هذا الأمر الملكي، الذي راعى الضوابط الشرعية أولا، والصادر عن ولي الأمر، وجبت طاعته
فكرتُ كثيرا قبل كتابة هذا المقال، فكرت في ردود الأفعال، فيما عليَّ قولُه وما عليَّ تركه والابتعاد عنه، ووجدت نفسي أخيرا أبدأ بالكتابة من حيث انتهى الآخرون، حيث النتائج وردود الأفعال.
لستُ رجلَ دين حتى أبحث في الفتوى وأتحدث فيما لا علم لي به، وربما لا قدرة لدي على استيعابه، ولست مواطنا أو سياسيا سعوديا، حتى أقحم نفسي، فيما أدرك تماما أن أهل مكة أدرى بشعابها، وأن في المملكة رجالا ونساء في أعلى مستويات الكفاءة والقدرة على معالجة ما يواجههم.
فقد اشتعلت منذ الأمس وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإعلام حول العالم، متناولة بقوة الأمر الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، بالسماح بقيادة المرأة في السعودية، وبعيدا عن مبدأ التدخل قبولا أو رفضا، وجدت في نفسي دافعا قويا، لجمع بعض ردود الفعل وحصرها، حيث كانت النتيجة التي وصلتُ إليها متوقعة في نظري على الأقل.
في البداية لابد من إيراد نص الأمر الملكي الذي أشعل لهيب البعض ممن لم يقرأوه أصلا، والذي جاء في مقدمته:
"نشير إلى ما يترتب من سلبيات من عدم السماح للمرأة بقيادة المركبة، والإيجابيات المتوخاة من السماح لها بذلك، مع مراعاة تطبيق الضوابط الشرعية اللازمة والتقيد بها"، وهنا أورد هذا النص الذي -باعتقادي- لم يطلع عليه الكثيرون ممن بدأوا حملة مهاجمة المملكة وهذا القرار، بلا سبب واضح، إلا أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء قراءة النص الكامل، أو –وهم من تجب الإشارة إليهم– ممن جُنّدوا أصلا لضرب المملكة وتشويه سمعة قيادتها.
هذا القرار الذي تابعه باهتمام ملايين الأشخاص حول العالم، تباينت ردود الفعل حياله بين القبول والرفض، ووسط حالة من ضياع المعالم وهلامية المشهد؛ حيث لم يتوقع الأمر أحد، استغلها وتلقفها من ينتظرون أي أمر لاستهداف المملكة، حيث برزت وبوضوح تلك الشرذمة من الإخونجية وحلفائهم، ممن يحترفون ممارسة اللعب غير النظيف، والعبث في شأن بتّ فيه ولي الأمر، ومعه كوكبة من علماء ومفتي المملكة، ممن يعرفهم تماما الشعب السعودي، ويثقون بهم.
هذا الأمر الملكي، الذي راعى الضوابط الشرعية أولا، والصادر عن ولي الأمر، وجبت طاعته، ولا يحق لأحد إلا من كُلف من ولي الأمر، الخوض في غماره وسبر أغواره، كما يتوجب على الجميع، أن يعرف أن المرأة السعودية، هي مثال يُضرب للشرف والكرامة، ولن يُسمح لأحد في العالم أن يتطاول عليها
الأمر الملكي الذي أوضح في نصه -وهنا أورده حرفيا- أن "الحكم الشرعي في ذلك هو من حيث الأصل الإباحة، وأن مرئيات من تحفظ عليه تنصب على اعتبارات تتعلق بسد الذرائع المحتملة التي لا تصل إلى يقين ولا غلبة ظن، وأنهم لا يرون مانعا من السماح لها بقيادة المركبة في ظل إيجاد الضمانات الشرعية والنظامية اللازمة لتلافي تلك الذرائع، ولو كانت في نطاق الاحتمال المشكوك فيه".
وهنا، يبرُز الرأي الشرعي، متوافقا مع ما أعلنته هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، في أن الهيئة أوضحت عدم وجود نص شرعي يحرم قيادة المرأة، مع إشارتها إلى "ضرورة إيجاد الضمانات الشرعية، لتلافي الذرائع"، وهو ما جاء فيه نصا أيضا في آخر فقرات الأمر الملكي: "وفق الضوابط الشرعية والنظامية المعتمدة"، في إشارة إلى الالتزام الكامل من الناحية الشرعية والتنظيمية، في تنفيذ هذا الأمر.
واليوم وقد اختلفت المجتمعات وتعددت مقتضيات الحياة وكثرت متطلباتها، ووسط انشغال الرجال فيما ينشغلون والشباب فيما يفعلون؛ لم يعد أمام تلك المعلمة أو الطبيبة أو الموظفة، خاصة ممن لا يجدون من يعينهم على متطلبات الحياة، إلا أن تعتمد على نفسها، وهنا لابد من الإشارة إلى بعض ردود الأفعال المرحبة التي ذكرت أن هذا الأمر أثبت أهميته القصوى، خاصة بما فيه من منع الاختلاط المباشر مع السائقين من الأجانب عن المرأة، وما فيه من حفظ مال ووقت تلك الموظفة، التي قد تقطع يوميا مئات الكيلومترات ذهابا وإيابا إلى عملها، وهو ما ينعكس على صالح بيتها وأطفالها.
إن هذا الأمر الملكي، الذي راعى الضوابط الشرعية أولا، والصادر عن ولي الأمر، وجبت طاعته، ولا يحق لأحد إلا من كُلف من ولي الأمر، الخوض في غماره وسبر أغواره، كما يتوجب على الجميع أن يعرف أن المرأة السعودية هي مثال يُضرب للشرف والكرامة، ولن يُسمح لأحد في العالم أن يتطاول عليها، وستبقى كذلك في كل عصر وكل أوان، مهما استجدّ وجدّ، وستظل حشمتها والتزامها في القمة، لا يطالها غبار.
وفي الختام أُنهي ما بدأت بهذه الفقرة من الأمر الملكي؛ لعلها تزيح الغشاوة عن أعين البعض: "ولكون الدولة هي -بعون الله- حارسة القيم الشرعية فإنها تعتبر المحافظة عليها ورعايتها في قائمة أولوياتها، سواء في هذا الأمر أو غيره، ولن تتوانى في اتخاذ كل ما من شأنه الحفاظ على أمن المجتمع وسلامته".. فشكرا خادم الحرمين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة