الشركات الناشئة.. رهان أوكرانيا لمعادلة التفوق الروسي
نجحت أوكرانيا في بناء جيش من المسيرات من خلال الشركات الخاصة التي كان عدد قليل منها فقط موجودا قبل بدء الحرب.
وراهنت أوكرانيا على قدرة السوق الحرة، على الرغم من أن الكثير من رجال الأعمال لم يكن لديهم أي خبرة في الأسلحة مثل أندريه بوندارينكو الذي بدأ بالعمل مع صديق، واستغرق الأمر شهرا لتطوير نموذج أولي لطائرة مسيرة دفعا ثمنه من أموالهما الخاصة.
وبعد شهر كانت الطائرات الأرضية المتفجرة الأولى في المقدمة في الحرب، ولم تكن هناك حاجة لعقود أو موافقات حكومية، وفقا لما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
وبعد مرور عام واحد فقط جمعت شركة بوندارينكو، التي تحمل اسم "آرك روبوتيكس"، أكثر من مليون دولار من المستثمرين، وأصدرت 20 نسخة محدثة من مسيراتها الأصلية، وتعمل على نظام اتصالات يسمح للطيارين بالتحكم في المسيرات من مسافة أبعد.
ومع اندلاع الحرب حاولت أوكرانيا بناء إنتاجها من الأسلحة من خلال تبني نموذج رأسمالي مفرط وبفضل التخفيضات الضريبية وإلغاء القيود التنظيمية والمنح الحكومية، ظهرت أكثر من 200 شركة ذخيرة جديدة منذ 2022 تصنع كل شيء من الذخيرة إلى البارود، لكن معظمها تنتج المسيرات بالأساس.
وتتناقض السوق المفتوحة في أوكرانيا مع الوضع في روسيا، حيث مولت الحكومة الإنتاج الضخم للأسلحة في المصانع المملوكة للدولة ولا تستطيع كييف أن تواكب إنتاج موسكو، لذا فهي تعتمد بشكل كبير على الغرب في الإمدادات، خاصة الأسلحة بعيدة المدى.
ومع ذلك فإن تدفق الأسلحة من الولايات المتحدة قد يتراجع مع تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه في يناير/كانون الثاني المقبل، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة اعتماد أوكرانيا على شركاتها الناشئة في مجال التكنولوجيا الدفاعية للتخفيف على الأقل من ميزة روسيا.
وقال ميخايلو فيدوروف، وزير التحول الرقمي، الذي ساعد على تأسيس صناعة المسيرات "من أجل هزيمة روسيا لا يمكننا أن نفعل ما يفعلونه فحسب.. فسيكون لديهم دائما المزيد من المال وسيكونون قادرين على بناء المزيد من المصانع، لذا يتعين علينا أن نعتمد على رواد الأعمال والابتكار".
وفي الحرب الحديثة غالبا ما لعب إنتاج الأسلحة دورا حاسما في ساحة المعركة، وخلال الحرب العالمية الثانية توقفت الولايات المتحدة فعليا عن إنتاج السيارات المدنية، وبدأت مصانع السيارات في إنتاج البنادق والشاحنات والدبابات ومحركات الطائرات، وبحلول نهاية الحرب كانت واشنطن تنتج من المواد العسكرية ما يعادل ما تنتجه بقية دول العالم مجتمعة.
لقد استغرق الأمر من أوكرانيا سنوات ومليارات الدولارات لبناء صناعة أسلحة على هذا النطاق، وتعتمد كييف على شركات أصغر حجما لشغل هذا الفراغ.
وقال وزير الدفاع الأوكراني إن بلاده أنتجت هذا الشهر نحو 200 ألف طائرة مسيرة، وهو أكثر من ضعف الإنتاج قبل عام، وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه يأمل في إنتاج ما لا يقل عن 30 ألف مسيرة بعيدة المدى العام المقبل، وهي المسيرات التي تستخدمها كييف بالفعل لضرب مستودعات الوقود وأهداف أخرى على بعد مئات الأميال داخل روسيا.
ولدى آرك روبوتيكس 60 موظفا، وتحتفظ بمرونة الشركات الناشئة ويعمل مهندسوها على تجهيز الآلات المختلفة بنظام القيادة عن بعد الخاص بالشركة، الذي يسمح بالتحكم في عدة مركبات في وقت واحد، وقال أندري أودوفيتشنكو، قائد العمليات في الشركة "يتعين علينا أن نكون مبدعين".
وفي حين ساعدت الحرب على تمهيد الطريق لتطوير أنظمة أسلحة جديدة، فإنها جعلت الإنتاج بكميات كبيرة كابوسا حيث تنقطع الكهرباء بشكل متكرر ويضيف تشغيل المولدات تكاليف كبيرة.
كما أن العديد من أصحاب العقارات لا يرغبون في التأجير لشركات إنتاج المسيرات، خوفا من أن يصبحوا هدفا للهجمات الروسية.
وقال بوندارينكو إنه لن يضع موظفيه إلا في أماكن بها ملاجئ كبيرة تكفي لاستيعاب الجميع، وهو أمر لا تمتلكه سوى عدد قليل من المستودعات.
وعلى الرغم من أن القوات الأوكرانية كانت وراء الابتكار، فإن الروس يتبنون الآن هذه الابتكارات وهم قادرون على إنتاجها بكميات كبيرة، مما يمنحهم ميزة على طول بعض أجزاء من خط المواجهة، إضافة إلى تفوق الجنود الروس والإنتاج الأكبر من الذخائر التقليدية.
وضخت الحكومة الأوكرانية الملايين في برنامج لتطوير الصواريخ بعيدة المدى والأسلحة التقليدية الأخرى، ولكنها لم تستخدمها بعد في القتال، كما حاول المسؤولون الأوكرانيون مساعدة الشركات الخاصة على التوسع من خلال المنح الحكومية وجذب المستثمرين الأجانب.
مع ذلك، فإن عدد المستثمرين الغربيين الراغبين في المخاطرة بوضع أموالهم في شركات الدفاع الأوكرانية محدود مثل بيري بويل المستثمر الأمريكي، الذي انضم إلى اثنين من الأوكرانيين لتأسيس Mits Capital بعد بدء الحرب، ومنذ ذلك الوقت استثمر في 13 شركة دفاع أوكرانية، مع خطط لإضافة ما لا يقل عن 10 شركات أخرى العام المقبل.
أما أوليكسي بابينكو فبعد فشله في العثور على مستثمرين بدأ في صنع المسيرات بأمواله الخاصة في 2022، واختبارها مع الجنود في الخطوط الأمامية، وفي ربيع 2023 تأسست شركته Vyriy Drone، التي كانت تصنع 10 مسيرات فقط شهريا.
واليوم أصبحت التكاليف التشغيلية للشركة 5 ملايين دولار شهريا، وتنتج 10 آلاف مسيرة شهريا، ووقعت مؤخرا عقودها الأولى مع الحكومة، التي توفر للشركة مزيدا من الاستقرار المالي، إلا أنها تحمل أيضا مجموعة من المتطلبات واللوائح الأكثر صرامة وفقا لبابينكو، الذي لا يزال يزور الخطوط الأمامية كل بضعة أشهر لاختبار معداته.
وتستمر جميع العقود مع الجيش لمدة عام واحد فقط، وهو انعكاس لمدى سرعة تغير الطلب على أنواع مختلفة من المسيرات.
aXA6IDE4LjIyNi44OC4xOCA= جزيرة ام اند امز