلى أي نتيجة، سوى مزيد من المعاناة للشعب السوري.
وهنا جاء دور الدبلوماسية الإماراتية كعادتها لتأخذ زمام المبادرة وتبدأ في إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، للبحث عن حلول سياسية سلمية جديدة، واكتشاف مسارات جديدة للسلام والتنمية، تستند على التعاون والحوار.
خطوة شجاعة تأتي في توقيت هام، يشهد فيه العالم توترات جيوسياسية على خلفية الأزمة الأوكرانية، التي ألقت بتداعياتها على العالم بشكل عام والعرب بشكل خاص، وبدأت تعيد تشكيل ملامح نظام عالمي جديد.
في هذا التوقيت، رأت الإمارات أهمية تعزيز التضامن العربي وإعادة سوريا لحاضنتها العربية في ظل بيئة إقليمية ودولية مليئة بالتهديدات ومصادر عدم الاستقرار، ستلقي بتداعياتها وتبعاتها الآنية والمستقبلية على الجميع، إن لم يوحدوا جهودهم ويعززوا تضامنهم.
تؤمن الإمارات أن إعادة سوريا لحاضنتها العربية سيكون منطلقاً لمرحلة جديدة يكون فيها العرب –حال توحدهم- أكثر قوةً وقدرةً على مواجهة التغيرات والمستجدات الإقليمية والدولية.
استقبلت الإمارات الأسد إيمانا منها بأهمية تعزيز الدور العربي لحل أزمات المنطقة بشكل عام والأزمة السورية بشكل خاص، وأن مواجهة التحديات الناتجة عن التوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم حاليا يجب أن يكون من خلال تعزيز وتفعيل الأمن الجماعي العربي بمفهومه الشامل، وأن المسؤولية الكبرى عن ضمان أمن المنطقة واستقرارها تقع على كاهل العرب أنفسهم في المقام الأول.
أخذت الإمارات زمام المبادرة على أمل أن تسهم جهودها في تخفيف معاناة الشعب السوري، ورأب الصدع العربي وتحقيق التعاون والتكامل العربي أذي أضحى ضروريا لطي صفحة الماضي ومواجهة تحديات الحاضر والعمل من أجل المستقبل.
دروس التاريخ
خطوات قد لا تلقى استحسان البعض، ولكن دروس التاريخ، أثبتت مرارا مدى حكمة وصواب رؤية القيادة الإماراتية في اتخاذ مواقف قوية وجريئة وشجاعة – لم تنل استحسان البعض حينها- وأثبت الأيام لاحقا حكمة الإمارات وبعد نظرها في اتخاذ تلك المواقف.
والمواقف كثيرة، يسجلها التاريخ بحروف من نور، من أبرزها المواقف الإماراتية الداعمة لاستقرار الدول العربية ضد التنظيمات الفوضوية في أعقاب ما عرف باحتجاجات الربيع العربي عام 2011، والتي تجني تلك الدول حاليا ثمارها استقرارا وازدهارا، فيما يتكشف يوما بعد يوما المصير الذي كان ينتظر تلك الدول لو وقعت في أيدي تلك التنظيمات وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية.
ظهر ذلك جليا أيضا في جهود الإمارات لنشر السلام عبر توقيع معاهدة تاريخية مع إسرائيل منتصف سبتمبر/أيلول 2020، دون المساس بالقضية الفلسطينية، والتي يجني العالم ثمارها الآن، وحذت العديد من الدول حذو الإمارات، وسط توقعات باتساع دائرة الدول المنضمة لقطار السلام.
وتوجت تلك الدبلوماسية الحكيمة باحتلال دولة الإمارات المرتبة العاشرة عالمياً والأولى إقليمياً في قوة التأثير وفق مؤشر القوة الناعمة العالمي للعام 2022، الذي تعده مؤسسة "براند فاينانس" البريطانية عبر استطلاع آراء أكثر من 100 ألف شخص من 101 دولة لتقييم مختلف محاور القوة الناعمة والتأثير الإيجابي، في مؤشر يعكس ثقة شعوب دول العالم في سياسة الإمارات وحكمة قيادتها.
رسائل ودلالات
تلك الثقة تجلت أيضا في اختيار الرئيس السوري بشار الأسد لدولة الإمارات لتدشين بدء عودته للحاضنة العربية، الأمر الذي يحمل أكثر من رسالة، أبرزها التقدير الذي يحمله لدولة الإمارات في ظل موقفها الداعم لوحدة الأراضي السوية ودعمها لحل سياسي للأزمة السورية.
الدلالة الثانية للزيارة هي إدراك الرئيس السوري جيدا لحجم ومكانة وثقل دولة الإمارات التي تترأس حاليا مجلس الأمن الدولي لشهر مارس/ آذار الجاري، في المجتمعين الدولي والعربي، فضلا عن قيادتها دبلوماسية نشطة لتعزيز الأمن والسلام في العالم، ودور رائد في تعزيز التضامن العربي.
أما الدلالة الثالثة، فتتمثل في ثقة الأسد بالقيادة الإماراتية ومواقفها الشجاعة وإدراكه سعيها الدؤوب لحل أزمة بلاده.
الدلالة الرابعة هي إدراك الأسد جيدا أن أبواب دولة الإمارات التي فتحت أمامه، ستكون بداية لفتح الكثير من الدول العربية أبوابها أمامه اقتداء بها ودعما لتوجهاتها الداعمة للتضامن العربي وحل الأزمة السورية، إذ أن سياسة دولة الإمارات دائما ما تكون ملهمة للعديد من الدول العربية التي تثق في رجاحة رؤيتها وحكمة قيادتها.
وتأتي الزيارة قبل نحو 7 شهور من القمة العربية المقبلة المقررة في الجزائر مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وتفتح زيارة الأسد لدولة الإمارات، مجددا الباب أمام احتمال عودة سوريا إلى مقعدها الشاغر في الجامعة العربية، بعد أن علّق وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ نهاية نوفمبر/تشرين ثاني 2011 عضوية سوريا في الجامعة العربية، عقب اندلاع أزمتها.