«يونيتاد» تنهي أعمالها بالعراق قبل استكمال تحقيقات «جرائم داعش»
اضطرت بعثة للأمم المتحدة تشكلت لمساعدة العراق على التحقيق في اتهامات لتنظيم داعش الإرهابي بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب إلى إنهاء عملها مبكرا قبل استكمال التحقيقات بعد توتر علاقتها مع بغداد.
ويأتي إلغاء عمل البعثة، التي شُكلت في عام 2017، بعد ما يقرب من عشر سنوات على اجتياح التنظيم الإرهابي أرجاء سوريا والعراق، وفي الوقت الذي لا يزال فيه العديد من ضحايا التنظيم نازحين في المخيمات ويتوقون إلى العدالة.
وقال كريستيان ريتشر رئيس فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب داعش (يونيتاد) لرويترز في مقابلة "هل تم إنجاز العمل؟ ليس بعد، وهذا واضح تماما".
وأضاف: "نحتاج إلى مزيد من الوقت.. وإذا حددنا موعدا نهائيا في سبتمبر/أيلول 2024، فلن نكون قد أكملنا سير التحقيقات" ولا مشروعات أخرى مثل عمل أرشيف مركزي لملايين الأدلة.
وتحدث ريتشر بإسهاب عن إنهاء عمل البعثة لأول مرة منذ أن جدد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول التفويض لمدة عام واحد فقط بناء على طلب العراق.
وكان الداعمون والمانحون الدوليون ليونيتاد يتوقعون استمرار عمل فريق التحقيق لعدة سنوات أخرى.
ويقول منتقدو قرار العراق بإنهاء عمل البعثة إن "ذلك سيعوق الجهود الرامية إلى محاسبة المزيد من أعضاء تنظيم داعش بعد أن ساهم فريق يونيتاد في الوصول إلى ثلاث إدانات على الأقل بتهم ارتكاب إبادة جماعية وجرائم دولية أخرى في ألمانيا والبرتغال".
وأضافوا أيضا أن "ذلك يلقي بظلال من الشك على مدى التزام العراق بمحاسبة أعضاء التنظيم على مثل هذه الجرائم في الداخل، في وقت أصبحت فيه الغالبية العظمى من الإدانات في العراق تتعلق فقط بتهمة الانضمام إلى منظمة إرهابية وليس بارتكاب جرائم محددة مثل الاعتداء الجنسي أو الاستعباد".
فيما اعتبر فرهاد علاء الدين مستشار رئيس الوزراء للعلاقات الخارجية لرويترز أنه لم تعد هناك حاجة لفريق التحقيق من وجهة نظر بغداد، وإنه لم يتعاون بنجاح مع السلطات العراقية.
وأضاف: "من وجهة نظرنا، انتهت مهمة البعثة ونقدر ما أنجزته من عمل، وحان وقت المضي قدما"، وأوضح أن البعثة "لم ترد على طلبات متكررة لمشاركة الأدلة" ويتعين عليها القيام بذلك الآن قبل إنهاء عملها.
"مسيس للغاية"
وقال ريتشر إن "يونيتاد تشكلت لمساعدة العراق على محاسبة أعضاء تنظيم داعش على الجرائم الدولية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لكن العراق لم يصدر تشريعا يسمح بحدوث ذلك داخل البلاد مما يترك فريق التحقيق في حالة ترقب".
وذكرت ستة مصادر مطلعة على عمل البعثة أنه بالإضافة إلى ذلك فإن فريق التحقيق متردد في مشاركة الأدلة التي جمعها مع السلطات العراقية بسبب استخدامها لعقوبة الإعدام التي تتعارض مع سياسة الأمم المتحدة.
وأضاف ريتشر أنه "كان من الممكن تقديم ضمانات وتأكيدات بشأن عقوبة الإعدام، لكن لم يتم مناقشة ذلك الأمر بعد مع السلطات العراقية لأن النقاش الأساسي كان يدور حول الحاجة إلى تشريع يتعلق بالجرائم الدولية".
ووضعت هذه العوامل فريق التحقيق في الموقف صعب لجمع الأدلة، التي تشمل شهادات مئات الشهود في العراق، والتي استخدمها بشكل أساسي في العمليات القانونية بالخارج في تفاوت استمر لسنوات.
وتحدثت رويترز مع تسعة دبلوماسيين ومسؤولين دوليين وأربعة مصادر عراقية لجمع هذه الروايات عن كيفية عرقلة مهمة يونيتاد وما قد يترتب على ذلك من عواقب على جهود المساءلة.
