سياسة
أوكرانيا في حضن أوروبا.. هل تنجو من فخ المنطقة الرمادية؟
بعد 4 أشهر من حرب لم تضع أوزارها بعد، حاولت أوكرانيا اللعب على وتر المسار الأوروبي، أملا في مزيد من دعم دول القارة العجوز لها ضد روسيا.
ففيما تطالب كييف بـ"التزام قانوني" ملموس وبإشارة قوية لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، كان الأوروبيون منقسمين ويماطلون بشأن منح أوكرانيا وضع الدولة المرشحة للانضمام إلى اتحادهم، رغم تأكيداتهم المتكررة على انتمائها إلى "الأسرة الأوروبية".
وأمام موقف أوروبي غامض ومطالبات أوكرانية حثيثة، وعدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال زيارة مفاجئة لكييف السبت بالرد خلال الأسبوع المقبل بشأن ترشح أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
المسار الأوروبي
وقالت فون دير لاين، في مؤتمر صحفي قصير بعد محادثات مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه: "نريد دعم أوكرانيا في مسارها الأوروبي"، مشيرة إلى أن "مناقشات اليوم ستتيح لنا الانتهاء من تقييمنا بحلول نهاية الأسبوع المقبل".
وأكدت المسؤولة الأوروبية، خلال زيارتها الثانية للبلد الأوراسي، أن السلطات الأوكرانية "فعلت الكثير" بهدف ترشح البلاد لكن "لا ما زال هناك الكثير لتفعله"، خصوصا على صعيد مكافحة الفساد.
وكانت فون دير لاين قالت للصحفيين المرافقين لها في زيارتها: "عدت إلى كييف (...) وسنعرض العمل المشترك الضروري لإعادة الإعمار والتقدم الذي أحرزته أوكرانيا على طريق أوروبا".
ويفترض أن تبدي المفوضية الأوروبية رأيها بشأن هذه المسألة في الأيام المقبلة، قبل أن يقرر قادة الاتحاد الأوروبي ما إذا كانوا سيمنحون أوكرانيا وضع المرشح الرسمي في قمة تعقد يومي 23 و24 يونيو/حزيران الجاري.
ما موقف الدول الأوروبية؟
وفيما تدعم دول عديدة ولا سيما من أوروبا الشرقية عضوية أوكرانيا، تبدي بعض الدول مثل هولندا والدنمارك وكذلك ألمانيا وفرنسا التي تتولى رئاسة الاتحاد حتى نهاية يونيو/حزيران الجاري، تحفظات شديدة.
وخلال انعقاد المجلس الأوروبي نهاية مايو/أيار الماضي، أكد رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي أن "كل الدول الكبرى تقريبا في الاتحاد الأوروبي تعارض (منح أوكرانيا) وضع المرشح، باستثناء إيطاليا".
واعترف مصدر دبلوماسي من إحدى هذه الدول بأن "منح أوكرانيا وضع مرشح مسألة هائلة"، مشيرا إلى عقبات من بينها أنها في حالة حرب وتعاني الفساد، فضلا عن الإصلاحات التي يتعيّن عليها القيام بها.
وأضاف أن "دولا كثيرة داخل الاتحاد الأوروبي تريد أن تظهر أنها الأكثر أوكرانية في المجموعة، لكنها تدرك جيدا أننا لا نستطيع إدخال أوكرانيا بتسرع"، موضحا أن هذه البلدان تدرك "أن علينا ألا نخفف شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وإلا نقتل الاتحاد الأوروبي".
وقال مصدر دبلوماسي آخر في بروكسل إنه "من الصعب تصور مفاوضات حول انضمام أوكرانيا حاليا، لكن تجري مناقشات في الوقت الراهن بين العواصم عن كيفية إعطاء الإشارة الصحيحة".
وحتى إذا حصلت أوكرانيا على "وضع المرشح"، ستبدأ عملية مفاوضات وإصلاحات محتملة قد تستغرق سنوات إن لم يكن عقودًا قبل ضمها إلى الاتحاد الأوروبي، في مسار قال عنه العديد من دول الاتحاد إنه لن يكون سريعًا.
ودعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الجمعة من جديد الدول الـ27 إلى إخراج بلاده من "المنطقة الرمادية"، قبل أيام من إعلان رأي المفوضية الأوروبية بشأن منح كييف وضع المرشح، وقبل قمة رؤساء الدول المقررة في نهاية حزيران/يونيو والتي ستبت في الأمر، ويفترض أن يتم التصويت بالإجماع على القبول.
حملة دبلوماسية
وقال زيلينسكي عبر الفيديو خلال مؤتمر دولي في كوبنهاغن "في الأسابيع المقبلة، قد يقوم الاتحاد الأوروبي بخطوة تاريخية تثبت أن التصريحات حول انتماء الشعب الأوكراني إلى الأسرة الأوروبية لن تذهب سدى".
وأضاف زيلينسكي وسط تصفيق حاد "لماذا؟ إذا كانت استطلاعات الرأي تكشف أن 71% من الأوروبيين يعتبرون أوكرانيا جزءا من الأسرة الأوروبية، فهل لا يزال سياسيون مشككون يترددون في السماح لنا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟".
وأجرت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني أولغا ستيفانيشينا هذا الأسبوع جولة أوروبية، زارت خلالها خصوصا باريس وبروكسل، لدفع الحملة الدبلوماسية لكييف قدما.
وكتبت في تغريدة من بروكسل الخميس "موقفنا واضح: أوكرانيا بحاجة إلى التزام قانوني وليس إلى وعد سياسي"، مؤكدة أن "التردد يكلف بلدي الكثير بينما يخوض معركة من أجل حريته وتطوره الديموقراطي".
وقالت خلال زيارتها لباريس "نحن متأكدون من أنه لن يستطيع أي من القادة الأوروبيين الـ27 أن يقول رسميا وعلنا لا، لكن قول نعم أكثر تعقيدا".
وأكدت الرئاسة الفرنسية من جهتها أن "تلبية احتياجات أوكرانيا ليس في (منحها) وضعا"، بينما تحسنت العلاقات بين كييف وباريس بعد تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون المتكررة بشأن ضرورة "عدم إذلال" روسيا.
ولم يقنع كييف اقتراح الرئيس ماكرون إنشاء مجموعة سياسية أوروبية مفتوحة للدول الراغبة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بانتظار انضمامها النهائي (إجراء قد يستغرق سنوات)، إذ إن أوكرانيا تخشى مناورات لتأخير أو منع انضمامها إلى الاتحاد.
وقالت الرئاسة الفرنسية إن القمة الأوروبية التي ستعقد في نهاية يونيو/حزيران الجاري يمكن أن تقدم خيارات عدة لأوكرانيا مثل منحها وضع الدولة المرشحة بشروط أو وضع المرشح مع تحديد موعد لبدء المفاوضات أو بند مراجعة وضعها.
صيغ ملتوية
وقال الباحث فرانسوا هيسبورغ، إنه يتوقع "صيغا ملتوية ووعودا لا تلزم سوى الذين يسمعونها"، مشيرا إلى أن ترشح أوكرانيا "لا يثير حماسة" لا في باريس ولا في برلين، القوتين الأوروبيتين الكبيرتين.
من جهته، كتبت المحللة الإستونية كريستي رايك على تويتر: "إذا فشل المجلس الأوروبي في اتخاذ قرار إيجابي في نهاية يونيو/حزيران الجاري، فسيكون ذلك محبطا جدا لأوكرانيا ودول أعضاء تعتبر انضمام أوكرانيا إلى أوروبا ضرورة جيوسياسية حاسمة".
وحاليا، هناك خمس دول (ألبانيا ومقدونيا الشمالية ومونتينيغرو وصربيا وتركيا) مرشحة رسميا للانضمام إلى الكتلة، بينما كوسوفو والبوسنة والهرسك مرشحتان محتملتان.
وقد انضمت إليهما أوكرانيا وجورجيا ومولدافيا التي قدمت طلبات انضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعد الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا.