التطورات في أوكرانيا.. النصر الضائع يربك مساعي السلام
بين مساع إنسانية، وتبادل القصف على الأرض، وتضارب الروايات، تستمر الحرب في أوكرانيا، فيما لا يلوح في الأفق انتصار الدبلوماسية على الرصاص.
وبينما تحاول الأمم المتحدة وتركيا، تكثيف الجهود لإقناع روسيا وأوكرانيا بوقف القتال، والجنوح للسلم، والسماح بفتح ممرات إنسانية وإجلاء المدنيين، تكثف الدول الغربية مساعداتها العسكرية لكييف، وتحشد قوتها الدبلوماسية للتضييق على موسكو.
أحدث ذلك تأكيد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن -في مستهل اجتماع أمني بمشاركة نحو 40 دولة في ألمانيا اليوم الثلاثاء لتعزيز قدرات كييف العسكرية- أن الولايات المتحدة عازمة على "بذل كل ما هو ممكن", في حين دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال زيارة لموسكو إلى وقف لإطلاق النار والتحقيق في جرائم حرب "محتملة".
وقال أوستن في القاعدة الجوية الأمريكية في رامشتاين غرب ألمانيا: "أوكرانيا تعتقد بوضوح أنها قادرة على الانتصار وكذلك الجميع هنا". ويهدف الاجتماع إلى تسريع تزويد أوكرانيا بالعتاد العسكري، لمقاومة العملية العسكرية الروسية التي بدأت في 24 فبراير/شباط الماضي.
وبعدما تحفظت أولا عن تزويد أوكرانيا أسلحة هجومية، أقدمت الولايات المتحدة شأنها في ذلك شأن بريطانيا وفرنسا وبلجيكا على هذه الخطوة.
حتى ألمانيا أعلنت أنها ستأذن بتسليم عربات مصفحة من طراز غيبارد Guepard إلى كييف فيما يعد نقطة تحول رئيسية في السياسة الحذرة التي اتبعتها برلين حتى الآن في دعمها العسكري لأوكرانيا.
وقالت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبرخت خلال الاجتماع: "لقد قررنا أن ألمانيا ستسلم دبابات غيبارد المضادة للطائرات إلى أوكرانيا". وتأتي هذه المدرعات التي لم يُحدد عددها من مخزون صناعة الدفاع الألمانية.
وقال مايك جاكبسون الخبير المدني بالمدفعية إن الدول الغربية تريد السماح للأوكرانيين بالرد على عمليات القصف الروسية الطويلة المدى، التي تهدف إلى حمل القوات الأوكرانية على التراجع لإرسال بعد ذلك الدبابات والجنود لاحتلال الأرض.
لمن النصر اليوم؟
رأى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن الانتصار الأوكراني هو مسألة وقت فقط. وأكد مساء الإثنين، قائلا: "بفضل شجاعتكم وحكمة المدافعين عنا، بفضل شجاعة الأوكرانيين والأوكرانيات كافة، يشكل بلدنا رمزا فعليا للنضال من أجل الحرية".
لكن على جبهة دونباس الوضع معقد و"على صعيد المعنويات الوضع ليس إيجابيا" على ما قالت إيرينا ريباكوفا المسؤولة الإعلامية في الكتيبة الأوكرانية 93 لوكالة "فرانس برس".
وسيطر الجيش الروسي في الأسبوعين الأخيرين على بلدات عدة مثل إيزيوم وككريمينا، ويستمر بالتقدم الميداني خطوة خطوة.
وفي منطقة لوهانسك خصوصا يستمر القصف على بوباسنا مع العثور على ثلاثة قتلى تحت أنقاض مبنى منهار على ما قال حاكم المنطقة سيرجي غايداي الثلاثاء. وفي دونيتسك قتل مدنيان على الأقل وجرح ستة آخرون في بلدات عدة على ما قال الحاكم بافلو كيريلنكو.
وفي الجنوب سقط قتيل وجريح بعدما أصاب صاروخان روسيان صباح الثلاثاء في مدينة زابوريجيا شركة لم تحدد طبيعتها على ما أفادت السلطات المحلية.
