الإمارات بالأمم المتحدة.. خارطة طريق شاملة لمواجهة الأزمات والتحديات

خارطة طريق شاملة لمواجهة مختلف الأزمات والصراعات والتحديات الدولية، طرحتها الإمارات أمام العالم من على المنبر الأممي.
جاء ذلك في كلمة الإمارات أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ألقتها لانا زكي نسيبة وزيرة الدولة الإماراتية، والتي طرحت خلالها رؤية الإمارات لحل أزمة غزة والحرب الأهلية في السودان، وإصلاح الأمم المتحدة، ومواجهة تحديات عالمية كندرة المياه والتغيرات المناخية، مع تأكيدها على التمسك بالحلول الدبلوماسية لحل قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من قبل إيران.
ووجهت الإمارات رسائل للعالم أجمع تحمل مبادئ هامة لحل الصراعات والأزمات والتحديات أكدت من خلالها أن "الممارسات العدوانية لن تجلب الاستقرار"، وأن "السلام المستدام لن يتحقق بالحلول العسكرية".
وقدمت للعالم نموذجا لدبلوماسية الحكمة الإماراتية التي تستند على "الدبلوماسية والحلول السلمية والحوار والسعى لحل النزاعات بشكل مستدام بدلا من الاكتفاء بإدارتها"، والتي كان أبرز ثمارها نجاحها في تبادل آلاف الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، واستضافة محادثات السلام بين أذربيجان وأرمينيا، التي قادت لاحقا لاتفاقية سلام تاريخية بين البلدين.
دبلوماسية الحكمة
ورسمت لانا نسيبة، في كلمتها أمام اجتماعات الدورة الثمانية للجمعية العامة للأمم المتحدة، صورة للواقع الحالي للعالم، محذرة من أن العالم اليوم أمام لحظة فارقة في مشهد تسوده الاضطرابات والنزاعات والأزمات الإنسانية وتستمر فيه تهديدات سيادة الدول ومخاوف الانتشار النووي والأطروحات المتطرفة".
وبينت أن الإمارات في مواجهة هذا المشهد "اختارت نهج الحكمة وخفض التصعيد وتسخير كافة إمكانياتها لبناء الجسور وتجنب الصراعات ووضع مصالح الشعوب فوق كل اعتبار وسعت لتدعيم آليات التعاون الدولي والعمل متعدد الأطراف واحترام قواعد ومبادئ القانون الدولي بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة".
وبينت أن الإمارات تبنت " دبلوماسية إنسانية صادقة تهدف لصون كرامة الأفراد في أسوأ الظروف وسعت كذلك لتقريب وجهات النظر".
وأشارت إلى أن ثمار تلك الدبلوماسية " نتج عنها تبادل آلاف الأسرى بين روسيا وأوكرانيا واستضافة محادثات السلام بين أذربيجان وأرمينيا بجانب مساعي التهدئة في جنوب آسيا وغيرها".
وقبل شهرين، استضافت الإمارات في 10 يوليو/تموز الماضي، قمة أذرية - أرمينية، قادت إلى إنهاء خلاف دام 4 عقود بين البلدين الواقعين في جنوب القوقاز، وإتمام السلام بينهما باتفاق سلام تاريخي برعاية أمريكية في 9 أغسطس/ آب الماضي.
جاء هذا الإنجاز، فيما تتواصل جهود الإمارات لإنهاء الأزمة الأوكرانية، الأمر الذي توج بنجاحها في إبرام 17 وساطة لتبادل الأسرى منذ مطلع عام 2024 ، كان أحدثها في 24 أغسطس/آب الماضي، تم بموجبها إطلاق 4592 أسيرا، وهو رقم كبير يجسد إنجازا دبلوماسيا وإنسانيا غير مسبوق في أزمة تشهد تصعيدا متواصلا بين طرفيها.
وأكدت نسيبة في كلمتها أنه في "مواجهة التحديات تلتزم الإمارات بالدبلوماسية والحلول السلمية والحوار وتسعى لحل النزاعات بشكل مستدام بدلا من الاكتفاء بإدارتها".
وشددت على أنه: "أينما حلت أنظارنا سواء في غزة أو أوكرانيا أو السودان أو في اليمن وليبيا والساحل تتجلى أمامنا الحاجة للعودة لهذا المسار"، في إشارة إلى دبلوماسية الحكمة الإماراتية المستندة على الحلول الدبلوماسية للأزمات.
أجندة التسامح
جنبا إلى جنب مع دبلوماسية الحكمة، تدفع الإمارات بأجندة التسامح في مواجهة الفكر المتطرف وخطاب الكراهية.
وقالت الوزيرة الإماراتية في هذا الصدد: "تفاقمت العديد من الأزمات حولنا بفعل الفكر المتطرف وخطاب الكرهية والتحريض".
وأردفت "لذلك نقود جهود الدفع قدما بأجندة التسامح والسلم إعلاء للقيم الراسحة في ميثاق الأمم المتحدة ولكسر دوامات الصراع".
القضية الفلسطينية
وحذرت من أن "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يجسد مساعي دعاة الحرب والتطرف لتقويض مسارات الحلول السلمية".
