مقاتلون أجانب إلى أوكرانيا.. "الأفغان العرب" الجدد؟
مقاتلون أجانب يدخلون على خط الحرب الروسية الأوكرانية في تطور قد يستنسخ شبح سيناريو مشابه اختبرته أفغانستان قبل 4 عقود.
بُعد جديد تتخذه الحرب التي دخلت يومها الثامن وتطرح تطورا خبرته أفغانستان حين تدفق عليها المقاتلون العرب لمقاومة الغزو السوفييتي، والذين اصطلح لاحقا على تسميتهم بـ"الأفغان العرب".
مقاتلون سيتدفقون على أوكرانيا تلبية لدعوة من رئيسها فولوديمير زيلينسكي الذي حث "محبي" بلاده على التوجه لسفارات بلاده في جميع أنحاء العالم للانضمام إلى "فيلق دولي" للمتطوعين من أجل التصدي للهجوم الروسي على أوكرانيا.
وقال زيلينسكي في بيان صدر الخميس، إن "16 ألف مقاتل أجنبي متطوع سيأتون إلى أوكرانيا لمساعدتها. القافلة الأولى على وشك الوصول إلى البلاد"، معتبرا أنهم "يأتون لحماية حريتنا وحياتنا".
وتعقيبا على التطورات، يرى خبراء، في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، أن الاستعانة بـ"المرتزقة" ستساهم في توسيع مجال الصراع وأمده، والانتقال من حرب نظامية إلى الانزلاق لحرب مفتوحة من شأنها تهديد الأمن الإقليمي والدولي، علاوة على تداعياتها الوخيمة على أوكرانيا.
تطور لافت
الدكتور خطار أبو دياب، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة باريس، يرى أن استعانة الرئيس الأوكراني بمقاتلين أجانب يمثل تطورا لافتا في سياق الصراع، وفي موازاة ذلك سربت مصادر أمريكية عن وصول مجموعة "فاغنر" الروسية.
وقالت صحيفة "التايمز" البريطانية مؤخرا إنه جرى التأكد على أن روسيا نقلت جواً أكثر من 400 مرتزق من دولة مالي في أفريقيا، وأدخلتهم إلى أوكرانيا لقتل رئيسها.
وأشارت الصحيفة إلى أن المجموعة الشهيرة باسم "فاغنر" مكونة من عملاء مدربين تدريباً عالياً وكانوا ينتظرون الضوء الأخضر من الكرملين لقتل "زيلينسكي" و23 شخصية حكومية أخرى، "بحيث تسيطر موسكو بسهولة على جارتها في أوروبا الشرقية".
وينبه "أبو دياب" إلى أنه في "نزاعات اليوم تزداد نزعة خصخصة الحروب عبر المرتزقة والمتطوعين والإرهابيين وغيرهم، حيث يذكرنا قرار الرئيس الأوكراني بما حصل خلال الحرب الأهلية في إسبانيا، وفي حرب الدونباس شرق أوكرانيا منذ 2014، حيث كان هناك انخراط لمقاتلين أوروبيين موالين لروسيا".
ويرى الخبير أن حديث وزيرة الخارجية البريطانية عن دعم مواطنيها للذين يذهبون للقتال "يدل على إمكانية توسع هذا الصراع لنشهد أول حرب بقلب أوروبا في القرن الحادي والعشرين".
حرب عصابات
بدوره، يعتبر الدكتور جاسم محمد، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب ومقره ألمانيا، أن عملية تسليح المدنيين يعني أن أوكرانيا تدخل مرحلة جديدة في الصراع.
ويقول محمد: "من التداعيات الخطيرة هو الدخول لمرحلة حرب العصابات،والمجموعات غير المنظمة تحت مسمى المقاومة، ما من شأنه زيادة معدلات الفوضى في أوكرانيا".
ويوضح: "هناك انزلاق في الوضع الأمني على المستويين الإقليمي والدولي بسبب تسليح المدنيين، ما يعني أيضا أن الحرب فى أوكرانيا تنتقل من النظامية إلى حرب مفتوحة".
وفي السياق، انتقد الخبير الأمني مسارعة دول غربية في تأييد دعوة تشكيل "الفيلق الدولي"، قائلا : "يتوجب على أوروبا والولايات المتحدة البحث عن خيار سياسي للأزمة".
ويذهب في هذا الصدد إلى أن "ما يحدث خارج عن القانون والمواثيق الدولية ومؤشر خطير على انزلاق أوكرانيا إلى فوضى مفتوحة من شأنها تهديد الأمن الإقليمي والدولي".
ويشارك الدكتور بشير عبد الفتاح الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، مخاوف سابقيه، معتبرا أن لجوء أوكرانيا إلى الاستعانة بالمقاتلين الأجانب يأتي في سياق استراتيجية رئيسها في الاعتماد على الدعم الخارجي سواء كان من الاتحاد الأوروبي، أو من أمريكا أو من أي طرف دولي.
ويستطرد: "يريد الرئيس الأوكراني تحويل الصراع إلى معركة عالمية وهذا الأمر يحمل مخاطر تتمثل في إطالة أمد الحرب، لاسيما مع الاعتماد على شركات الأمن الخاصة، وإشكاليات تبعية المقاتلين الأجانب".
قنابل موقوتة
ملمح "خطير" للاعتماد على المقاتلين الأجانب، وفق عبد الفتاح، "يتمثل في طرح قضية مصير "الفيلق الدولي" الذي سيتم تشكيله، وهل سيتم تفكيكه بسهولة، وتسليم سلاحه، وعودة تلك العناصر إلى بلادهم، أم أنهم سينتشرون في بقاع أخرى مما قد يشكل ألغاما وقنابل موقوتة خلال الفترة المقبلة؟.
ويشرح عبد الفتاح خطورة الاعتماد على شركات الأمن الخاصة لاستقدام مرتزقة، قائلا إن "طبيعة المقاتل المتطوع والتابع لشركات أمنية ودفاعية أنه لا يلتزم بقوانين الحرب، بالتالي سنشهد إطالة لأمد العمليات العسكرية وزيادة جرائم الحرب، وارتفاع الخسائر والانتهاكات ضد حقوق الإنسان".
ويتابع أنه "في ظل وجود تنظيمات إرهابية عابرة للحدود يمكن أن تندس عناصر لداعش وغيره وسط المقاتلين، والسعي إلى أن تجد لنفسها موطئ قدم، لاسيما أن توزيع السلاح يتم بطريقة غير مدروسة، فالدعوات لكل من يستطيع حمل السلاح يتقدم ويحصل على سلاح".
العائدون من أوكرانيا
يتشابه الحديث عن "المقاتلين الأجانب" في أوكرانيا مع نموذج المقاتلين في حرب أفغانستان ضد الغزو السوفيتي أو ما يعرف بـ"الأفغان العرب"، والذين حين عادوا شكلوا خطرا إرهابيا كبيرا على شعوبهم.
وهنا، يؤكد الدكتور جاسم محمد أن ما سيجري حاليا ربما سيكون تكرارا لما جرى فى أفغانستان، حين تم استدعاء أي شخص يحمل عداء مع السوفييت لأفغانستان، وفى نهاية الأمر خرج الجيش السوفيتي وتحولت أفغانستان إلى مرتع للإرهاب".
وانتقد محمد تأييد بعض دول أوروبا لتشكيل "فيلق دولي" للدفاع عن أوكرانيا، مشددا على أنه "يتوجب عدم دعم استقدام مقاتلين أجانب، حيث تكمن خطورة حصول هؤلاء على السلاح والتدريب أيضا على بلدانهم، وكأنما نستنسخ ما حصل في مناطق نزاع أخرى مثل سوريا وليبيا".
aXA6IDE4LjE5MS4xOTUuMTA1IA== جزيرة ام اند امز