العلاقات الإماراتية الروسية.. قوة استراتيجية واستثمارية
المتابع للعلاقة بين الإمارات وروسيا، يستشعر مدى قوتها وتطورها على مدار العقود الماضية، وبات البلدان يلتقيان في العديد من الشراكات
علاقة متميزة تجمع الإمارات وروسيا، عمرها يقترب من 47 عاماً، ولا تكاد تكون قاصرة على مجال واحد، فقد امتدت لتشمل مجالات مختلفة: اقتصادية وثقافية وسياسية أيضاً.
فالعلاقة بين الطرفين متجذرة منذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها عام 1971، وها هي تعيش في أوج قمتها، لا سيما بعد تتويجها بعدد من الاتفاقيات المتعلقة بالأبحاث الفضائية.
ومن المقرر أن ينطلق هزاع المنصوري أول رائد فضاء إماراتي، نحو المحطة الدولية للفضاء، برفقة رائد الفضاء الروسي أوليج إيفانوفيتش سكريبوتشكا، ورائدة الفضاء الأمريكية جيسيكا مير، بعد مرورهم بسلسلة من التدريبات في المركز الروسي "يوري جاجارين" لتدريب رواد الفضاء.
توقيع الإمارات وروسيا على اتفاقية إرسال أول رائد فضاء إماراتي إلى الفضاء؛ للمشاركة في الأبحاث العلمية، ضمن بعثة فضاء روسية إلى محطة الفضاء الدولية، على متن مركبة "سويوز إم إس" الفضائية، الذي تم خلال العام الماضي، شكّل قفزة نوعية في تاريخ العلاقات بين البلدين، لا سيما أنها تدعم أهداف "مئوية الإمارات 2071"، التي تركز على علوم المستقبل وتطويرها في مجالات الابتكار والفضاء والهندسة والطب، كما أنها مثلت امتداداً للعلاقة القوية بين مركز محمد بن راشد للفضاء ووكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس".
المطلع على تفاصيل العلاقة بين الإمارات وروسيا، يستشعر مدى قوتها وتطورها على مدار العقود الماضية؛ حيث بات البلدان يلتقيان معاً في العديد من الشراكات الاستراتيجية التي تصب في مصلحة الطرفين.
وبدأت هذه الشراكات بافتتاح السفارة الروسية في أبوظبي عام 1986، وتلاها افتتاح السفارة الإماراتية في موسكو عام 1987، بينما افتتحت القنصلية العامة الروسية في دبي عام 2002؛ حيث عبر ذلك عن مدى قوة العلاقة بين البلدين الصديقين.
العلاقة بين البلدين أخذت منحى شعبياً، بعد أن فتحت الإمارات أبوابها أمام السائح الروسي، والعكس كذلك، الأمر الذي عمّق العلاقة بين البلدين، اللذين يرتبطان معاً بسلسلة من المصالح المشتركة، خاصة في الجانب الاقتصادي والثقافي.
وسعى قادة البلدين إلى تعزيز التبادل التجاري بينهما، وإقامة شراكات استراتيجية استثمارية جديدة، لا سيما أن الإمارات تُعد أكبر شريك لروسيا على مستوى منطقة الخليج، إلى جانب أنها واحدة من أكبر 10 مستثمرين أجانب في روسيا، الأمر الذي يدل على مدى تاريخية وعمق العلاقة بين الطرفين.
وتجلت العلاقة بين البلدين بعد زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، إلى روسيا خلال العام الماضي؛ حيث قام مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتوقيع إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، لتكون ذلك بمثابة خطوة متقدمة جداً على طريق تعزيز العلاقات والتعاون المشترك.
تنوع
على مدار العقود الماضية، تمكنت الإمارات من إخراج علاقتها مع روسيا من الطابع الرسمي، وإلباسها ثوب العلاقات الاجتماعية والشعبية، وهو ما أسهم كثيراً في تنويع العلاقة بين الطرفين، وعدم إقصارها على الجانب السياسي والرسمي.
ولعل ذلك قد أسهم في رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين؛ حيث تشير التقارير إلى أن التبادل التجاري بين البلدين قد ارتفع بنسبة 21% مع نهاية العام الماضي، مقارنة مع عام 2017، ووصل إلى نحو 3 مليارات دولار.
