التصدير أم المعركة؟ معضلة المسيّرات الأوكرانية تتعقد

تحولت أوكرانيا خلال الحرب المستمرة مع روسيا إلى واحدة من أبرز بؤر الابتكار في مجال الطائرات المسيّرة، بعدما أثبتت هذه التكنولوجيا
فعاليتها القتالية وانخفاض تكلفتها مقارنة بالأسلحة التقليدية.
لكن رغم الاهتمام الدولي المتزايد بالحصول على هذه الطائرات، تصطدم الشركات الأوكرانية بعقبات كبيرة في تصدير منتجاتها، إذ تعتبرها كييف جزءا حيويا من جبهتها العسكرية.
ووفقا لتقرير صحيفة واشنطن بوست، فقد شهدت أوكرانيا طفرة في إنتاج الطائرات المسيّرة خلال الحرب مع روسيا، حيث تطورت التقنيات بسرعة غير مسبوقة.
وقال دبلوماسي أوروبي طلب عدم الكشف عن اسمه: "سرعة الابتكار هائلة، والسوق الأوكرانية أصبحت مثل مورد ماء في السافانا، الجميع يتدفق نحوه."
وتتميز الطائرات الأوكرانية بقدرتها على التغلب على وسائل الحرب الإلكترونية، وهي ميزة لا تتوفر في كثير من الطائرات الأجنبية. ومن بين أكثر النماذج طلبا: الطائرات الهجومية بعيدة المدى، والطائرات البحرية المسيّرة، وتلك المجهزة بقدرات متقدمة في الحرب الإلكترونية.
معضلة التصدير
رغم الإقبال العالمي، تواجه أوكرانيا تحديات في تصدير هذه التقنيات. فمن ناحية، تحتاج كل قطعة على الخطوط الأمامية، ومن ناحية أخرى تدرك أن عائدات التصدير يمكن أن تمول التوسع في الإنتاج.
تضم أوكرانيا اليوم أكثر من 500 شركة ناشئة في مجال تصنيع الطائرات المسيّرة. هذه الشركات تؤكد أن التصدير ليس ترفًا، بل ضرورة لتوسيع الإنتاج وتوظيف العمالة والاستثمار في البحث والتطوير.
غير أن كييف ترى أن أي قطعة عسكرية يجب أن تُوجّه أولًا لتغطية احتياجات قواتها، في ظل التفوق الهائل لروسيا التي تستعين بإيران لإطلاق مئات، وربما آلاف الطائرات في الهجوم الواحد.
وفي محاولة لإيجاد توازن، طرح الرئيس فولوديمير زيلينسكي مبادرة "ابنِ مع أوكرانيا"، والتي تسمح بإنشاء خطوط إنتاج مشتركة مع دول أوروبية مثل بريطانيا والدنمارك، بحيث يتم تصنيع الطائرات لصالح الطرفين.
كما قدمت كييف مقترحا لواشنطن لإنشاء مشروع إنتاج ضخم بقيمة 50 مليار دولار على مدى خمس سنوات، لكن تنفيذه مرهون بنهاية الحرب.
وفي أغسطس/آب، مرر البرلمان الأوكراني قانونا جديدا لإنشاء "مدينة الدفاع" التي تسمح للشركات الأوكرانية بالدخول في مشاريع مشتركة مع الشركاء الغربيين، مع إعفاءات ضريبية وإجراءات جمركية مبسطة. لكن القواعد الفعلية للتصدير تبقى بيد الحكومة.
تحديات ومخاوف مستقبلية
يواجه القطاع تحديات كبيرة، حيث أعرب وزير الدفاع الجديد دينيس شميهال عن تحفظه على التصدير المباشر، قائلا إن القوات المسلحة الأوكرانية يجب أن تحصل أولا على "أكثر من 100%" مما تحتاجه.
كما يثير رفع قيود التصدير مخاوف من إساءة استخدام هذه التقنيات. فقد حذر أحد قادة هذه الصناعة من أن فتح سوق التصدير قد يشبه "فتح صندوق باندورا"، مشيرا إلى تلقيه طلبات "مريبة" من جهات قد تستخدم الطائرات في نزاعات أو أعمال إرهابية.
وتظل أوكرانيا ملزمة بفرض حالة من التوازن بين حاجتها للتمويل من خلال التصدير وضرورة الحفاظ على أمنها القومي. كما ستخضع قرارات التصدير لاعتبارات سياسية، حيث يتوقع أن تحظر كييف بيع تقنياتها إلى أجزاء كبيرة من آسيا وأفريقيا خوفا من وقوعها في أيدي الروس أو حلفائهم.
يبدو أن الطريق لا يزال طويلاً قبل أن تتمكن الشركات الأجنبية من الحصول على الطائرات المسيّرة الأوكرانية المتطورة، لكن الاتجاه العام يشير إلى أن كييف تدرك أهمية التكامل مع الأسواق العالمية لضمان استمرار تطورها التقني وتمويل صناعتها الدفاعية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY3IA== جزيرة ام اند امز