وشددت في الوقت نفسه في رسالة شديدة اللهجة بأنها "لا يمكن لأي ذريعة أن تبرر استهداف عشرات الآلاف من المدنيين ومحاصرتهم وتجويعهم وتهجيرهم قسرا أو الدفع بأطماع توسعية مرفوضة بما في ذلك التهديد بضم الضفة الغربية".
وبينت في المقابل أنه "لا يمكن لأي حجة أن تبرر اختطاف المدنيين أو استخدامهم كأهداف للصراع".
وشددت على أنه "لا يمكن استغلال هذا الوضع كمبرر للاعتداء على دول المنطقة وهو ما شهدناه مؤخرا في الهجوم الإسرائيلي الغادر والمدان على دولة قطر والتي شكل انتهاكا صارخا لسيادتها ولأمن منطقة الخليج العربي".
وفي رسالة موجهة لإسرائيل والعالم أكدت الإمارات أن : "الممارسات العدوانية لن تجلب الاستقرار للمنطقة".
وأكدت نسيبة على رؤية بلادها لحل القضية الفلسطينية وشددت في هذا الصدد على "حل الدوليتن وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية، كمطلب أساسي لتحقيق حل دائم وعادل وشامل لهذه القضية".
وبينت أن هذا يتم "بوجود حكومة فلسطينية كفؤة وقادرة على تلبية تطلعات الشعب الفلسطيني وحصر السلاح بيدها وضمان الاستقرار وسيادة القانون في وطن لا مكان فيه للجماعات الارهابية والمتطرفة".
وأعلنت الإمارات ترحيبها "بتنامي الاعتراف بدولة فلسطين ووجهت الدعوة لبقية الدول للانضمام لهذا المسار استثمارا في مستقبل أفضل للمنطقة".
وأكدت أنه "لا يزال مطلبنا الأول والعاجل هو التوصل لوقف إطلاق نار فوري ودائم في غزة وإنهاء الحصار وإطلاق سراح الرهائن والمعتقلين وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وعلى نطاق واسع ودون عوائق".
وشددت الوزيرة الإماراتية على مواصلة بلادها "دورها كأكبر مانح للمساعدات في غزة مسخرة لذلك كل ما لديها من علاقات وموارد وإمكانيات وستستمر في القيام بهذا الدور رغم القيود والعراقيل".
كلمات وجهت من خلالها الإمارات رسائل عدة أبرزها:
- الرفض القاطع لأي خطط إسرائيلية لضم أي أراض فلسطينية.
- إدانة الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة أيا كانت مبرراتها.
- إدانة الهجوم الإسرائيلي على قطر.
- التأكيد على حل الدولتين بما يدعم الوصول لحل شامل وعادل للصراع، ويعزز فرص تحقيق سلام مستدام.
- دعم الزخم الدولي المتزايد للاعتراف بدولة فلسطين.
- التأكيد على استمرار الإمارات في دعمها الإنساني لغزة كأكبر مانح للمساعدات.
- الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في غزة وإنهاء الحصار وإطلاق سراح الرهائن والمعتقلين.
- التأكيد على أهمية تشكيل حكومة فلسطينية كفؤة وقادرة على تلبية تطلعات الشعب الفلسطيني وحصر السلاح بيدها.
الجزر الإماراتية الثلاث
نهج الحلول الدبلوماسية التي تدعو الإمارات العالم لتبنيه لحل محتلف الأزمات والصراعات، أكدت أنها بالفعل تنتهجه، ودللت على ذلك بتمسكها به في قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من قبل إيران (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى).
وقالت لانا زكي نسيبة وزيرة الدولة الإماراتية في هذا الصدد :"في توجهنا لتغليب الحول الدبلوماسية وإرساء العدالة في النظام الدولي مازالت بلادي تضع قضية الجرز الإماراتية الثلاث المحلتة في صدارة أولوياتها الوطنية، ونطالب إيران بانهاء احتلالها للجزر التي تعد جزء لا يتجرأ من أراضي دولة الإمارات وأن تسجيب لدعواتنا المتكررة لحل هذا النزاع عن طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء لمحكمة العدل الدولية".
وفي إطار الحديث عن السيادة، جددت الإمارات "دعمها الكامل للسيادة المغربية على الصحراء المغربية مع تأييد مبادرة الحكم الذاتي في إطار الوحدة الترابية المغربية".
أزمة السودان
أيضا تعرضت الكلمة الإماراتية للأزمة السودانية، واضعة رؤية شاملة لحل الأزمة، وشددت على وقوفها مع الشعب السوداني.
وقالت نسية في هذا الصدد :"السودان يواجه الشعب معاناة إنسانية هائلة وصلت لحد المجاعة ".
وأكدت أن "الإمارات تقف مع الشعب في تطلعاته لإنهاء الحرب الأهلية وتداعياتها الإنسانية ".
وحول رؤية الإمارات لحل الأزمة، أكدت نسية على ما يلي:
-التأكيد على بيان الرباعية الصادر بشأن السودان والدعوة لهدنة إنسانية.