المساحة الاقتصادية بين البلدين تكاد تكون واسعة نوعاً ما، فهما يرتبطان بعلاقات استثمارية متميزة، أسهمت في تعزيز وتوطيد العلاقات بينهما، وأدت إلى رفع حجم التبادل التجاري لمستويات أعلى.
وبحسب الإحصائيات، فقد بلغ عدد الشركات الروسية المسجلة والعاملة في الإمارات نحو 3 آلاف شركة، في حين أن الإمارات استثمرت في قطاعات الغاز والنفط والعقارات والبنية التحتية والخدمات اللوجستية الروسية، وسعت أيضاً إلى تعزيز وجودها في قطاع إنتاج الأغذية في روسيا، فيما تشترك الدولتان في استخراج الموارد الطبيعية، فضلاً عن كونهما من المراكز التجارية الناشئة في مجال الماس.
ترحيب
إلى جانب ذلك يبلغ عدد المواطنين الروس المقيمين في دولة الإمارات نحو 16 ألفاً، فيما يبلغ عدد السياح الروس في الإمارات نحو 850 ألف سائح، الأمر الذي يحمل معه إشارة واضحة تدل على مدى الترابط بين البلدين ومدى حرص المؤسسات والشركات الروسية على الاستثمار والعمل في الدولة، لا سيما تلك التي حجزت لها مكانة في معرض إكسبو 2020، وتلك التي شاركت ولا تزال في كل دورة من معرض "إيدكس 2019"، الذي تستضيفه سنوياً أبوظبي؛ حيث تكشف لنا حجم المشاركة الروسية فيه عن مدى قوة الشراكة التي تربط البلدين معاً في مجالات الأمن والصناعات العسكرية.
وفي نهاية 2017، عُقد منتدى الأعمال الإماراتي الروسي، الذي نظمته غرفة تجارة وصناعة أبوظبي، بمشاركة أكثر من 100 رجل أعمال وممثل عن شركات روسية، الذي وجد ترحيباً خاصاً من قبل الشركات الإماراتية، وهو ما عزز من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، في ظل تنامي اهتمام الشركات الروسية بالعمل والاستثمار في الإمارات.
وجاء هذا بفضل ما تمتلكه الإمارات من فرص استثمارية متنوعة، إلى جانب سلاسة قوانينها والمناطق الحرة ومطاراتها ومرافقها الحديثة، التي أسهمت في تعزيز ثقة الشركات الروسية في إطلاق مشاريعها داخل الإمارات.
أما بالنسبة للجانب الثقافي، فامتزجت علاقة البلدين معاً واستطاعا أن يتيحا الفرصة أمام مواطنيهما للتعرف على طبيعة الثقافة التي تميز كل واحد منهما، فلا تكاد الفرق الروسية تغيب عن الأحداث الثقافية التي تقام في الإمارات، في حين شهد ديسمبر/كانون الأول 2017 استضافة العاصمة أبوظبي مهرجان الموسيقى الشعبية الروسية، الذي تضمن آنذاك 14 برنامجاً موسيقياً نفذت على مدار 8 أيام في مناطق مختلفة من أبوظبي؛ حيث شارك فيه أكثر من 30 فناناً روسياً.
بلا شك أن العلاقات الثنائية أخذت بالازدهار، لا سيما بعد تعاونهما المشترك في المجال الفضائي، واستضافة روسيا لرائدي الفضاء الإماراتيين، من أجل تدريبهما وتأهيلهما لإتمام المهمة الملقاة عليهما في المحطة الدولية للفضاء، إلى جانب المشاركة الإماراتية الفاعلة في قمة "أقدر" العالمية التي تستضيف موسكو دورتها الـ3، حيث تشارك الإمارات بـ12 مسؤولاً بينهم 8 وزراء، وتعرض الإمارات فيها تجاربها ومساهمتها في تمكين الإنسان في التعليم والمعرفة والفضاء، وتمكين الشباب وأصحاب الهمم والذكاء الاصطناعي والتمكين الحضاري وغيرها.