"البيضة".. مبنى غير مكتمل يحكي تاريخ بيروت

مبنى "البيضة" شيّد في ستينيات القرن الماضي وكان مقررا أن يكون جزءاً من مجمّع تجاري ضخم في بيروت لكن الحرب الأهلية وضعت حدا لهذه الخطط
اختار جميل معوض محيط مبنى بيروتي يحمل ندوب الحرب ويعدّ أحد معالم المدينة؛ ليعطي عشرات الطلاب محاضرة حول السياسة في المجال العام، فيما كانت المظاهرات تتسع حولهم في العاصمة اللبنانية.
وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت إن هذا المبنى المعروف باسم "البيضة" في وسط بيروت مكان تلتقي فيه المعرفة والتطبيق في آن، موضحاً كيف شكلت المظاهرات التي تدخل يومها العاشر مفتاحاً للدخول إلى هذا المكان.
وأضاف أن "التمكن من التدريس هنا هو فعل سياسي"، مشيراً إلى البناء الرمادي الضخم خلفه، فيما صدحت من حوله صرخات المحتجين المنددة بالطبقة السياسية.
شيّد مبنى "البيضة" في ستينيات القرن الماضي، وكان من المقرر أن يكون جزءاً من مجمّع تجاري ضخم في بيروت، لكن الحرب الأهلية (1975-1990) وضعت حداً لهذه الخطط.
ومع بدء عملية إعادة إعمار وسط بيروت بعد الحرب عبر شركات خاصة حولت معالم الوسط التقليدية إلى مبانٍ فارهة، كان هذا المبنى ذي الهندسة اللافتة مهدداً أيضاً بأن يضيع في موجة الترميم.
وحدّت الشركات الخاصة الكبرى والمثيرة للجدل التي تسلمت إعادة الإعمار في وسط بيروت من إمكانية الدخول إلى هذا المعلم، ورغم ذلك بات المبنى في التسعينيات ولوقت قصير مركزاً لحفلات ومهرجانات سرية.
لكن هذا المبنى لم يعد محرماً منذ أن انطلقت مظاهرات نادرة وعابرة للطوائف في بيروت للمطالبة برحيل الطبقة السياسية الأسبوع الماضي.
واقتحم أكاديميون ومحتجون المبنى خلال الاحتجاجات، وشاهدوه عن قرب للمرة الأولى، أسوةً بمعالم أخرى في المدينة.
وقال بشار الحلبي، باحث في الجامعة الأمريكية في بيروت ألقى محاضرة الجمعة في المبنى: "أسكن على بعد 200 متر من البيضة، وهذه المرة الأولى التي أدخل فيها إليه".
وأضاف: "في داخله تاريخ بيروت، وخارجه في الشوارع حاضر العاصمة ومستقبلها".
احتلال الصرح
بعد ظهر الخميس، اقتحم أكثر من 100 شخص معظمهم من الطلاب مبنى البيضة الفارغ من الداخل، فيما كان الخبير الاقتصادي والوزير السابق شبل نحاس يلقي محاضرة حول "الرأسمالية في أزمة"، والمطر ينهمر بغزارة في الخارج.
وقال نحاس الأستاذ في الجامعة الأمريكية في بيروت لحشد من الطلاب إن "هذه المساحة هنا أكثر أهمية من أي جامعة"، وحوله جدران أتلفها رصاص الحرب وتلونت بشعارات "الثورة" الداعية لـ"إسقاط النظام".
وعلى بعد أقل من 100 متر، دخل متظاهرون أيضاً مسرحاً سُيج منذ نهاية الحرب في وسط المدينة، لكن أعيد إغلاقه من جديد لمخاوف متعلقة بالسلامة.
فرحين ومبهرين بهندسته الداخلية المذهلة، أخرج المحتجون رؤوسهم من نوافذ المبنى، وألقى بعضهم نظرة على سطحه.
وأجرى جميل معوض جولة مع طلابه داخل العمارة التي عرفت باسم "المسرح الكبير لألف ليلة وليلة" باللغة الفرنسية، قبل دقائق من إغلاق مدخلها بسواتر خشبية، ووصف لحظات التجول في المبنى قبل إغلاقه بأنها "قوية وسياسية".
قريباً في خيمة قبالة جامع محمد الأمين في ساحة الشهداء، كانت يمنى فواز، أستاذة الدراسات المُدُنية بالجامعة الأمريكية في بيروت تدير نقاشاً بين طلابها ومتظاهرين آخرين.
وقالت "فواز": "المدينة التي تحولت إليها بيروت خالية من الأماكن العامة، نحن محصورون ضمن أبواب الجامعة"، مضيفة: "حان الوقت لنستعيد تلك الأماكن".