2025.. عام الانقسام والأزمات في العائلة المالكة البريطانية
كان عام 2025 علامة فارقة في تاريخ العائلة المالكة البريطانية، ليس فقط لكثرة الأحداث، بل لأنه كرّس انقسامًا واضحًا ونهائيًا داخل المؤسسة الملكية بين من يمثلونها فعليًا ومن أصبحوا خارجها.
عامٌ اختلطت فيه الأزمات الإنسانية بالصراعات العائلية، والواجب الملكي بالمعاناة الشخصية، في ظل ملك يحكم منذ ثلاث سنوات فقط، لكنه واجه ما يكفي من الاختبارات ليبدو عهده أطول بكثير.
وبحسب صحيفة "تليغراف" البريطانية، فإن الملك تشارلز الثالث يقف في قلب المشهد، وهو يواصل علاجه الأسبوعي من السرطان بعيدًا عن الأضواء، مع إصرار لافت على أداء واجباته. فرغم مرضه، لم يتراجع حضوره الدولي ولا نشاطه الدبلوماسي، متنقلًا بين زيارات رسمية خاطفة ولقاءات مؤثرة، مستخدمًا ما يُعرف بـ«القوة الناعمة» لترميم العلاقات الدولية لبريطانيا. من استقباله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى صياغته مفاهيم سياسية جديدة في العلاقة مع فرنسا، مرورًا بلقائه البابا فرنسيس قبل وفاته، ثم البابا ليو الرابع عشر لاحقًا، بدا تشارلز ملكًا فاعلًا لا رمزيًا.

داخليًا، كان 2025 عامًا قاسيًا على الروابط العائلية. فقد رسم الملك خطًا فاصلاً مع شقيقه الأمير أندرو، في خطوة وُصفت داخل القصر بأنها طال انتظارها. أُسقطت ألقاب أندرو رسميًا، وتحوّل إلى "أندرو ماونتباتن-وندسور"، مع قرار بإخلائه من مقر إقامته الملكي، واستبعاده نهائيًا من المناسبات العائلية الرسمية، على خلفية تداعيات مستمرة لفضيحة جيفري إبستين.
القرار، وإن جاء متأخرًا، عكس صلابة غير مسبوقة من الملك في حماية سمعة المؤسسة.
في المقابل، واصل دوق ودوقة ساسكس مسيرتهما بعيدًا عن العائلة، جغرافيًا وفلسفيًا. الأمير هاري وميغان ماركل رسّخا نمط حياة “خارجية” في الولايات المتحدة، عبر الإنتاجات الإعلامية والظهور المتكرر، وسط جدل دائم حول الألقاب والدور. وعلى الرغم من إعلان هاري رغبته في المصالحة، فإن لقاءه الوحيد مع والده لم يتجاوز 54 دقيقة، وبقيت تفاصيله طي الكتمان، ما عزز الانطباع بأن القطيعة لا تزال هي العنوان الأبرز.
أما داخل “العائلة العاملة”، فقد برز أمير ويلز، الأمير ويليام، بوصفه حجر الزاوية في مستقبل الملكية. بعد عام 2024 الذي وصفه بأنه الأصعب في حياته، جاء 2025 أكثر استقرارًا. وتحدث ويليام بصراحة غير معهودة، وقدم نفسه كزعيم قريب من الناس، يركز على التغيير العملي وتحسين حياة المواطنين، من إصلاح الطرق المحلية إلى دعم الجنود في الخارج. ظهوره المتكرر بأسلوب بسيط، واهتمامه بالقضايا البيئية والاجتماعية، شكلا ملامح أولية لعهده المرتقب.

وعادت أميرة ويلز، كاثرين، تدريجيًا إلى الحياة العامة بعد رحلة علاج شاقة من السرطان. لم تكن عودتها صاخبة، بل محسوبة وإنسانية، طغت عليها رسائل “الحب” والتواصل. تحدثت بصدق عن الخوف والتعافي، وأطلقت مبادرات تتعلق بالطبيعة والصحة النفسية، وظهرت في زيارات الدولة بثقة هادئة، لتؤكد مكانتها كأحد أكثر أفراد العائلة شعبية وتأثيرًا.
الملكة كاميلا، من جهتها، أدت دورًا داعمًا أساسيًا خلال مرض الملك، وواصلت نشاطها في قضايا اجتماعية حساسة، أبرزها مكافحة العنف المنزلي. كما حافظت على حضور دبلوماسي لافت خلال الزيارات الرسمية، وبدا انسجامها مع تشارلز عامل استقرار مهم في عام مضطرب.
شهد العام أيضًا رحيل، كاثرين، دوقة كينت، في لحظة حزن أعادت إلى الأذهان صورة الملكية التقليدية القائمة على الخدمة الصامتة. في المقابل، واصل “فريق الدعم” أدواره بثبات: الأميرة آن كركيزة لا تهتز، وصوفي دوقة إدنبرة بنشاطها في مناطق النزاع، وظهور لافت للأمير جورج، الذي خطا خطوات رمزية أولى نحو مستقبله الملكي.

اقتصاديًا ورمزيًا، اتخذ تشارلز قرارات تعكس رغبته في تحديث المؤسسة، مثل إلغاء القطار الملكي، في مقابل الحفاظ على ما يراه جوهر الدور الملكي: العمل، لا الامتياز.
مع اقتراب نهاية العام، بدا المشهد أوضح من أي وقت مضى: ملكية أصغر حجمًا، أكثر هدوءًا، لكنها أيضًا أكثر حسمًا. انقسمت العائلة فعليًا إلى “عاملين” و”سابقين”، دون مواربة. وبينما خرج البعض من الدائرة، رسّخ آخرون مواقعهم في القلب.
لم يكن 2025 عامًا مثاليًا، لكنه شكّل اختبارًا حقيقيًا لقدرة النظام الملكي على الصمود والتكيّف. وعلى الساحة الدولية، قدّم استعراضًا طويلًا لقوة بريطانيا الناعمة، فيما داخليًا أعاد تعريف من يمثل التاج ومن لا يمثله. ومع دخول 2026، يبدو أن العائلة المالكة تبدأ فصلًا جديدًا، أقل ازدحامًا، وأكثر وضوحًا.