وفي 13 سبتمبر/أيلول الجاري، أصدرت المجموعة الرباعية التي تضم دولة الإمارات ومصر والسعودية، والولايات المتحدة الأمريكية، بيانا مشتركا عقب مشاورات مكثفة بشأن الصراع في السودان، أجراها وزراء خارجية الدول الأربع، حيث أكدوا أن هذا الصراع تسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وأنه يشكل مخاطر جسيمة على السلم والأمن الإقليميين.
والتزم الوزراء بمجموعة من المبادئ المشتركة لإنهاء الصراع في السودان ومن أبرزها أن سيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه ضرورية للسلام والاستقرار، وعلى عدم وجود حل عسكري مجدٍ للصراع، وأن مستقبل حكم السودان يقرره الشعب السوداني من خلال عملية انتقالية شاملة تتسم بالشفافية.
- الدعوة لوقف إطلاق نار فوري وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق لأنحاء البلاد.
- التأكيد على إن السلام المستدام لن يتحقق بالحلول العسكرية ولا بد من الدفع نحو عملية انتقالية في السودان تفضي لحكومة مدنية مستقلة لا تخضع لهيمنة أيا من الأطراف المتحاربة ولا مكان فيها للتطرف والارهاب.
إصلاح الأمم المتحدة
وفي إطار دعمها أدوار المنظمات الدولية، أكدت الإمارات في كلمتها أن هناك "حاجة ملحة لتطوير وإصلاح آليات العمل المشترك وعلى رأسها الأمم المتحدة بما في ذلك مجلس الأمن"، واعتبرت أن مبادرة "الأمم المتحدة 80"، فرصة لتعزيز قدرات المنظمة.
وأشارت نسيبة إلى أن هذه الرؤية الإصلاحية للأمم المتحدة تنسجم مع النهج الوطني في ظل التوجهات الحكيمة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات القائمة على نظام دولي فاعل وعادل وقادر على خدمة البشرية .
خدمة البشرية
وفي إطار جهود الإمارات لمواجهة مختلف التحديات العالمية بما يسهم في خدمة البشرية.
أكدت نسيبة على استثمارات الإمارات في العمل المناخي الدولي، والتزامها بتنفيذ اتفاق الإمارات كوب 28، والتصدي لتحديات ندرة المياه، لافتة في هذا الصدد إلى مبادرة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للماء، واستضافة الإمارات مؤتمر الأمم المتحدة للماء العام المقبل بالتعاون مع السنغال، في إطار سعيها لتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال.
وشددت على حرص الإمارات في كافة مشاريعها "لتعزيز المشاركة الكاملة للمرأة بوصفها شريكا أساسيا وروح المجتمع".
يذكر أن لا نا زكي نسيبة قد تم تعيينها في 9 سبتمبر/ إيلول الجاري كوزيرة دولة، بما يرفع عدد الوزيرات في حكومة الإمارات إلى 11، تتويجا لثقة القيادة الإماراتية في المرأة، وترجمة لجهود تمكينها.
تعيين وزيرة جديدة رفع نسبة مشاركة المرأة الإماراتية في الحكومة إلى نحو 28%، وهي من أعلى المعدلات العالمية، ما يعكس ثقة القيادة الإماراتية بالمرأة وقدراتها، والحرص على قيامها بدور فاعل وأساسي في مسيرة التنمية وصناعة المستقبل.
مستقبل أفضل
واختنمت نسيبة كلمتها برسالة مهمة شددت فيها على أنه "في الوقت الذي تتعرض فيه المؤسسات الدولية للإضعاف والقانون الدولي للتقويض يتعين علينا الالتزام بمسؤليتنا المشتركة لضمان استمرارية نظامنا الدولي واسترجاع مصداقيته ولضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة".
خطاب شامل ومتكامل وهام يتوج حراكا إماراتيا شاملا ودبلوماسية نشطة فاعلة بالأمم المتحدة في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة بقيادة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية.
حراك تؤكد من خلاله الإمارات أن صوتها في الأمم المتحدة هو امتداد لرؤية الدولة في جعل الدبلوماسية أداة فاعلة لصياغة حلول عالمية، توازن بين الطموح الوطني والمسؤولية الدولية.
فمن خلال مشاركات بعثتها الرسمية التي تنوعت بين لقاءات رفيعة المستوى واجتماعات وزارية وفعاليات متخصصة، شملت قضايا السلام في الشرق الأوسط وحل الدولتين، ومكافحة الكراهية والتطرف، مروراً بملفات الشباب والبيئة والذكاء الاصطناعي، وصولاً إلى العمل الإنساني والتعاون الإنمائي، رسخت دولة الإمارات على مدار أسبوع حضوراً دبلوماسياً نشطاً ومتوازناً.
كما قدمت نموذجا متجددا للدبلوماسية النابضة بالإنسانية؛ يجمع بين تعزيز السلام والأمن، واستشراف مستقبل التكنولوجيا، ودعم المبادرات الإنسانية والتنموية، وبناء جسور تعاون مع مختلف الأطراف الدولية.