ماريوبول "نقطة ساخنة"
في مدينة ماريبول الساحلية الاستراتيجية في أقصى جنوب دونباس التي يسيطر عليها الروس بشكل شبه كامل وحيث لا يزال بحسب كييف نحو مئة ألف مدني عالقين، بدا الوضع في طريق مسدود.
وتواصل القوات الروسية قصف مجمع آزوفستال لصناعات الفولاذ، الذي يتحصن فيه آخر المقاتلين الأوكرانيين مع نحو ألف مدني -على ما يقولون- وهو ما أكده القائد العسكري الأوكراني لمنطقة دونتيسك بافلو كيريلينكو عبر فيسبوك، الذي أوضح أن "عمليات القصف مستمرة بالمدفعية الثقيلة والطيران. نعتمد فقط على قوتنا الخاصة".
في المقابل نقل الكرملين عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوله اليوم الثلاثاء إن مدينة ماريوبول الأوكرانية المحاصرة تم "تحريرها"، وأنه لا توجد عمليات عسكرية جارية هناك، في تناقض مباشر مع رواية كييف للأحداث.
وذكر الكرملين أن بوتين أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مكالمة أنه يتعين على كييف "تحمل المسؤولية" عن الأشخاص المتحصنين في مصنع آزوفستال للصلب في ماريوبول، ودعوة المقاتلين هناك إلى إلقاء السلاح.
مساعي السلام
وفي حين تبدو المحادثات الروسية الأوكرانية في طريق مسدود، التقى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في موسكو الثلاثاء المسؤولين الروس في أول زيارة له لروسيا منذ بدء النزاع الذي زعزع التوازنات العالمية الكبرى وأتى على كل تعاون بين موسكو والدول الغربية.
ودعا غوتيريش من موسكو للتحقيق في "جرائم حرب ممكنة" في أوكرانيا. وأكد "ما يهمنا خصوصا هو إيجاد السبل لتوفير الظروف المناسبة لحوار فاعل ولوقف إطلاق النار في أقرب الآجال".
وأضاف أنه رغم تعقيدات الوضع في أوكرانيا "مع تفسيرات مختلفة لما يحصل" فيها، من الممكن إقامة "حوار جدي حول سبل العمل لتخفيف معاناة السكان"، وحض البلدين على إقامة ممرات إنسانية.
وخلال المؤتمر الصحفي المشترك بين غوتيريش ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، قال الأخير إن روسيا مستعدة للتعاون مع الأمم المتحدة لمساعدة المدنيين في أوكرانيا. وأوضح: "هدفنا الرئيسي هو حماية المدنيين. نحن مستعدون للتعاون مع زملائنا في الأمم المتحدة لتخفيف معاناة المدنيين".
وبعد اللقاء مع لافروف، يستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، غوتيريش الذي زار تركيا التي تحاول لعب دور الوسيط في هذا النزاع، أمس الإثنين، وسيزور بعد ذلك كييف.
وعلى صعيد المساعي التركية، قالت الرئاسة الروسية في بيان الثلاثاء إن بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان "ناقشا بالتفصيل الوضع في أوكرانيا في سياق العملية العسكرية الخاصة للدفاع عن دونباس والجهود المستمرة التي يبذلها الجانب الروسي لضمان سلامة المدنيين، بما في ذلك إقامة ممرات إنسانية".
وفي غضون شهرين أدى النزاع إلى تشريد نحو 13 مليون أوكراني غادر أكثر من خمسة ملايين منهم البلاد، -بحسب أرقام الأمم المتحدة- التي تتوقع أن يتجاوز عددهم الثمانية ملايين بحلول نهاية العام 2022.
ونظرا لتدهور الوضع قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين التي كانت تتوقع في بداية النزاع مغادرة أربعة ملايين أوكراني البلاد، إنها بحاجة لـ1,85 مليار دولار لمساعدة اللاجئين في دول مجاورة.
وأعلنت الأمم المتحدة كذلك أنها ضاعفت نداء عاجلا لجمع الأموال لتوفير مساعدات إنسانية لنحو 8,7 مليون شخص في أوكرانيا ليصل مجموعه إلى 2,25 مليار دولار.
aXA6IDMuMTMzLjEzMy4zOSA= جزيرة ام اند امز