دعم الدوحة للجماعات الإرهابية، وارتباط الأخيرة بها، غدا أمراً مكشوفاً للعالم أجمع، مهما حاول النظام القطري شراء الذمم لإخفائه
تزخر ذاكرة العرب كما هو تاريخهم بالعديد من الحكم والأمثال، منها ما ينطبق على كل حدث ومنها ما يناقضه، وقالت العرب قديماً "إن العين لا تجابه المخرز"، ليس قوة بالمخرز، وإنما هي طبيعة العين، ذلك الجزء الرقيق الضعيف والحسّاس، خلقه الله سبحانه محمياً بأجفان ورموش وحواجب، ترتفع اليد لتذود عنهما، وينخفض الرأس كلما شعر أنهما في خطر.
منح هذا النظام المؤذي، موضع قدم في محفل دولي لصون حقوق الإنسان، هو أقرب إلى ما وصفه رئيس منظمة "يو إن ووتش"، أنه "كتعيين أحد المصابين بهوس إشعال الحرائق رئيساً لإدارة الإطفاء"
ومن الطبيعي عادة أن تتنافس الحكومات على نيل شهادة "حسن السيرة والسلوك"، في مختلف المجالات، أهمها في مجال حقوق الإنسان، والدفاع عنها وحمايتها، وتوفير ما أمكن لضمان تحقيقها، ولكن هذه المرة سددت 154 دولة حول العالم طعنات قاتلة لها، عندما أعطت الفرصة للنظام القطري، للجلوس في موضع لا ينبغي له الوجود فيه.
ففي مفارقة قد لا تكون غريبة على العالم، مُنحت قطر عضوية في مجلس حقوق الإنسان، ضمن 4 مقاعد مخصصة لقارة آسيا، لتصدح وسائل الإعلام القطرية، والتابعة إدارياً ومالياً للنظام القطري، بالصراخ والصياح، محتفلة بأمر أقل ما يقال عنه إنه "معيب"، أو كما وصفته إحدى الصحف الكندية أنه "بمثابة صفعة في وجه العالم".
ذلك النظام الذي لم يألُ جهداً للتنكيل بشعبه أولا، عندما رفع "الإنسان" القطري صوته، للمحافظة على أبسط "حقوقه" بحرية التعبير، وهو ما يكفله الدستور وقوانين حقوق الإنسان العالمية، لترد الحكومة القطرية مسعورة بسحب جنسيات كل من يخالفها الرأي، أو يعارضها، ثم تتفنن بطرد وتهجير الآلاف من أبناء الشعب، فيما يعد ضمن الأعراف والقوانين الدولية بأنه جريمة حرب نكراء، في مأساة شهدها العالم وسكت عنها.
لم يكتفِ النظام القطري بالتلاعب بمصائر والنَيْل من حقوق عشرات آلاف القطريين، بل واصل نهجه بالقمع والاضطهاد ومصادرة الحقوق وسلب الإرادات، عندما استهدف بشكل مروِّع، حياة مئات الآلاف من العمال الآسيويين، ممن يعملون في مشاريع البنية التحتية لاستضافة كأس العالم ٢٠٢٢، تلك المعاناة التي وثَّقتها جمعيات حقوق الإنسان العالمية، وطالبت فيها نظام الدوحة مراراً وتكراراً بمعالجتها والوقوف عليها.
ملايين العمال الآسيويين ممن وصفتهم "الاندبندت" أنهم "عبيد يبنون مقابر"؛ والذين لم يغادر بعضهم مواقع البناء، إلا ميتاً محمولاً على الأكتاف، بحسب الصحيفة البريطانية.
وفي مواقف لا تقل دموية ووحشية لنظام الدوحة، هذه المرة طالت الشقيق والقريب، عندما عمل النظام القطري، عبر تسخير ثروات الدولة، لاستهداف أمن المنطقة والعبث بسيادة دولها واستقرارها، والمساهمة بشكل واضح فاضح، بتدمير المجتمعات ونشر العنف، ودعم التطرف والإرهاب، في سوريا ومصر وليبيا والعراق، ومؤخراً وفي طعنة غدر للأشقاء في الخليج العربي، عبر دعم الحوثيين في اليمن.
ولعل دعم الدوحة للجماعات الإرهابية، وارتباط الأخيرة بها، غدا أمراً مكشوفاً للعالم أجمع، مهما حاول النظام القطري شراء الذمم لإخفائه، ولكن أن يصل الأمر إلى حد منح هذا النظام المؤذي، موضع قدم في محفل دولي لصون حقوق الإنسان، هو أقرب إلى ماوصفه رئيس منظمة "يو إن ووتش"، أنه "كتعيين أحد المصابين بهوس إشعال الحرائق رئيساً لإدارة الإطفاء".
من المؤلم أن تجابِه العينُ المخرز، بل هي مقابلة غير متوازنة ولا عادلة، فكيف إذا كانت العين إنساناً، عانى وعاش الأمرَّين، سُحِبت جنسيته، وشُرِّد من أرضه، ودُمِّر وطنه، وسُلِب مستقبله، بل مات وسُفِك دمه، ظلماً وجوراً وبهتاناً، والقاتل في الدوحة، يُكرَّم تكريماً مضرّجاً بدماء الأبرياء، ممن ستحاسب أرواحهم النظام القطري، والإنسانية المنتهكة، التي سلمته عضوية في مجلس حقوق الإنسان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة