الإمارات وأمريكا.. تعاون بنّاء لمواجهة التحديات وتعزيز الأمن والاستقرار

تتصدر أجندة مباحثات الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان نائب حاكم إمارة أبوظبي مستشار الأمن الوطني خلال زيارته لأمريكا، مناقشة التحديات الإقليمية، بما يسهم في دعم الأمن والاستقرار بالمنطقة والعالم.
ويبدأ الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان نائب حاكم إمارة أبوظبي مستشار الأمن الوطني زيارة رسمية للولايات المتحدة، اليوم الإثنين، يعقد خلالها اجتماعات رسمية في البيت الأبيض مع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية.
ومن المقرر أن تبحث هذه الاجتماعات تعزيز العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية بين البلدين، كما ستتناول المناقشات التحديات الإقليمية، وسبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية القائمة بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات والممتدة منذ عقود.
أهمية خاصة
وتتسم العلاقات الإماراتية الأمريكية بالطابع الاستراتيجي، حيث يلتزم البلدان بالتعاون والسعي المستمر لتعزيز الأمن الإقليمي، وتحقيق الازدهار الاقتصادي، ومواجهة التحديات في مختلف أرجاء العالم.
زيارة تحمل أهمية خاصة أيضا كونها تأتي في وقت حرج تمر به المنطقة والعالم، حيث تتزايد المساعي الدولية لوضع حد للعديد من الأزمات المتفاقمة وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية والقضية الفلسطينية وتعزيز أمن الملاحة الدولية.
ويرتقب أن تتصدر القضايا الدولية الراهنة، إضافة إلى الحرب على الإرهاب أجندة المحادثات خلال الزيارة.
ولعبت الدبلوماسية الإماراتية خلال الفترة الماضية دورا محوريا في العمل على احتواء العديد من حالات التوتر والأزمات والخلافات على صعيد المنطقة أو خارجها وسعت بشكل دؤوب ومستمر لتعزيز برامج مساعداتها الإنسانية والإغاثية.
وتأتي زيارة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان لأمريكا، بعد نحو شهر من نجاح وساطة إماراتية جديدة لتبادل الأسرى بين كييف وموسكو فبراير/شباط الماضي شملت 300 أسير، مناصفة من الجانبين، لتتمكن الإمارات بها في إتمام تبادل 2834 عبر 12 وساطة منذ مطلع عام 2024.
وتبقي دولة الإمارات عبر نجاح الوساطة نافذة أمل لحل سياسي ودبلوماسي لتلك الأزمة التي تجاوزت الأعوام الثلاثة، وهي جهود تتوافق مع مساعي تقودها إدارة الرئيس دونالد ترامب لإنهاء تلك الأزمة عبر التوصل لهدنة وبدء محادثات سلام.
ورحبت دولة الإمارات قبل أيام باستضافة المملكة العربية السعودية محادثاتٍ بين الولايات المتحدة وجمهورية أوكرانيا، معربة عن أملها في أن تساهم هذه الخطوة في تخفيف التوترات وإيجاد حل شامل ومستدام للصراع بين روسيا وأوكرانيا.
وتؤمن دولة الإمارات وأمريكا بأهمية تحقيق الأمن والاستقرار والسلام وتكريس مبادئ التسامح والتعايش المشترك في المنطقة والعالم أجمع ونبذ التطرف والتعصب والعنف والإرهاب لتحقيق التنمية التي تصب في مصلحة الشعوب وتعميق التعاون الدولي.
على صعيد القضية الفلسطينية، يتفق البلدان على ضرورة إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإحلال السلام في المنطقة، مع وجود تباينات في الرؤى لتحقيق تلك الأهداف. وتسهم المباحثات المشتركة في تقريب الرؤى، والاقتراب من تحقيق السلام ودعم الأمن والاستقرار.
وسبق أن أكدت الإمارات موقفها الثابت الرافض لأي محاولات تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، مشددة على ضرورة أن ترتبط عملية إعمار غزة بمسار يؤدي إلى السلام الشامل والدائم الذي يقوم على أساس "حل الدولتين" كونه السبيل لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وكان ترامب قد اقترح الشهر الماضي سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وإعادة بناء المناطق المدمرة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" بعد ترحيل السكان البالغ عددهم 2,3 مليون إلى مكان آخر، خصوصا مصر والأردن، من دون خطة لإعادتهم، قبل أن يتراجع خطوة في تصريحات أدلى بها يوم 12 مارس/ آذار الجاري أكد فيها عدم مطالبة سكان قطاع غزة بمغادرته.
وتعول الولايات المتحدة دوما على الدور الإماراتي الفاعل والبناء في مختلف القضايا الإقليمية والدولية وتحرص على الاستماع لرؤيتها وتقديراتها لهذه القضايا وكيفية التعامل معها.
وفي المقابل تنظر الإمارات إلى الولايات المتحدة باعتبارها حليفا استراتيجيا وطرفا أساسيا في معادلة تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
ويعمل الطرفان على تعزيز الأمن الإقليمي وتحقيق الازدهار الاقتصادي ومجابهة التحديات الملحة في مختلف أرجاء العالم.
وفي تصريحات لمجلة "نيوزويك" الأمريكية بهذا الصدد، قبل أيام أكد الدكتور علي راشد النعيمي رئيس مجلس إدارة مركز هداية رئيس لجنة شؤون الدفاع والداخلية والخارجية في المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي، على الدور المحوري الذي تلعبه الولايات المتحدة في تشكيل الدبلوماسية الدولية وحل النزاعات.
وقال الدكتور النعيمي إن "الولايات المتحدة، بصفتها قوة عظمى عالمية، تلعب دورًا مهما ولا يمكن إنكاره في تشكيل الدبلوماسية الدولية وحل النزاعات، إنها حقيقة النظام العالمي التي لا يمكن لأي مبادرة سلام جادة أن تتجاهلها".
وأضاف أن النظام العالمي الحالي مبني على مشاركة الدول القوية، وتظل الولايات المتحدة ركيزة أساسية في هذا الهيكل، سواء اتفق المرء مع سياساتها أم لا، فإن تأثيرها في الشؤون العالمية حقيقة راسخة - يجب الاعتراف بها واحترامها والتعامل معها بشكل استراتيجي.
وشدد على أهمية الأخذ في الاعتبار “فهم المنطقة العميق لجذور الصراع والتعقيدات التي تشكل مساره”، مع الاعتراف في الوقت ذاته بالتأثير الحاسم الذي تمارسه الولايات المتحدة.
وقال: "يجب أن تستند أي خطة سلام مستدامة إلى هذه الخبرة المحلية، مع الاعتراف بأنه بدون مشاركة الولايات المتحدة، لن تتمكن أي مبادرة من الحصول على الزخم اللازم للنجاح. حتى أكثر الخطط الإقليمية إحكامًا ستواجه صعوبة في تحقيق الفاعلية دون دعم دولي واسع".
مكافحة الإرهاب
أيضا على رأس التحديات التي يتعاون البلدان لمواجهتها مكافحة الإرهاب، حيث ينسق البلدان بشكل بارز في هذا الصدد، وانضمت الإمارات إلى الجهود الإقليمية والدولية الرامية للتصدي للتطرف والإرهاب، منذ أن شاركت في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في عام 2014.
كما تأسس مركز "صواب" عام 2015؛ وهو مبادرة تفاعلية بالشراكة مع الولايات المتحدة للتصدي للدعوات التي تطلقها الجماعات المتطرفة عبر شبكة الإنترنت، وتعزيز البدائل الإيجابية عن التطرف، في إطار تعزيز الجهود العالمية لمحاربة داعش.
أيضا على صعيد التعاون المشترك لمكافحة تمويل الإرهاب، تربط مؤسسات الخدمات المصرفية والمالية في الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية علاقة وثيقة وتعاون متواصل لتعزيز الجهود المشتركة في هذا الصدد.
وتتعاون دولة الإمارات بشكل مباشر مع الولايات المتحدة لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل وغيرها من الأنشطة غير المشروعة.
ضمن أحدث الجهود في هذ الصدد، بحث وفد رفيع المستوى من دولة الإمارات، برئاسة الأمانة العامة للجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة، خلال مهمة عمل في الولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، مع عدد من الشركاء الاستراتيجيين في العاصمة واشنطن، سبل تعزيز التعاون والشراكة الإماراتية الأمريكية في مواجهة الجرائم المالية والحفاظ على الأمن المالي العالمي.
وتم الاجتماع مع كبار المسؤولين من الوكالات الأمريكية، بما في ذلك وزارات الخزانة، والعدل، والخارجية، ووحدة التحقيق الجنائي في دائرة الإيرادات الداخلية “IRS-CI”، وشبكة إنفاذ الجرائم المالية “FinCEN”، ومكتب التحقيقات الفيدرالية، كما قام الوفد خلال المهمة بالاجتماع مع مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
كما شارك الوفد في اجتماع فريق العمل المشترك لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والذي نظمته وزارة الخارجية بالتعاون مع وزارة الخزانة الأمريكية، وتم خلالها استعراض ومناقشة عدد من المستجدات على مستوى جميع مسارات العمل المنبثقة من الفريق المشترك.
وتأتي زيارة الشيخ طحنون لأمريكا، بعد نحو 6 شهور من زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للولايات المتحدة الأمريكية سبتمبر/أيلول الماضي، رافقه خلالها الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان ، صدر في ختامها بيان مشترك أبرز التعاون بين البلدين في تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب.
واستعرض البيان التعاون المشترك الذي يجمع الإمارات وأمريكا في أوقات السلم والحرب، بما في ذلك دعم الإمارات للبعثات الأمريكية لمكافحة الإرهاب منذ الهجمات في نيويورك وبنسلفانيا وواشنطن في 11 سبتمبر/أيلول 2001، لردع التهديدات، وتخفيف النزاعات، وتقليل التوترات على الصعيد العالمي.
زيارة تحمل أهمية خاصة كونها الأولى لمسؤول إماراتي رفيع المستوى لواشنطن منذ تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي، الأمر الذي يجسد حرص البلدين على تعزيز شراكتهما الاستراتيجية.
وأشار البلدان بشكل خاص إلى التعاون المشترك بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات في التحالف العالمي ضد تنظيم داعش الإرهابي، وفي النزاعات السابقة في الصومال، البلقان، العراق، أفغانستان، وليبيا.
واستعرض البيان المبادرات الجارية والاستثمارات في الأنظمة المتقدمة التي جعلت الإمارات العربية المتحدة واحدة من أقوى الشركاء العسكريين للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، بالإضافة إلى وجود جدول حافل من التدريبات الثنائية ومتعددة الأطراف.
وأكد البيان أهمية تعزيز الجهود لمكافحة التهديدات الإقليمية، وتطوير مبادرات مكافحة الإرهاب، وتعزيز الأمن البحري وجهود مكافحة القرصنة، وزيادة التعاون الأمني، واعتراض شحنات الأسلحة والتكنولوجيا غير القانونية.
وأكد البيان أهمية اتفاقية التعاون العسكري لعام 2017، كونها خطوة مهمة لكلا البلدين والتي أبرزت تعاونهما الحيوي وطويل الأمد في هزيمة الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، وضمان الاستقرار الإقليمي، ومكافحة التهديدات ضد مصالحهما المشتركة، بما في ذلك تمويل الإرهاب وشدد على أهمية الحوار العسكري المشترك السنوي باعتباره المنتدى الثنائي الأهم لتعزيز الشراكة العسكرية بين الولايات المتحدة والإمارات، بما في ذلك مراجعة المصالح الأمنية المشتركة، ومناقشة الأهداف الاستراتيجية للعلاقات والتحديات في المنطقة، مثل الأمن البحري، مكافحة القرصنة، التعاون في مكافحة الإرهاب، وزيادة الوعي بالمجالات في الشرق الأوسط والمحيط الهندي وشرق أفريقيا.
وإيماناً بأهمية تعميق الشراكة الأمنية والتعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، والاهتمام المشترك في منع النزاعات وخفض التصعيد، أعلنت واشنطن خلال الزيارة نفسها أن دولة الإمارات العربية المتحدة شريك دفاعي رئيسي للولايات المتحدة، لتنضم بذلك إلى الهند فقط، وذلك لتعزيز التعاون الدفاعي والأمني في مناطق الشرق الأوسط وشرق أفريقيا والمحيط الهندي.
وسيؤدي هذا التصنيف الفريد كشريك دفاعي رئيسي إلى تعاون ثنائي غير مسبوق من خلال التدريب المشترك والمناورات والتعاون العسكري بين القوات المسلحة للولايات المتحدة ودولة الإمارات والهند، إضافة إلى الشركاء العسكريين المشتركين الآخرين، لتعزيز الاستقرار الإقليمي.
أمر يؤكد التقدير الأمريكي الكبير للدور المسئول الذي تمارسه دولة الإمارات في محيطها العربي والإقليمي وانخراطها الفاعل في حل أزمات المنطقة.. فضلا عن مواقفها المتوازنة إزاء القضايا ذات الصلة بالأمن والسلم الدوليين.
ويسهم التعاون الإماراتي الأمريكي المشترك في مجالي الدفاع ومكافحة الإرهاب في ترسيخ الأمن والاستقرار في البلدين والعالم.
ومع زيارة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان لواشنطن، تتطلع دولة الإمارات والولايات المتحدة إلى تحقيق رؤية مشتركة لمستقبل أكثر ازدهاراً واستقراراً للمنطقة، وتعزيز التعاون بينهما خلال الفترة القادمة.