عامان من حرب أوكرانيا.. أحلام الغرب «تتبدد» وشرخ التوقعات «يتوسع»
لم تتحقق نظرية الغرب بإحراز نصر سريع في حرب أوكرانيا، سواء على أرض المعركة أو على مائدة المفاوضات.
هذا ما خلص إليه المحلل الاستراتيجي الأمريكي يوجين رومر بالقول إن السنة الثانية من حرب أوكرانيا بددت أحلام الغرب بانتصار سريع على روسيا.
ومع اقتراب الذكرى السنوية الثانية لاندلاع الحرب في أوكرانيا بات على الأخيرة ومؤيديها الاستعداد لاتخاذ قرارات سياسية حرجة خلال العام الثالث للحرب بالاستفادة من دروس أول عامين منها.
ومنذ عام، بعد التنبؤات الرهيبة بالحرب، ثم التفاؤل بالانتصارات الأوكرانية غير المتوقعة في خاركيف وخيرسون أصبحت كلمة "الجمود" هي الأكثر شيوعا، في وصف حال الحرب على الأرض الأوكرانية.
وبحسب وكالة الأنباء الألمانية فشلت عمليات إعادة التسليح والتدريب الكثيفة من جانب الدول الغربية للقوات الأوكرانية، بهدف تجهيزها للقيام بهجوم مضاد واسع.
وكان يأمل أن يحقق الهجوم خلال الصيف اختراقا استراتيجيا في جنوب أوكرانيا ويهدد السيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم، ويجبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التفاوض وفقا لشروط في صالح أوكرانيا.
وفي تحليل نشره موقع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، قال ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق والمتخصص في الملف الروسي يوجين رومير إن نظرية إحراز النصر السريع في أرض المعركة وعلى مائدة المفاوضات لم تتحقق في الحرب الروسية الأوكرانية حتى الآن.
ولم تختلف حالة الحرب طوال عامها الثاني عن حالتها في العام الأول، فكلا الجانبين عانى من خسائر جسيمة خلال 2023، ويرى الخبراء العسكريون أن أيا من الجانبين لا يملك ما يلزم لتحقيق تغيير جذري لصالحه على أرض المعركة.
ومع إصرار كل جانب منهما على تحقيق رؤيته للنصر، كما كان الحال قبل عام، فإنه لا يوجد ما يشير إلى نهاية قريبة لهذه الحرب التي اشتعلت في 24 فبراير/شباط 2022.
وبحسب الخبير، فإنه لا شك أن القوات الأوكرانية تحتاج إلى فترة راحة بعد موسم قتال عنيف في الصيف الماضي.
والسؤال الحقيقي في هذه المرحلة هو: ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ وبعد عام من الدفاع النشط، إلى أي مدى يمكن لأوكرانيا استئناف العمليات الهجومية واسعة النطاق في 2025 بهدف تحرير الأراضي وإجبار بوتين على التفاوض الجاد من أجل إنهاء الحرب؟
في المقابل، يتابع: "تستعد روسيا للمرحلة الجديدة من الحرب، وتزيد المصانع الحربية الروسية من إنتاجها رغم الانتقادات الموجهة لها بأنها لا تنتج المعدات الحربية للجيش بالسرعة اللازمة".
ويعاني الجيش الأوكراني من نقص مزمن في الذخائر، وبعد أدائه الكارثي في المرحلة الأولى للحرب تكيف الجيش الروسي واستخدم التكنولوجيات الجديدة والإجراءات المضادة لحرمان أوكرانيا من نقاط تفوقها الرئيسية والتي حققت من خلالها مكاسب في أرض المعركة قبل ذلك.
وما زال من غير الواضح إذا كانت روسيا ستحتاج إعلان تعبئة جديدة بعد إعادة انتخاب بوتين لفترة رئاسية جديدة في مارس/آذار المقبل، في الوقت نفسه يمتلك الجيش الروسي القوة البشرية المناسبة لتنفيذ مهامه رغم نقص الأيدي العاملة في مختلف أنحاء روسيا نتيجة التوسع في التعبئة العسكرية، فعدد سكان روسيا ثلاثة أمثال سكان أوكرانيا، وهو ما يعني قدرة الأولى على تجنيد المزيد من الجنود.
ونظرا لاعتماد أوكرانيا المهم للغاية على مساعدات حلفائها وشركائها، وفي ظل الغموض المحيط بالمرحلة القادمة من المساعدات الأمريكية لها تثور شكوك قوية حول طبيعة خططها للقيام بالهجوم المنتظر في 2025.
كما واجهت دول الاتحاد الأوروبي صعوبات حتى تصل إلى اتفاق لتقديم حزمة مساعدات طويلة المدى بقيمة 50 مليار يورو، لمساعدة الحكومة الأوكرانية في القيام بمهامها ودعم اقتصادها.
وحتى إذا حصلت أوكرانيا على الدفعة الجديدة من المساعدات الأمريكية بقيمة 64 مليار دولار والتي تحيط بها الشكوك حاليا، فإنها لن تغني عن حزمة مساعدات تالية حتى يمكن لكييف شن الهجوم الموعود في 2025.
كما أن الدبلوماسيين والمسؤولين الأوروبيين يعترفون بأن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع تمويل الحرب في أوكرانيا بدون المساعدات الأمريكية.
وبدون الدعم العسكري الغربي لا يمكن تصور نجاح أوكرانيا في شن هجوم مضاد، وهذا يعني ضرورة تبني أوكرانيا وحلفائها وشركائها لاستراتيجية جديدة طويلة المدى ، حسب رومير مدير برنامج روسيا وأوراسيا في مؤسسة كارنيغي.
"الدفاع النشط"
ويعتقد الخبير أنه في ظل التفوق العسكري الروسي لا تمتلك أوكرانيا سوى تبني استراتيجية "الدفاع النشط" ليس للعام الحالي فقط، لكن على المدى الطويل.
ويؤكد أنه رغم أن استعادة الأراضي يظل الهدف الأسمى لأوكرانيا، إلا أنه ينبغي الاعتراف باستحالة تحقيق ذلك في المستقبل المنظور في ضوء التفوق العسكري الكاسح لروسيا.
ولذلك، يخلص الخبير إلى ضرورة التركيز على توفير احتياجات الدفاع النشط مثل تعزيز المواقع الدفاعية على امتداد خطوط المواجهة ودعم قدرات الدفاع الجوي واتخاذ التدابير المضادة لحماية القوات والمدن والبلدات والبنية التحتية الحيوية الأوكرانية من الهجمات الروسية،.
كما يوصي بإعادة تشكيل وتدريب وحدات الدفاع النشط والحصول على منظومات صواريخ موجهة بعيدة المدى، لكن أوكرانيا تحتاج إلى حلفائها لتزويدها بالجانب الأكبر من هذه الاحتياجات.
وفي ختام التقرير، قال رومر إن العام الأول من الحرب خلق توقعات غير واقعية، سواء حول قدرة روسيا على حسم الحرب بسرعة في البداية، أو حول قدرة أوكرانيا على قلب المائدة على عدوتها وإجبارها على التراجع.
لكن العام الثاني كشف عدم واقعية هذه التوقعات ليبدأ العام الثالث ويفرض على الجميع استيعاب دروس العامين الأولين للحرب والاقتناع بأن أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) يخوضان مواجهة طويلة المدى مع عدو قوي وخطير وعنيد.
aXA6IDMuMTI4LjMxLjIyNyA= جزيرة ام اند امز