وبصرف النظر عن التفاوت بين أهداف المهمة وتوقعات العراق، قال ستة أشخاص إن يونيتاد في عهد ريتشر، وهو مدع عام ألماني مخضرم، لم تستثمر سياسة التعامل مع السلطات العراقية بالشكل الصحيح مما أضر بالعلاقة بينهما.
وقال دبلوماسي دولي كبير إن "عقوبة الإعدام كانت دائما مشكلة رئيسية مع يونيتاد. كانت مهمتها بعيدة المنال لكن كثيرين كانوا يأملون في نجاحها"، مشيرا إلى التفاوت بين الأهداف والتوقعات.
وقال "بالإضافة إلى ذلك، لم يكن لدى القيادة الحالية المهارات السياسية اللازمة للتواصل. وهذا لا يسري هنا في العراق. كل شيء مسيس للغاية هنا".
وردا على هذه التعليقات، قال متحدث باسم يونيتاد إن "الأمر كان واضحا تماما للبعثة من البداية بأنها موجودة بناء على طلب العراق، وكانت مقتنعة دائما بأن القضاء العراقي هو شريكها الرئيسي".
وأشار المتحدث إلى "قيام يونيتاد بعمل ملفات دعاوى مشتركة مع السلطة القضائية العراقية لإجراء محاكمات في الخارج، بالإضافة إلى بناء قدرات القضاة والتعاون في استخراج الجثث من 70 مقبرة جماعية وتكريم ضحايا التنظيم المتشدد بدفنهم".
* فقدان الأمل
بالنسبة للعديد من ضحايا تنظيم داعش الذين لا يثقون في الحكومة العراقية ويرون في وجود يونيتاد علامة مطمئنة على دعم المجتمع الدولي لهم، فإن إنهاء عمل البعثة بمثابة ضربة لهم.
ومن بين هؤلاء الضحايا أفراد من الطائفة الإيزيدية، وهي أقلية دينية في العراق تعرضت لعمليات قتل جماعي وعنف جنسي واستعباد.
وقالت زينة، وهي إيزيدية استعبدها التنظيم في عمر السادسة عشرة واحتجزها لمدة ثلاث سنوات "من الصعب جدا رؤيتهم يتركوننا هكذا في منتصف الطريق".
وتحدثت عبر الهاتف من مخيم للنازحين بالقرب من موطنها سنجار في شمال غرب العراق، والذي لا تستطيع العودة إليه وسط مخاوف بشأن الأمن ونقص تعويضات الحكومة.
وطلبت من رويترز عدم نشر اسمها بالكامل بسبب حساسية الموضوع.
وكشفت أنها "تعرضت للاعتداء الجسدي والجنسي أثناء احتجازها"، وقالت إن "العدالة الحقيقية تتطلب محاكمة الأسرة التي استعبدتها على هذه الجرائم بدلا من إدانتها بمجرد الانضمام إلى جماعة إرهابية".
وأضافت "أردنا أن يمنحنا يونيتاد الفرصة لتحقيق ولو القليل من العدالة في العراق، لكن، كما أرى، خذلنا العالم"، في إشارة إلى قرب إنهاء عمل فريق التحقيق.
وقال علاء الدين إن الحكومة تحترم انتقادات المواطنين وتدعم الأقليات في العراق أكثر من الإدارات السابقة.
وعبر ريتشر عن تفهمه لمخاوف الضحايا لكنه "لا يتفق مع الافتراضات السلبية جدا بشأن القضاء العراقي".
ومع انتهاء عمل البعثة بحلول منتصف سبتمبر/أيلول، هناك قضية ملحة يجري التفاوض عليها الآن بين العراق والمنظمة الدولية وهي مصير الأدلة التي جمعها فريق التحقيق.
ويشعر بعض الدبلوماسيين والنشطاء والضحايا من ناحية بالقلق من احتمال إساءة استخدام العراق للأدلة بطرق تشمل إجراء محاكمات بقليل من الإجراءات القانونية تنتهي بإصدار أحكام بالإعدام. ومن ناحية أخرى، قد تكون أدلة كثيرة حاسمة في محاسبة أعضاء تنظيم داعش على جرائم دولية محددة.
وقال ريتشر "كان هدفنا إنهاء العمل بشكل سليم. نريد أن نضمن أن هذا العمل لن يضيع أو أنه سينتقل ببساطة إلى أرشيف مهجور في مكان ما بالطابق السفلي لمبنى الأمم المتحدة"، وذلك رغم أن الأمر لم يتضح بعد.
aXA6IDE4LjIyMS45My4xNjcg جزيرة ام اند امز