من التبرعات إلى التوثيق.. كيف غيرت الهواتف الذكية وجه حرب أوكرانيا؟
بعد عام على الأزمة الأوكرانية باتت فرص التوصل إلى حل دبلوماسي شبه منعدمة، مع غياب أية بوادر للتهدئة على جبهات القتال المحتدم.
ومع تعثر الوصول لحلول تنهي الأزمة وتلملم جراح البلدين، إثر "جمود" المواقف وعدم الانفتاح على أية بوادر للسلام، يستعد البلدان "المتحاربان" لتصعيد ميداني، ففيما كثفت روسيا من هجماتها الميدانية مؤخرا كانت أوكرانيا تقف في الجهة المقبلة تلملم أوراقها، انتظارا لهجوم ربيعي، قد يعيد لها "نغمة الانتصارات" التي خبا أثرها.
ذلك الوضع الميداني "الملتهب" جعلت من الهواتف الذكية "الحرب الأكثر توثيقا في التاريخ"، مما قد يغير من فهم العالم لها، خاصة أن الملايين من أجهزة الاستشعار توثق الصراع وتوفر معلومات وأشياء أخرى كثيرة.
وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال"، إن كل جهاز من ملايين الأجهزة في أوكرانيا وحولها عبارة عن مستشعرات يمكنها توفير البيانات الموجودة في المكان والزمان، مشيرة إلى أنه يمكن لـ"ميكروفونات وكاميرات" تلك الأجهزة تسجيل ونقل الأصوات والصور التي تصور حقائق الحرب أو توفر أدوات للدعاية.
فوائد الهواتف الذكية
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن هذه السجلات تسمح للمحققين ببناء أرشيفات مرئية واسعة النطاق للنزاع يمكن أن توفر في النهاية حسابا لـ"جرائم الحرب" المرتكبة من أي من الطرفين.
وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن نشر تلك الأرشيفات بمشاركة المستخدمين عن قصد أو عن غير قصد، أسهم في تحديد الأهداف العسكرية وتقييم الأضرار، مؤكدة أنها تتيح للناس العاديين الوسائل لتزويد الجيش بمعلومات الاستهداف.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن تلك الوثائق المرئية يستخدمها الجمهور الروسي والأوكراني لجمع الأموال لجيش بلادهما، مشيرة إلى أن الجيش الأوكراني يستخدمها لتوجيه الطائرات بدون طيار وقصف الأهداف.
ونقلت "وول ستريت جورنال"، عن الأستاذ المساعد في جامعة الدفاع السويدية ماثيو فورد، قوله: "الحرب في راحة يدك، وهو أمر مذهل حقًا، يمكن أن تكون في أي مكان في العالم (..) جهاز واحد يصبح الوسيلة التي تنتج وتنشر وتستهلك وسائل الإعلام، بل تستهدف العدو أيضا".
اختبار للانضباط
"التوثيق الرقمي الذي توفره الهواتف الذكية هو أمر مرهق بالفعل"، تقول "Mnemonic"، منظمة غير ربحية مقرها برلين توثق انتهاكات حقوق الإنسان في أوكرانيا، إنها جمعت 2.8 مليون سجل رقمي في أقل من عام.
وللهواتف الذكية فائدة عسكرية كبيرة، يقول المؤرخ العسكري والاستراتيجي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن إليوت كوهين: إنها "حلم أصبح حقيقة بالنسبة لأفراد المخابرات وكابوس لأفراد مكافحة التجسس".
ويقول كوهين إن استخدام الهواتف في ساحة المعركة هو اختبار أساسي للانضباط، لأي جيش منظم يمنع حمل هذه الأجهزة.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤول أوكراني قوله، إن المقاتلين الشيشان، الموالين للزعيم رمضان قديروف والمعروفين باستخدامهم لـ"تيك توك" و"إنستغرام" للإعلان عن مآثرهم، كشفوا في عدة مناسبات عن مواقعهم باستخدام الهواتف المحمولة، مما أدى إلى استهدافهم بثلاث ضربات على الأقل، بعد أن تمكنت المخابرات العسكرية الأوكرانية من تحديد موقعهم من خلال منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.
ووقعت إحدى الحوادث في مبنى مدرسة في منطقة ريفية من منطقة خيرسون بأوكرانيا خلال هجوم الخريف الأوكراني هناك، فيما قال المسؤول الأوكراني: "قام موثق الفيديو بتصوير زملائه من زوايا مختلفة بالإضافة إلى مباني وأراضي المدرسة التي كانوا يتواجدون فيها". وبعد ساعات أصيب المبنى بقصف مدفعي دقيق، فيما قال شيشانيون على مواقع التواصل الاجتماعي إن الضربة قتلت نحو 30 مقاتلا.
حرب المعلومات
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الهواتف الذكية تفتح فرصا لحرب المعلومات، فمنصات مثل "فيسبوك" المحظورة في روسيا، وVKontakte تحمل محتوى حرب مهما، لكن "تليغرام"، تطبيق مشفر يسمح بتوزيع المحتوى على نطاق واسع دون أي تنظيم تقريبًا، يحمل الكثير عن تلك الحرب.
وقال أندرو هوسكينز، أستاذ الأمن العالمي في جامعة جلاسكو: "عبر تليغرام هناك هذا التدفق الصافي من أهوال الحرب في الوقت الفعلي، الذي لم نشهده من قبل.. دون أن يخضع للرقابة".
أستاذ الأمن العالمي في جامعة جلاسكو، أضاف: "في بعض القنوات أعتقد أن كل صورة وفيديو هو انتهاك لاتفاقيات جنيف" التي تحظر على سبيل المثال توزيع صور قتلى الحرب وتصر على الحفاظ على كرامة أسرى الحرب.
ويقول بريان بيرلمان، محقق، إن المحققين من منظمة "Mnemonic" يقومون بالتدقيق في هذه السجلات، بمساعدة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، والأدوات التي يتوقعون تطويرها للمساعدة في التحقيقات في المستقبل، مشيرا إلى أنه يتم منح كل ملف معرفا فريدا يضمن عدم إمكانية تغييره لاحقا.
محاسبة الأفراد
وقال زميله يوجين بوندارينكو إن أحد الجوانب التي تميز الصراع الأوكراني عن الصراع في سوريا هو أن هناك طرفين فقط فيه، ما يجعل من السهل توزيع المسؤولية عن "الفظائع".
وفيما أضاف أنه من الصعب في النهاية محاسبة الجنود الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات على الأرض، لكنه قال: "إنها تفعل الكثير في رأيي".
منظمة أخرى توثق الصراع من لقطات الهواتف الذكية وغيرها من المواد هي "بيلنجكات"، التي كانت من بين أول من تمكن من تحديد أن القوات المدعومة من روسيا قد تلقت نظام صواريخ "بوك" من روسيا وأطلقتها على رحلة الخطوط الجوية الماليزية 17 في عام 2014.
وقال إليوت هيغينز، مؤسس شركة بيلنجكات، "بدأ الناس في متابعة الصراع عندما بدأ الروس العاديون في تصوير الدبابات أثناء نقلها إلى الحدود في الفترة التي سبقت العملية العسكرية الروسية".
وأضاف أنه منذ بداية الحرب، بدأت "بيلنجكات" عملياتها بالتشاور مع المدعين العامين الأوكرانيين والدوليين حول كيفية معالجة المواد وأرشفتها عبر الإنترنت للوفاء بالمعايير اللازمة لاستخدامها في المحكمة، مضيفا "لقد طورنا عملية تهدف تحديدا إلى المساءلة القانونية باستخدام أدلة مفتوحة المصدر، إنها أول حرب مفتوحة المصدر".
aXA6IDMuMTMzLjEzOS4xNjQg جزيرة ام اند امز