بعد تفجير جسر القرم.. خيارات محدودة لحل أزمة أوكرانيا ومشكلات "خطيرة"
رغم مرور ثمانية أشهر على إبحارها في الأمواج المتلاطمة، إلا أن الأزمة الأوكرانية لم تجد ميناء للرسو بعد، فيما باتت التطورات الأخيرة عاملا جديدا يعقد مسار الحل.
ففيما أدى انفجار كبير نجم وفق موسكو عن شاحنة مفخخة إلى تدمير جزء من جسر القرم، المنشأة الأساسية ورمز ضم شبه الجزيرة الأوكرانية التي تحمل الاسم نفسه، بات طريق السكك الحديدية الرئيسي المؤدي إلى شبه جزيرة القرم وما بعده إلى الخطوط الأمامية في خيرسون معرضا بشدة للهجمات المستقبلية.
إلا أن وكالة أنباء إنترفاكس قالت إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر، يوم السبت، بتشديد الإجراءات الأمنية للجسر الممتد من روسيا إلى شبه جزيرة القرم، إضافة إلى البنية التحتية التي تزود شبه الجزيرة بالكهرباء والغاز الطبيعي، مؤكدة أنه وفقا للمرسوم الرئاسي فإن جهاز الأمن الاتحادي سيكون مسؤولا عن تعزيز تدابير الحماية.
لكن ماذا بعد تفجير جسر القرم؟
فيما قال مسؤولون روس إن حركة مرور السيارات استؤنفت بشكل محدود على الأجزاء السليمة من طرق الجسر بحلول مساء السبت، وأن خدمات القطارات استؤنفت على خطوط السكك الحديدية بالجسر، طلبت موسكو من الشاحنات ركوب العبارات عبر المضيق.
وتقول شبكة "سي إن إن" الأمريكية، إنه قد تكون هناك حاجة الآن إلى معابر العبارات المتهالكة في الأحوال الجوية السيئة أو رحلات الشحن الجوي شديدة الخطورة لتعزيز الشحنات العسكرية إلى شبه جزيرة القرم والخطوط الأمامية للقوات الروسية، مشيرة إلى أن الجيش الروسي سيكون في حاجة إلى سكك حديدية للالتفاف.
وأوضحت أنه مما يزيد من تعقيد أزمة القوات الروسية أن مركز السكك الحديدية الروسية داخل دونيتسك تعرض للقصف أيضا يوم السبت، مما سيكون له بعض التأثير على قدرة روسيا لتغذية خطوط السكك الحديدية داخل دونيتسك ولوهانسك التي باتت تحت ضغط أوكراني "كبير".
مشكلات "خطيرة"
وأشارت إلى أن القوات الروسية باتت تواجه "مشكلات خطيرة" بالفعل، فـ"القوات الأوكرانية سريعة الحركة تحاصر جيشه في خيرسون مما دفعه للتراجع بشكل جزئي بسبب ضعف الإمداد الذي سيزيده انفجار جسر كيرتش".
وأكدت الشبكة الأمريكية أن الرئيس الروسي بوتين "يواجه الآن خيارا صعبا يتمثل في تعزيز القوات المستنزفة التي تواجه مشكلات إعادة الإمداد، أو الانسحاب الجزئي لجيشه لضمان عدم قطع موارده الكبيرة في شبه الجزيرة".
إلا أنها قالت إن هناك "مخاطر كبيرة" في ذلك الخيار، فيمكن ضرب جسر كيرتش مرة أخرى، فيما بات خط السكك الحديدية عبر مدينة ميليتوبول الأوكرانية هدفا ذا قيمة كبيرة الآن.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأسبوع الماضي فقط إن هجوما من مدينة زابوريجيا على ميليتوبول كان محتملاً، مشيرًا إلى أن مجرد احتمال أن يتعطل آخر مسار للسكك الحديدية لروسيا في الجنوب يثير قضايا وجودية لسيطرة روسيا على تلك المنطقة.
وقالت "سي إن إن" على الرئيس الروسي الاختيار بين "تغذية طموحاته الأكبر بفرصة نجاح متضائلة، أو توحيد القوى حول هدف لديه فرصة أكبر لتحقيقه".
وأشارت إلى أن ضربات كييف وضعت الرئيس الروسي أمام سلسلة من القرارات الوجودية ليتخذها في الساعات المقبلة، متسائلة: هل يعيد تفجير كيرتش وجهة نظر الكرملين؟
وفيما قال الجيش الروسي إن إمدادات قواته ليست مهددة، مشيرا إلى أن "الإمداد يتم بشكل مستمر وكامل على طول ممر بري وجزئيا عن طريق البحر"، دعا النائب الروسي أوليج موروزوف السبت إلى رد "مناسب"، مؤكدا أن "هذا النوع من الهجمات الإرهابية سيتضاعف" إذا لم يتم ذلك.
