جدران بلا نوافذ وصدى للحرب بالخارج.. حكاية «الفصول السرية» في أوكرانيا

في مواجهة استمرار القصف الروسي اليومي، يشهد العام الدراسي الجديد في أوكرانيا تحولا استثنائيا، حيث انتقلت العملية التعليمية من القاعات المضيئة إلى أقبية تحت الأرض، في مشهد يختزل إصرار الشعب الأوكراني على حماية مستقبل أبنائه من ويلات الحرب.
في قرية بوبريك الصغيرة شمال إقليم سومي، القريبة من الحدود الروسية، حوّل الأهالي والمعلمون قبو مبنى إداري إلى مدرسة بديلة، بعد أن جعل القصف المستمر استمرار التعليم في المبنى الأصلي مستحيلاً، لاسيما مع دوي صفارات الإنذار لما يصل إلى 20 ساعة متواصلة، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
وبدلا من الفصول الواسعة، تحولت الممرات الضيقة في القبو إلى فصول دراسية، مفصولة بستائر بلاستيكية ثقيلة في غياب تام للنوافذ والأبواب.
ورغم قسوة المكان، امتلات جدرانه بضحكات وأصوات الأطفال التي تشبه "جوقة جماعية تحارب صدى الحرب بالخوف والبراءة"، وفقا للوصف المحلي.
ولجعل القبو المظلم والرطب ملائما لعملية التعلم، خضع لعملية ترميم شملت تركيب أنظمة تهوية وإضاءة جديدة وتحسين الأرضيات.
ورغم هذه التحسينات، يفرض ضيق المساحة نظاما تعليميا مكثفا على فترتين يوميا، مع فترات استراحة قصيرة.
ويرى مدير المدرسة، أوليكسي كورينيفسكي، أن هذه الجهود "تتجاوز حدود التعليم لتصبح معركة من أجل الوجود"، مشدداً في تصريح له على أن "الوقت هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن استعادته، وهؤلاء الأطفال هم مستقبل أوكرانيا".
وفي اليوم الأول للدراسة، حاول الأطفال إضفاء البهجة على الأجواء الكئيبة بارتداء أزيائهم التقليدية "فيشيفانكا" المطرزة وإحضار الزهور للمعلمين، فيما لا يزال المبنى التاريخي للمدرسة، الذي يعود لأوائل القرن العشرين، مغلقاً في انتظار عودة الحياة الطبيعية.
واقع مرير وذاكرة لا تنسى
ورغم كل الجهود، لا تزال الحرب تفرض ثقلها، حيث فقدت المدرسة التي تضم أكثر من 100 طالب نحو 10% من تلاميذها منذ بداية العملية العسكرية، بينما تستعد عائلات أخرى للرحيل.
داخل الصفوف، يحاول المعلمون إبعاد الطلاب عن أجواء الحرب، لكن ذكرياتها تتسلل إلى أحاديثهم. فحين سألت معلمة تلاميذها عن أنشطتهم الصيفية، جاءت بعض الإجابات معتادة كـ"ركوب الدراجات"، بينما أجاب طفل في الصف الثالث: "تم اعتراض طائرة مسيرة فوقنا وتناثرت شظاياها"، لترد المعلمة بهدوء: "كل هذا يحدث بسبب الحرب".
وأصبح الأطفال، رغم صغر سنهم، أكثر إدراكاً لواقعهم المرير. تقول الطفلة إيفا توي (7 أعوام) التي بدأت عامها الدراسي الثالث في القبو: "نحن هنا لأن الحرب لا تتوقف، وهناك الكثير من صفارات الإنذار".
ولا تخفي إيفا حلمها بالعودة إلى فصلها القديم "لأنه يشبه البيت أكثر"، ثم تتمنى بتطلع أكبر من سنها: "أتمنى أن تنتهي الحرب".
وما يحدث في بوبريك ليس سوى نموذج لعشرات الأمثلة المنتشرة في أوكرانيا، حيث يتحول التعليم إلى سلاح استراتيجي في مواجهة أهوال الحرب، في معركة إنسانية للحفاظ على شعلة الحياة من الانطفاء وسط الدمار.