يعكس تجميد السلطات القطرية لحسابات الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني حالة التخبط التي تمر بها الحكومة
خلال عقدين من الزمان لعب القطاع المصرفي القطري دورًا مهمًّا في تجسير عمليات تمويل الإرهاب التي قامت بها كيانات وشخصيات قطرية، صُنِّفت مؤخرًا ضمن قوائم الإرهاب المحظورة عالميًّا، واحتضن في الوقت عينه حسابات قذرة لأفراد وجماعات إرهابية، كانت تعاني عدم قدرتها على التعامل مع القطاعات المصرفية العالمية؛ فوفَّرت لها المصارف القطرية، أو المصارف المملوكة للحكومة القطرية في الخارج المنصة المالية المطلوبة.
من يدري، فقد تتبدل مراكز القوى قريبًا؛ فيصبح المسؤول عن تجميد حسابات الشخصيات القطرية النزيهة اليوم خاضعاً لعمليات تجميد حساباته المصرفية واستثماراته الخارجية، وقضايا قانونية تتسبب في ملاحقته دوليّاً.
ومن جهة أخرى، عمل البنك المركزي القطري على إغراق خزانته بأموال نقدية تفوق الحاجة من أجل توظيفها لخدمة الحكومة المنخرطة في التعاملات القذرة، من خلال الدفع النقدي لأفراد وجماعات إرهابية في سوريا والعراق وليبيا ومصر ولبنان وإيران واليمن، بل إن بعض المعلومات المتداولة تشير إلى أن البنك المركزي القطري كان ممولاً رئيساً للنظام الإيراني خلال فترة سريان العقوبات الاقتصادية.
حماية الحكومة القطرية الاستثنائية لممولي الإرهاب، وتوفير الأموال القذرة والحاضنة المصرفية لهم، قابلتهما انتفاضة غير مسبوقة على الحسابات المصرفية النقيّة التابعة لبعض الشخصيات القطرية النزيهة التي ارتأت النأي بنفسها عن مقامراتها السياسية، والبُعد عن الاشتراك في الممارسات الخاطئة التي أحدثت أضرارًا فادحة للأمن والاقتصاد والمجتمع القطري. اجتهدت حكومة قطر في تجميد الحسابات النظيفة المرتبطة بشخصيات اعتبارية مؤثرة، والمحمية بالقوانين المصرفية العالمية، وتركت في الوقت عينه الحسابات القذرة المحاربة من قِبل المنظمات والهيئات الدولية.
من المؤسف أن توزع حكومة قطر ثروات الشعب على استثمارات عالمية ضخمة، تسجل بأسماء مستثمرين أفراد؛ ما يعرِّضها لمخاطر قانونية مختلفة، منها مخاطر إخفاء مصادر التمويل وشبهاته المتعددة التي قد تتسبب في ضياع تلك الاستثمارات، إضافة إلى مخاطر استئثار تلك الشخصيات بها مستقبلاً بدلاً من أن تعود لملكية الوطن، في الوقت الذي تجتهد فيه بملاحقة أموال مواطنيها ومصادرتها في وضح النهار. إجراءات استخباراتية لا تعترف بالأنظمة والقوانين، ولا تهتم بالمصلحة الوطنية، توجَّه من قِبل شخصيات حاقدة على قطر وأهلها، ودول الخليج قاطبة.
يعكس تجميد السلطات القطرية لحسابات الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني حالة التخبط التي تمر بها الحكومة، والتي قادتها لمخالفة القوانين الدولية، ومتطلبات حماية الحقوق الخاصة، وممارستها إجراءات خاطئة من الناحية القانونية، تؤثر سلباً على القطاع المصرفي القطري الذي يعاني نزوح الودائع الأجنبية منه.
سينعكس تصرف السلطات القطرية سلباً على القطاع المصرفي؛ إذ من المتوقع أن تتسرب الودائع المحلية منه أسوة بالودائع الأجنبية؛ فالحكومة التي لا تضمن سلامة ودائع المودعين، ولا تتردد في الاستيلاء عليها أو تجميدها دون أحكام قضائية عادلة، غير جديرة بثقة المستثمرين والمودعين والمنظمات الدولية التي ترى في تلك التصرفات شذوذاً عن قاعدة الإجراءات القانونية والأنظمة المصرفية العالمية.
أجزم أن المصارف القطرية لم تكن قادرة من قبل على الوفاء بمعايير منظمة العمل الدولي FATF المعنية بمكافحة تمويل الإرهاب، وغسل الأموال عطفاً على المخالفات الكثيرة التي تحتضنها، ومنها عمليات تمويل الإرهاب، أو الاحتفاظ بحسابات مصرفية لأفراد وجماعات مصنفة ضمن قائمة الإرهاب الدولي، أو التستُّر على عمليات غسل أموال منظمة، تقوم بها شخصيات اعتبارية قطرية. وأحسب أن الحصانة الأمريكية خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما وفرت لها الحماية المؤقتة التي بدأت بالانقشاع؛ وبالتالي الانكشاف على القوانين الدولية الصارمة.
تجميد حسابات الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني، بالرغم من شناعته، قد لا يُحدث أثراً ماليّاً لشخصية موثوقة ومقربة من الحكومات الخليجية، إلا أن الأثر الأكبر سينعكس على الحكومة القطرية والقطاع المصرفي الذي سيشهد نزوحاً للودائع المحلية بقصد حمايتها من انتهاكات الحكومة لمعايير الملكية الخاصة والحريات الشخصية. ومن يدري، فقد تتبدّل مراكز القوى قريباً؛ فيصبح المسؤول عن تجميد حسابات الشخصيات القطرية النزيهة اليوم خاضعاً لعمليات تجميد حساباته المصرفية واستثماراته الخارجية، وقضايا قانونية تتسبب في ملاحقته دوليّاً.
نقلا عن "الجزيرة" السعودية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة