مُسيرات الكرملين.. عملية "علم زائف" أم هجوم حقيقي؟
أثارت لقطة انفجار طائرة مسيرة فوق الكرملين، مركز السلطة والقلب الرمزي لروسيا، موجة اتهامات تمتد من موسكو إلى واشنطن، مؤججة نظريات مؤامرة تغذيها شبكات التواصل الاجتماعي أربكت الخبراء حول العالم.
وتتهم روسيا أوكرانيا بشن محاولة اغتيال جريئة للرئيس فلاديمير بوتين فيما نفت أوكرانيا صلتها بالحادث، حيث قال الرئيس فولوديمير زيلينسكي: "لا نهاجم بوتين أو موسكو".
وأصدرت الولايات المتحدة، الحليف الوثيق لكييف، بيانات ملتبسة حتى الآن، وفي غضون ذلك أثار العديد من الخبراء احتمالية أن الهجوم قد يكون عملية "علم زائف" من موسكو، بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية.
الرد الأوكراني
وقال زيلينسكي إن هدفه الوحيد الدفاع عن المدن والقرى الأوكرانية ضد الحرب الروسية، مضيفا: "نحن لا نهاجم بوتين، أو موسكو، نحن نقاتل على أراضينا".
وفي الماضي، شنت أوكرانيا ضربات بطائرات مسيرة داخل روسيا والقرم بالرغم من أنها عادة لا تتبنى المسؤولية عنها، وسيكون الهجوم على الكرملين الهجوم الأكثر جرأة لها حتى الآن.
وكتب الخبير في الشأن الروسي والمحلل الأمني مارك غاليوتي عبر "تويتر": "إذا افترضنا أنه كان هجوما أوكرانيا، أعتبره هجوما أدائيا، بمثابة عرض للقدرات وإعلان للنوايا: لا تفكروا أن موسكو آمنة".
ونبه غاليوتي إلى أن وصف الضربات بمحاولة لاغتيال بوتين -كما وصفتها موسكو- "يلعب على محور النقاش في الكرملين".
وقال دميترس بيسكوف، المتحدث باسم فلاديمير بوتين، إن الرئيس لم يكن في الكرملين وقت وقوع الهجوم. وقال غاليوتي: "من المعروف أنه نادرا ما يذهب إلى الكرملين، ناهيك عن البقاء هناك طوال الليل".
فيما أشار نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي سابقا وضابط سابق بوكالة الاستخبارات المركزية ميك مولروي، لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إن أوكرانيا تتابع تحركات بوتين عن كثب لذا كانت تعلم على الأرجح أنه لم يكن موجودا في الكرملين حينها.
"علم زائف"
واتهم عدد من الخبراء روسيا بشن عملية "علم زائف"، وهي عملية تشن بنية إلقاء اللوء على الخصم فيها.
وبحسب "الغارديان"، تأتي الضربة في نقطة تحول محتملة في الحرب، حيث تستعد أوكرانيا لشن هجوم مضاد متوقع منذ فترة طويلة.
وقال زيلينسكي، ردا على سؤاله عن السبب وراء اتهام روسيا لأوكرانيا بمحاولة اغتيال بوتين: "الأمر بسيط للغاية، لم تحقق روسيا أي انتصارات، لم يعد بإمكانه (بوتين) تحفيز مجتمعه، ولم يعد بإمكانه إرساله قواته هكذا فحسب ليلقوا حتفهم، والآن يحتاج إلى تحفيز شعبه بطريقة ما للمضي قدما".
واتق معه مولروي قائلا "ربما تزيف روسيا هذا لاستخدامها كذريعة لاستهداف الرئيس زيلينسكي، وهو أمر حاولوا القيام به في الماضي".
وقال محللون غربيون إن استجابة موسكو في أعقاب الضربة كان منسقا للغاية، متسائلين عن السبب وراء عدم ظهور أي تقارير عن التفجيرات قبل الإعلان الرسمي للكرملين، بعد 12 ساعة من وقوع التفجير.
وذكر معهد دراسة الحرب، مركز أبحاث أمريكي، أنه من المحتمل أن روسيا شنت الهجوم من أجل التأكيد على التهديد الوجودي للمواطنين الروس، وللاستعداد لتعبئة أوسع نطاقا.
وقال معهد دراسة الحرب في تقريره إنه "من المستبعد أن تتمكن طائرتان مسيرتان من اختراق الطبقات المتعددة للدفاع الجوي والانفجار أو إسقاطها فوق قلب الكرملين بطريقة تقدم الصور المذهلة التي التقطتها الكاميرات بشكل رائع".
وتتزامن أيضا الحادثة مع الاستعدادات لعطلة يوم النصر الروسي في 9 مايو/أيار، الذي عادة ما يحتفل به بعرض عسكري بالميدان الأحمر، بجوار الكرملين.
وقال معهد دراسة الحرب إن "الكرملين ربما يستخدم الضربة لتبرير إما إلغاء أو احتفالات التاسع من مايو/أيار أو الحد منها".
ماذا بعد؟
وقال ميخايلو بودوليكا، مستشار الرئيس الأوكراني، لـ"بي بي سي"، إن مهاجمة موسكو ليست منطقية لأوكرانيا، لكن من شأنها أن تساعد روسيا في تبرير هجماتها على الأهداف المدنية.
ومن جانبه، قال الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف إن الوقت قد حان "للتصفية الجسدية لزيلينسكي وزمرته"، في حين دعا رئيس البرلمان فياتشيسلاف فولودين لاستخدام "أسلحة قادرة على وقف وتدمير النظام الإرهابي في كييف".
وبحسب معهد دراسة الحرب، دعا مدونون قوميون مؤثرون موسكو لتصعيد الحرب، في حين ينتقدون الكرملين للسماح لأوكرانيا بتجاوز عدة "خطوط حمراء" روسية بدون انتقام مناسب.
وقال المعهد: "هذه الرسائل من المدونين الموالين للكرملين يمكن أن تدعم التقييم القائل بأن الغرض من هجوم العلم الزائف كان تبرير إجراءات التعبئة المتزايدة بدلا من أي نوع من التصعيد".
وفي نفس السياق، ذكرت شبكة "سي إن إن" أن تحليلها للفيديو الذي يظهر الحادث يدعم ادعاء الكرملين بتحليق طائرتين فوقه يوم الأربعاء، لكن لم يظهر أدلة على تورط أوكراني.
وبثت قناة محلية على منصة تليغرام مقطع فيديو ظهرت فيه أعمدة دخان متصاعدة من الكرملين الساعة 2:37 صباحا بالتوقيت المحلي يوم الأربعاء. وظهرت أولى التقارير عن الحادث مستشهدة بالكرملين على وكالة تاس وريا الروسيتين حوالي الساعة 2:33 مساء بالتوقيت المحلي، أي بعدها بحوالي 12 ساعة.
وبعد فترة قصيرة على ورود التقارير الإعلامية، بدأ ينتشر مقطع فيديو آخر تظهر فيه لحظة انفجار المسيرة فوق الكرملين على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي الفيديو تبدو المسيرة تحلق باتجاه سقف المبنى المقبب، متبوعة بما يشبه انفجار صغير.
وفي هذا الفيديو، كان هناك شخصان على ما يبدو يتسلقان القبة وبحوزتهما مصابيح، ويمكن رؤيتهما يختبئان قبل لحظة الانفجار. ولم يظهر هذان الشخصان في الفيديو الأول، لكنهما ظهرا في الثاني، مما يرجح أنهما كانا يستجيبان للحريق الذي تسببت فيه المسيرة الأولى في الوقت الذي ظهرت فيه المسيرة الثانية.
وقال المسؤول الروسي السابق إيليا بونوماريف لـ"سي إن إن"، إنه يعتقد أن الهجوم كان صنيعة ما يسميه بالأشياع الروس، وليس الجيش الأوكراني، مضيفا: "إنها إحدى جماعات الأشياع الروس. لا يمكنني قول المزيد، إذ لم يتبنوا المسؤولية علانية بعد".
وكان بونوماريف، الذي يعيش الآن في المنفى في أوكرانيا وبولندا، المشرع الروسي الوحيد الذي صوت ضد ضم روسيا للقرم عام 2014، ومنذ ذاك الحين أدرج ضمن قائمة الإرهابيين المشتبه فيهم، بحسب السلطات الروسية.
وبحسب بونوماريف، تتألف جماعات الأشياع الروس عادة من "الشباب، والطلاب، والمقيمين المعارضين في المدن الكبرى. أعلم بوجود نشاط للأشياع فيما يقرب من 40 مدينة بشتى أنحاء روسيا".
وقال مسؤول أمريكي إن واشنطن لم تتلق تحذيرا بشأن هجوم المسيرة المزعوم، مشيرا إلى أن السلطات لا تزال تحاول معرفة المزيد.
وأضاف مسؤول أمريكي آخر أنهم لا يزالون يعملون على تقييم مزاعم روسيا، ولم يتحققوا بعد من تأكيد الكرملين بأن أوكرانيا حاولت اغتيال بوتين.
aXA6IDMuMTQ5LjI5Ljk4IA== جزيرة ام اند امز