أي "مخرج" ممكن؟
مع ضم مناطق أوكرانية وتعبئة مئات آلاف الروس وخطاب الكرملين المتوعد، تقول الباحثة ماري دومولان من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "إننا نبتعد عن الحل أكثر مما نقترب منه".
وفيما ترى فرنسا أن بوتين انطلق في "هروب إلى الأمام" حذرت الولايات المتحدة من "حرب نهاية العالم" في حال استخدام السلاح النووي، متسائلة حول الخيارات المتاحة للرئيس الروسي.
وفيما تقول رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين المعارضة إن "المخرج الوحيد من هذا النزاع هو أن تخرج روسيا من أوكرانيا"، إلا أن الانسحاب الروسي غير مطروح على الطاولة.
ومما يعزز من ذلك السيناريو تعيين الجيش الروسي السبت قائدا جديدا لقيادة "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، والذي يتمتع بخبرات ميدانية واسعة قد تؤهله لأن يقلب الطاولة على القوات الأوكرانية.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، يوم السبت، تعيين الجنرال سيرجي سوروفيكين قائدا للمجموعة المشتركة من القوات في منطقة العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
وسبق أن شارك سوروفيكين (55 عاما) في الحرب الأهلية في طاجيكستان خلال التسعينيات وفي حرب الشيشان الثانية في بداية الألفية الثالثة وفي سوريا، وكان يقود إلى الآن مجموعة قوات "الجنوب" في أوكرانيا، بحسب تقرير لوزارة الدفاع الروسية يعود إلى يوليو/تموز الماضي.
لا مفاوضات
وليس من الوارد في الوضع الراهن الدخول في أي مفاوضات سلام، وسط استعادة أوكرانيا "زخم الانتصارات"، على وقع هجمات مضادة.
وبعدما دعا لفترة طويلة إلى التفاوض واتهم باعتماد موقف مهادن حيال روسيا، أقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس في مقابلة أجرتها معه صحف من أوروبا الشرقية "بأننا ما زلنا في زمن حرب".
لكنه أضاف أن الحرب "لن تنتهي بمعاهدة سلام، بل في التوقيت والشروط التي يختارها الأوكرانيون"، ولو أن باريس تردد أن الخروج من الحرب يجب أن يأخذ أيضا بالضرورات الأمنية الأوروبية.
في المقابل، تقول الباحثة دومولان العائدة من أوكرانيا إن الأوكرانيين "لن يتوقفوا قبل استعادة أراضيهم وإلحاق هزيمة عسكرية بروسيا"، مقرة في الوقت نفسه بأنها تجهل "في أي وقت يعتبر الأوكرانيون أنهم استعادوا ما يكفي من الأراضي"، وما إذا كانت استعادة شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا لا تزال مطروحة.
وزعم المؤرخ الأمريكي تيموثي سنايدر على موقعه الإلكتروني أن الرئيس الروسي "يخسر الحرب التقليدية التي شنها، وهو يأمل أن تردع تلميحاته إلى الأسلحة النووية الديمقراطيات عن تسليم أسلحة إلى أوكرانيا، وتسمح له بكسب بعض الوقت لإبطاء الهجوم الأوكراني".
واعتبر الباحث جوريس فون بلاديل في مذكرة للمعهد الملكي البلجيكي للعلاقات الدولية أن "روسيا تحاول كسب الوقت على أمل أن تنهار الدول الأوروبية أمامها".
"انشقاق" في روسيا
ومن بين المخارج الممكنة زعم باحثون أن "انشقاقات" في نظام بوتين قد تكون سبيلا للخروج من الأزمة الحالية، مستندين إلى ذلك بإشارات استياء ظهرت مؤخرا في صفوف النخب الروسية حيال "الهزائم" في أوكرانيا، ولا سيما "الانتقادات اللاذعة" التي صدرت عن الزعيم الشيشاني رمضان قديروف.
كما انتقد عدد من المسؤولين والمشرفين على الدعاية الروسية لحملة التعبئة الجزئية، التي دفعت عشرات آلاف الروس إلى الفرار من البلاد، معتبرين أنها كانت فوضوية، والتي طالب الرئيس بوتين بتصحيح أوضاعها.