في عالمٍ يزداد اضطراباً وتتوالى الأزمات وتكثر فيه الكوارث الطبيعية من فيضانات وجفاف وأيضا حرائق يبرز في الأفق ضوء الأمل من روح الإنسانية والعطاء متمثلا في دولة الإمارات..
واتخذت الإمارات العطاء نبراسا والإنسانية نهجا لا تحيد عنه جعلت منه بوصلة لها وحولت قيم التضامن إلى فعل متجدد، وليأتي موقفها في ألبانيا ليؤكد أن الأزمات مهما عظمت، يمكن أن تضمحل أمام روح التعاون والإنسانية الصادقة.
غابات ألبانيا المحترقة، ليست مجرد ألسنة تلتهم مساحات من الغابات الممتدة، بل تعد تهديدا حقيقيا لأمن ألبانيا البيئي ولحياة الناس ومصدر رزق لمئات الآلاف، في مثل هذه المواقف تتجلى الدول ويبرز معدن قادتها الذين جعلوا من التضامن والإنسانية نهجا راسخا لا حياد عنه.
برزت الإمارات كما عهدها العالم أجمع سباقا للفعل قبل القول حاضرة بأبنائها وإمكاناتها لتؤكد أن الإنسانية لا وطن لها وأن الأخوة لا تحدها المسافات.
البعد الإنساني: أخوة تتجاوز الحدود
المتابع لسجل الإمارات في مواقف الإغاثة والمساعدات الإنسانية يدرك أن ما جرى في ألبانيا ليس موقف غريبا أو وليد اللحظة، بل موقفا راسخا وجليا ونهجا أساسيا في عمق الوجدان الإماراتي، حيث سبقت هذه الحرائق كارثة أخرى كالزلزال الذي أصاب ألبانيا قبل عدة سنوات وحينها قال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان جملة مؤثرة لرئيس وزراء ألبانيا: “أخي أنت وشعبك لستم وحدكم”. هذه العبارة لم تكن مجرد مجاملة دبلوماسية، بل وعداً صادقاً تُرجم على أرض الواقع ويتوالى الآن إلى تدخل سريع من الإمارات للمساهمة في احتواء حرائق ألبانيا.
إن الدعم الإماراتي لم يكن فقط بالمعدات والفرق المتخصصة، بل كان رسالة إنسانية تنبع من الخير والعطاء تؤكد أن المعاناة لا تختص بشعب واحد أو منطقة بعينها، بل تمس الضمير الإنساني العالمي، والإمارات اختارت أن تكون في مقدمة من يلبي نداء الاستغاثة.
التحول من الاستجابة إلى العمل الميداني
على الصعيد الميداني تميزت الإمارات بقدرتها في العمل الميداني، ففي ألبانيا، لم يقتصر الأمر على بيانات الدعم أو رسائل التعاطف، بل أرسلت الإمارات فرقا متخصصة بتنسيق من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع، بالإضافة لوزارة الداخلية متمثلة بفريق من الدفاع المدني متخصص من كوادر فنية ولوجستية مجهزة بأحدث الوسائل.
لقد نفذت هذه الفرق 21 طلعة جوية حتى الآن، وأسقطت ما يزيد على 737 ألف كيلوغرام من المياه في عمليات دقيقة هدفت إلى محاصرة النيران ومنع امتدادها. هذه التفاصيل التقنية ليست أرقاماً جافة، بل هي انعكاس لإرادة إنسانية تتجسد في فعل ملموس ينقذ حياة الناس ويحمي بيئتهم.
قوة الإمارات في تضامنها الإنساني
وبقراءة للمشهد نلاحظ أن الإمارات تنظر إلى العمل الإنساني كقوة استراتيجية بحد ذاتها. فالعطاء ليس عملاً أو رد فعل لحظي، بل هو سياسة ممنهجة تنبع من رؤية الوالد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان طيب الله ثراه، ترى في الإنسانية أساساً للأمن والاستقرار العالمي.
ولعل كلمات رئيس وزراء ألبانيا، إيدي راما، حين قال عن الإمارات إنها "نور العقل في عالم يزداد ظلاماً يوماً بعد يوم"، تعبّر بصدق عن القيمة الرمزية لهذه الجهود.
إنها ليست مجرد عمليات مساهمة في إطفاء الحرائق، بل عملية إحياء للأمل والإنسانية في عالم يموج بالصراعات ومثقل بالأزمات.
حرائق ألبانيا ليست الحالة الأولى التي تبرز فيها الإمارات كفاعل إنساني مؤثر. فمن آسيا إلى أفريقيا وأوروبا، اعتادت الدولة أن تكون في الصفوف الأولى عند وقوع الكوارث الطبيعية أو الأزمات الإنسانية، ومن إرسال الجسور الجوية لمساعدة الشعوب المنكوبة بالزلازل، إلى إغاثة ضحايا الفيضانات، وصولاً إلى دعم المستشفيات والمراكز الصحية في المناطق الفقيرة والمنكوبة، يشكل هذا السجل الممتد من العطاء ملامح صورة واضحة: الإمارات وطن لا يتردد في تحويل إمكاناته إلى طوق نجاة للآخرين.
الخاتمة
وكتحليل أعمق للجهود الإماراتية ليس فقط في ألبانيا، بل بالعالم أجمع، يظهر النهج الإماراتي الذي جعل من الإنسانية جزءاً أصيلاً من هويتها الوطنية. فهي لا ترى أن المساعدات مجرد أداة لتعزيز العلاقات السياسية أو الدبلوماسية، بل تعتبرها واجباً أخلاقياً يتماشى مع قيمها وثقافتها وتراثها الذي نشأ على الكرم وإغاثة الملهوف وأن التضامن ليس شعاراً يرفع عند الحاجة، بل فعلا مستمرا يتكرر كلما دعت الحاجة إليه. وهكذا، تواصل الإمارات بناء صورة عالمية فريدة لدولة جعلت من الخير والعطاء نهجاً راسخاً، ومن الإنسانية عنواناً يميزها بين الأمم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة