الإمارات وسوريا.. دعم دبلوماسي وإنساني يقود دمشق لبر الأمان
دعم إماراتي متواصل لسوريا على مختلف الأصعدة، توجته أبوظبي باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد، في أول زيارة لدولة عربية منذ 11 عاما.
استقبال يدعم عودة سوريا لحاضنتها العربية، بما يسهم في حل أزمة تجاوزت العقد من الزمان، وتسببت في تداعيات إنسانية وخيمة على الشعب السوري، وطالت الأمة العربية بأسرها.
وقام الرئيس السوري بزيارة لدولة لإمارات، مساء الجمعة، أجرى خلالها مباحثات منفصلة مع كل من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية.
وحرص الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال مباحثاتهما مع الأسد، على تأكيد رغبة دولة الإمارات في اكتشاف مسارات جديدة للتعاون البنّاء مع سوريا، ورصد الفرص التي يمكن من خلالها دفع أوجه التعاون المختلفة قُدماً بما يحقق مصالح الشعبين الشقيقين، ويخدم مستهدفات التنمية الشاملة لدى الطرفين، وبما يعزز من فرص السلم والاستقرار في سوريا والمنطقة على وجه العموم.
زيارة الأسد لدولة لإمارات تأتي وفي وقت تشارك فيه سوريا في "إكسبو 2020 دبي"، الذي يعد أول إكسبو دولي يقام في العالم العربي، وأكبر حدث ثقافي في العالم، والذي حرصت دولة الإمارات على توظيفه لدعم علاقاتها الأخوية مع أشقائها العرب.
كما تأتي الزيارة بعد شهر من زيارة لبانة المشوح وزيرة الثقافة السورية لدولة لإمارات لبحث سبل تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين، وبعد نحو شهرين من مباحثات بين البلدين لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية.
أيضا تأتي في وقت تواصل فيه الإمارات مساعيها الإنسانية للتخفيف من تداعيات فصل الشتاء على 100 ألف عائلة في المنطقة من بينهم لاجئون سوريون.
كذلك تأتي في وقت تحتضن فيه دولة الإمارات على أرضها منذ بداية الأزمة السورية ما يزيد على 130 ألف سوري. كما تقدمت دولة الإمارات الصفوف في كل المؤتمرات خلال الفترة الماضية، لبحث حلول الأزمة السورية ودعم شعبها إنسانيا.
ويعد استقبال القيادة الإماراتية للرئيس السوري، أحدث محطة ضمن محطات الدعم المتواصل لسوريا ولشعبها، والذي لم يتوقف ولن يتوقف حتى تصل سوريا وشعبها إلى بر الأمان.
دعم الحل السياسي
وتؤمن دولة الإمارات بالحل السياسي كمخرج وحيد للأزمة السورية، ومرارا أكدت ذلك في كل المؤتمرات الدولية والمباحثات الثنائية.
وشددت دولة الإمارات على دعمها الكامل لجهود الأمم المتحدة، إلى جانب جهود الوساطة الدولية الأخرى الهادفة للتوصل إلى اتفاق سلام في سوريا بناء على مؤتمر جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2254.
كما أكدت مرارا وتكرارا رفضها للتدخل الأجنبي في الشأن السوري، والتشديد على أهمية وجود دور عربي فعال في سوريا، ومساعدة السوريين في العودة إلى محيطهم العربي.
وفي أكثر من محفل دولي، أكدت دولة الإمارات أن الحل السياسي هو الوحيد لإنهاء الأزمة السورية، وشددت على أهمية إيجاد دور عربي فاعل في جهود الحل السياسي ومساعدة سوريا في العودة إلى محيطها العربي.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال لقائه الأسد في قصر الشاطئ بأبوظبي، مساء الجمعة، أن سوريا تعد ركيزة أساسية من ركائز الأمن العربي وأن دولة الإمارات حريصة على تعزيز التعاون معها بما يحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق نحو الاستقرار والتنمية.
وكانت دولة الإمارات ترجمت هذا التوجه بالفعل على أرض الواقع عبر أكثر من محطة، بدأتها بإعادة افتتاح سفارتها في دمشق ديسمبر/كانون أول 2018.
وفي مبادرة سياسية رائدة، دعا وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان في مارس/ آذار الماضي، إلى ضرورة عودة سوريا لشغل مقعدها بجامعة الدول العربية.
وقال الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، في مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي، سيرجي لافروف، بالعاصمة أبوظبي، آنذاك، إنه من الأدوار المهمة لعودة سوريا هو أن تعود لجامعة الدول العربية، وهذا يتطلب جهدا أيضا من الجانب السوري كما يتطلب جهدا من "الزملاء في الجامعة العربية".
وأضاف أن الأمر يتعلق بالمصلحة العامة، أي مصلحة سوريا ومصلحة المنطقة، لافتا إلى أن هناك "منغصات" بين الأطراف المختلفة، لكن لا يمكن سوى العمل على عودة سوريا إلى محيطها.
وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تلقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان اتصالا هاتفيا من الرئيس بشار الأسد جرى خلاله بحث علاقات البلدين الشقيقين وسبل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات لما فيه مصالحهما المتبادلة.
كما تناول الاتصال تطورات الأوضاع في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط إضافة إلى مجمل القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك.
وفي زيارة نوعية، أجرى الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي زيارة إلى سوريا، في 9 نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، هي الأولى لمسؤول إماراتي بهذا المستوى منذ أكثر من 10 أعوام، تستهدف دعم عودة دمشق إلى حاضنتها العربية.
الزيارة التي وصفتها دمشق أنها "خطوة شجاعة" بدأت تمهد أجواء عودة سوريا المرتقبة إلى الحاضنة العربية.
مباحثات متواصلة
ودعما لهذا التوجه، فتحت الإمارات أبوابها أمام المسئولين السوريين لدعم التعاون بين الجانبين.
وفي فبراير/ شباط الماضي، أجرت لبانة مشوح وزيرة الثقافة السورية زيارة للإمارات أجرت خلالها عدة لقاءات لتعزيز التعاون.
والتقت مشوح، عبد الحميد أحمد، الأمين العام لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية وبحثت العلاقات الثقافية بشكل عام والدور الذي تؤديه المؤسسة في تعزيز حضور الثقافة العربية من خلال تكريم الأدباء والاحتفاء وتقديرهم.
كما بحث الدكتور عبد العزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث مع وزيرة الثقافة السورية، سبل التعاون بين الجانبين في مجال التراث الثقافي غير المادي وإقامة فعاليات مشتركة تحتفي بالتراث المشترك للبلدين.
وقبل هذه الزيارة بنحو شهر، بحثت غرفة تجارة وصناعة الشارقة العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية مع وفد من قنصلية الجمهورية العربية السورية في دبي، إلى جانب زيادة التبادل التجاري واستعراض أبرز الفرص الاستثمارية المتاحة بما يدعم التعاون الاقتصادي ويعزز الشراكة بين رجال أعمال الطرفين.
إكسبو دبي يعزز التعاون
وتشارك سوريا في "إكسبو 2020 دبي"، الذي يعد أول إكسبو دولي يقام في العالم العربي، وأكبر حدث ثقافي في العالم، والذي حرصت دولة الإمارات على توظيفه لدعم علاقاتها الأخوية مع أشقائها العرب.
وأجرى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي زيارة لجناح سوريا في إكسبو دبي 3 مارس/ آذار الجاري.
وأكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن التنوع الثقافي والمعرفي واسع النطاق الذي يضمه إكسبو دبي وما يتيحه الحدث الأضخم في تاريخ المنطقة من تلاقي شعوب العالم شرقه بغربه على أرض الإمارات، يسهم في بناء جسور جديدة أكثر فاعلية للتواصل الإنساني وتحقيق مزيد من التقارب والتفاهم وإقرار أسس التسامح والتعايش.
وتعرّف الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خلال الزيارة على بعض أعمال نخبة من الفنانين السوريين، واطلع على ما يعرضه الجناح من معالم تبرز تاريخ سوريا العريق والذي انطلقت منه أول أبجدية وتدوين موسيقى وقصيدة من مملكة "أوغاريت" التي ازدهرت على الساحل السوري.
دعم إنساني
إنسانيا، لم تتوقف قوافل الدعم الإماراتية لسوريا، منذ بدء الأزمة السورية وحتى اليوم، بل زادت خلال جائحة كورونا لدعم الشعب السوري في مواجهة تلك الأزمة.
وفي مبادرات رائدة، تجاوزت فيها دولة الإمارات الحسابات السياسية الضيقة، وأعلت التضامن الإنساني، مؤكدة أنها ستبقى على الدوام خير سندٍ لأشقائها وأصدقائها وللإنسانية جمعاء، إيمانا منها بأن التضامن الإنساني بين الشعوب راسخ، والخلاف السياسي عابر مهما امتد.
وفي ترجمة عملية لتلك المبادئ والقيم، جاء الاتصال الهاتفي الذي أجراه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع الرئيس السوري بشار الأسد في 27 مارس/آذار من عام 2020 مع بدء تفشي الفيروس، لبحث دعم الشعب السوري جراء تفشي جائحة كورونا.
ولا يزال العالم يذكر الكلمات التي يخلدها تاريخ الإنسانية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال الاتصال، حين قال إن "سوريا البلد العربي الشقيق لن يكون وحده في هذه الظروف الدقيقة والحرجة".
أيضا وضمن أحدث مبادرات الدعم الإنسانية الإماراتية، جاءت حملة "لنجعل شتاءهم أدفأ" التي أطلقتها حملة "أجمل شتاء في العالم" بالشراكة مع "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية" و"المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، و"الشبكة الإقليمية لبنوك الطعام"، وبالتعاون مع صانعي المحتوى العربي حسن سليمان، والمعروف بـ "أبو فلة"، في يناير/كانون ثاني الماضي.
وتهدف الحملة لتوفير أكبر قدر من المساعدات ودعم أكبر عدد من عائلات اللاجئين والمجتمعات الأقل حظاً في المنطقة في فصل الشتاء بواقع 100,000 عائلة ليتمكنوا من مواجهة وتحمل ظروف الشتاء الصعبة في الوطن العربي أو الذين يواجهون ظروف معيشية متدنية في افريقيا، وعلى رأس المستهدفين من الحملة اللاجئون السوريون في عدة دول.
كما سبق وأن دشنت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي في 14 يونيو/حزيران الماضي، المرحلة الثانية من برنامج تطعيم اللاجئين السوريين في الأردن ضد فيروس كورونا.
وسبق أيضا وأن أرسلت دولة الإمارات إلى دمشق 5 طائرات مساعدات خلال شهر أبريل/ نيسان الماضي، وأغسطس/آب وسبتمبر/أيول 2020 على متنها كميات كبيرة من لقاحات "كوفيد-19" والأدوية والمواد الطبية.
قوافل إنسانية سيرتها هيئة الهلال الأحمر الإماراتي بالتنسيق مع جمعية الهلال الأحمر السوري، لدعم قدرة القطاع الصحي السوري على مواجهة تداعيات جائحة "كورونا" وتعزيز الإجراءات الوقائية للحد من تفشيها.
كما وصلت العاصمة دمشق في نوفمبر/تشرين ثاني 2020 قافلة مساعدات برية تحمل 22 طنا من الأدوية والمواد الطبية، سيرتها الهيئة بالتنسيق مع جمعية الهلال الأحمر السورية.
كذلك شاركت دولة الإمارات في مارس/ آذار الماضي بمؤتمر "دعم مستقبل سوريا والمنطقة " الذي انعقد في بروكسل، حيث أكدت خلاله تقديم 30 مليون دولار أمريكي دعما للجهود الدولية الرامية لرفع المعاناة عن الشعب السوري الشقيق، ولتوفير التمويل اللازم للأنشطة الإنسانية في هذا الإطار.
ومنذ بداية الأزمة السورية وطوال السنوات العشر الماضية كانت الإمارات، سباقة في دعم الشعب السوري، وظلت على موقفها باسطة يد العطاء بالمساعدات والدعم للأخوة السوريين في الداخل السوري أو في الدول المجاورة المستضيفة للاجئين.
وبلغة الأرقام، قدمت دولة الإمارات على مدار السنوات العشر الماضية ما يزيد على 1.11 مليار دولار أمريكي من المساعدات لغوث اللاجئين السوريين سواء داخل سوريا أو في كل من الأردن ولبنان والعراق واليونان.
وشملت تلك المساعدات توفير الغذاء والإيواء والرعاية الصحية وأيضا إنشاء المستشفيات الميدانية، وإنشاء المخيم الإماراتي الأردني في منطقة مريجيب الفهود الأردنية ومخيمات مماثلة في إقليم كردستان العراق وفي اليونان لتوفير سبل المعيشة والحماية والخدمات الاجتماعية المختلفة.
وكذلك قامت دولة الإمارات بالتعاون مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا بتأسيس الصندوق الائتماني لإنعاش سوريا "SRTF" وساهمت فيه بمبلغ 23.4 مليون دولار أمريكي لدعم الاستقرار للسوريين النازحين داخليا.