وكأنّ الحياة أرادت أن تقول: المال نعمة عظيمة وجبارة لكنه لن يكون حليفك الأول دائماً ما دمت تستخدمه لإرباك العالم
جملتان ذاع صيتهما في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، وتحديداً أثناء انتخابات اليونيسكو، جملتان بذات الأحرف والكلمات تدخل «لا» النافية على أحدهما لتعكس المعنى والفكرة والمبدأ بشكل كبير، هاتان الجملتان هما: «المال يصنع كل شيء» و«المال لا يصنع كل شيء».
حكومة الكواري هي التي خذلته بسمعتها السيئة كبلد داعم للإرهاب رغم محاولاتها اليائسة وضخّها المليارات لتحسين صورتها الباهتة.
كان عدد المستخدمين لهذه العبارة يزداد كلما زادت فرصة المرشح القطري الدكتور حمد الكواري للفوز في المراحل الانتخابية، وكنت تسمع وترى بشكل لافت عبارة «المال يصنع كل شيء» في إشارة غريبة توحي بأنَّ هناك إجماعاً كبيراً على أن الطريقة التي تستخدمها الحكومة القطرية، في تحقيق كل أهدافها ومصالحها باتت معروفة، وهي استخدام المال بطريقة غير صحيحة تفسد أكثر مما تنفع.
وبدا للحظات أنّ السؤال التالي راود الجميع وهو: ماذا لو تولّت الحكومة القطرية شؤون اليونيسكو؟ أو على الأقل أثرّت في قرارات هذه المنظمة الدولية، ومع صعوبة ذلك واستحالته إلاّ أنّ غمامات سوداء كانت تحجب الرؤية بمثل هذا الاستفهام.
وما إن حُسمت الانتخابات لصالح المرشحة الفرنسية أودري أوزولاي حتى علت الأصوات التي كانت تهمس بالخفاء قائلة: إنّ سمعة النظام القطري هي التي تسببت في الخسارة العربية.
حدث ذلك تحديداً بعد أن نشرت الصحافة الفرنسية تاريخ قطر في دعمها للإرهاب، وكشفها عن وجود رشى من قبل الدوحة، مثل دعوة العديد من أعضاء المجلس التنفيذي لليونيسكو في رحلة مدفوعة الأجر إلى قطر لحشد الأصوات إلى مرشحها، ما جعل العالم يعقد مقارنة غير عادلة بين اليونيسكو كمنظمة للتربية والعلم والثقافة تتبع الأمم المتحدة، أهم أهدافها إحلال السلام والأمن والاحترام العالمي للعدالة وسياسة القانون وحقوق الإنسان والحريات عن طريق رفع مستوى التعاون بين دول العالم في ذلك، ومرشح يفترض أنه سيرأس بعد قليل هذه المنظمة، والسبب أنّ هذا المرشح رغم إمكانياته الهائلة وخبراته الكبيرة ينتمي لحكومة تدعم المنظمات الإرهابية والجماعات المتطرفة فكرياً ودينياً، وتعمل على زعزعة الاستقرار لدى جيرانها ودول عديدة، فضلاً عن تهييج الشعوب وإثارة الفتن، حكومة لا تقدّر شعبها ولا تثّمن حقوقه وتسلبه أمنه وحريته خاصة بعد إسقاط الجنسية عن الكثير من مواطنيها، واستمرارها في المزيد من الانتهاكات الخطيرة تجاه من يعارضها وخصوصاً ما حدث في الأسبوع الحالي بعد قيام أجهزتها الأمنية باقتحام قصر الشيخ سلطان بن سحيم آل ثاني ومصادرتها لمقتنيات ووثائق مهمة، وكذلك تجميدها لأرصدة الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني في الدوحة، إذاًً هذه الحكومة التي يفترض دعمها لمرشحها كانت هي السبب الأساسي في عدم فوزه بانتخابات اليونيسكو.
ويبدو أنّ ملفات الفساد والرشى تجرّ بعضها بعضاً، ففي ذات الوقت الذي تواصلت فيه الاحتجاجات على الخروقات التي شابت العملية الانتخابية لدعم المرشح القطري، فُتِح ملف مونديال 2022 من جديد حينما أعلنت الشرطة الإيطالية أنّ القطري ناصر الخليفي الرئيس التنفيذي لمجموعة (بي إن سبورت) رئيس «نادي باريس سان جيرمان» الفرنسي وضع منزلاً فخماً في سردينيا تقدر قيمته بنحو 7 ملايين يورو تحت تصرف جيروم فالك الأمين العام السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) من أجل الحصول على حقوق النقل التلفزيوني للمونديال الكروي بين 2018 و2030، ما جعل شبهات الفساد تلاحق قطر، وإن كان الأجدر بنا والأصدق أن نقول تلاحق الحكومة القطرية وأفعالها المشينة.
الغريب في الحكاية أنّ العبارة التي كانت الأكثر رواجاً أثناء وصول المرشح القطري إلى المرحلة النهائية في انتخابات اليونيسكو هي (المال يصنع كل شيء) تحولّت مباشرة بعد الخسارة لتنتشر بشكل سريع في فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي لتصبح حقيقة «المال لا يصنع ولا يشتري كل شيء» في إشارة واضحة إلى أن النظام القطري لن يستطيع تحقيق أهدافه العدائية بالمال دوماً، وكأنّ الحياة أرادت أن تقول: المال نعمة عظيمة وجبارة لكنه لن يكون حليفك الأول دائماً ما دمت تستخدمه لإرباك العالم وتحقيق أهوائك في السيطرة والتخويف ومشاريع تعادي الخير والسلام.
وأخيراً، فإن حكومة الكواري هي التي خذلته بسمعتها السيئة كبلد داعم للإرهاب رغم محاولاتها اليائسة وضخّها المليارات لتحسين صورتها الباهتة.
نقلا عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة