مكافحة التمرد.. تحذير لأمريكا من فقدان "الوصفة" العراقية
رأت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية أن على الولايات المتحدة الاستمرار في الاستفادة من مناهج مكافحة التمرد في العراق لمزيد من الاستفادة.
وعندما غزت الولايات المتحدة العراق قبل عشرين عاما توقع الرئيس الأمريكي جورج بوش ووزير دفاعه رامسفيلد حربا قصيرة تنتهي بمجرد طرد القوات الأمريكية للديكتاتور العراقي صدام حسين، لكن تلك الافتراضات الخاطئة والأخطاء التي أعقبت الإطاحة بصدام، وعدم قدرة القوات التي شاركت في الغزو على تأمين البلاد، كانت سببا في انتشار تمرد عنيف ثبت أنه من الصعب هزيمته.
بعد الغزو، وجد الجيش الأمريكي نفسه متورطا في حرب أشبه بحربه في فيتنام في الستينيات والسبعينيات. فبعد عدة عقود من تلك الحرب تناست القوات الأمريكية الكثير من الدروس المستفادة في فيتنام، التي أتت بتكلفة باهظة. بعد انسحاب الولايات المتحدة من فيتنام عام 1973، حول الجيش الأمريكي تركيزه إلى التهديد السوفياتي، وتوقف عن تعليم قواته كيفية محاربة التمرد، وبدأت تلك القدرات في الضمور، نتيجة لذلك استغرق الأمر من الجيش الأمريكي عدة سنوات للتوصل إلى أفضل طريقة للقتال في العراق.
الأفكار الكبيرة
خلال حرب فيتنام، قاتل الجيش الأمريكي كلا من الوحدات الفيتنامية الشمالية العادية ومقاتلي الفيتكونغ. وبحلول الوقت الذي انسحبت فيه القوات الأمريكية من الصراع، كانت قد تعلمت الكثير عن حرب مكافحة التمرد وعمليات الاستقرار وبناء الدولة، وخلال السنوات اللاحقة بدأت الخبرة التي اكتسبها الجيش في التلاشي مع تركيز القوات المسلحة بدلاً من ذلك إلى التحضير للقتال المكثف ضد قوات حلف وارسو في أوروبا.
وأدى انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991 إلى تبني بعض صانعي السياسة الأمريكية استخدام القوات المسلحة لحالات الطوارئ على نطاق صغير، وعمليات حفظ السلام.
وبعد غزو أفغانستان والعراق لفترة وجيزة تبين أن واضعي السياسة كانوا محقين. فقد تم تغيير النظام بسرعة وإهدار الدم والأموال في كلا البلدين، ولم يكن هناك تفكير بشأن الخطوات التالية، وتحول الاحتلال إلى شؤون بناء الدولة الفوضوية التي لم يكن الجيش الأمريكي وسلاح مشاة البحرية مستعدين لها.
وكان تدمير القوات المسلحة العراقية وطالبان أسهل بكثير من تنصيب حكومات جديدة وتحقيق الاستقرار في البلدان التي عانت من سنوات من سوء الحكم، ومع تعثر الجيش الأمريكي اندلعت حركات تمرد شرسة، بدعم من الدول المجاورة بأجندات تتعارض مع المصالح الأمريكية.
التعلم بالممارسة
تعثرت العمليات في العراق لعدة سنوات، عندما بدأ القادة العسكريون في التعامل مع نوع الحرب التي كان عليهم خوضها، وتم تشجيع القادة في البداية على شن عمليات هجومية ضد كل من الإرهابيين وبقايا نظام صدام، بغض النظر عن التكاليف التي يتحملها الشعب العراقي.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2006، نشر مركز الأسلحة المشتركة للجيش الأمريكي وقيادة تطوير القتال في مشاة البحرية بشكل مشترك كتيبا جديدا لمكافحة التمرد، ركز على حماية السكان المحليين من ترهيب المتمردين وعنفهم كمفتاح للنجاح.
بمساعدة الصحوة السنية، وهي ثورة قبلية مدعومة من الولايات المتحدة ضد القاعدة في محافظة الأنبار، نجحت زيادة القوات في تجاوز كل التوقعات، وغيرت الولايات المتحدة هدفها من إنشاء ديمقراطية جيفرسون إلى هدف أكثر قابلية للإدارة وهو "الاستقرار المستدام"، وتوفير بيئة آمنة في العراق من شأنها أن تخلق الظروف للديمقراطية على المدى الطويل، وحولت القوات الأمريكية تركيزها إلى القيام بعمليات مكافحة التمرد التي تركز على تأمين بغداد وأحزمة الأراضي المحيطة بها وتدمير القاعدة في العراق.
عند هذه النقطة، تعلمت القوات الأمريكية، بعد تلقي عدد من الضربات تكتيكات وتقنيات وإجراءات جديدة لمكافحة التمرد في نهاية القتال الحاد، كما تضخمت قوات الأمن العراقية أيضا لتصل إلى أكثر من 350 ألف جندي وضابط شرطة، مع وجود مستشارين أمريكيين الآن في معظم التشكيلات، وتقدم أكثر من مائة ألف عراقي للانضمام إلى قوات الجيش والشرطة لحماية مجتمعاتهم من أعمال النهب التي يمارسها الإرهابيون والمتمردون والمليشيات الشيعية على حد سواء.
في صيف عام 2008، انخفضت الحوادث الأمنية في العراق بأكثر من 90 بالمائة عن مستويات ما قبل الزيادة، ومكّن هذا الهدوء النسبي من إجراء انتخابات ناجحة في عامي 2009 و2010، في ذلك الوقت لم يتمكن رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي وإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما من الاتفاق على تجديد الاتفاقية التي تحكم سلوك القوات الأمريكية في العراق، والتي أدت إلى انسحاب القوات الأمريكية في نهاية عام 2011، وبدون وصاية المستشارين الأمريكيين بدأت قوات الأمن العراقية تتدهور عندما أقال المالكي القادة الأكفاء وسمح للفساد بإفراغ الجيش.
وبعد هجوم داعش في العراق عام 2014 عادت القوات الأمريكية هذه المرة في دور داعم للجيش العراقي وقوات سوريا الديمقراطية، ونجحت المعركة بالوكالة ضد داعش بشكل جيد، وبدعم من القوة الجوية القوية تعاونت أعداد محدودة من القوات الخاصة الأمريكية والقوات البرية والمستشارين مع القوات العراقية وقوات سوريا الديمقراطية لسحق داعش.
دروس لا تنسى
لا تنتهي الصراعات بتدمير قوات العدو، وخلال سنوات التجربة والخطأ في العراق اكتشف الجيش الأمريكي طرقا لتأمين السكان المحليين والسيطرة عليهم، وإجراء عمليات دقيقة لمكافحة الإرهاب، وإنشاء قوات أمن محلية فعالة، وجمع المعلومات الاستخبارية، ومنع انتشار المعلومات المضللة، وإشراك الدول المجاورة للقضاء على ملاذات المتمردين واستقرار الاقتصاد المحلي وإنشاء حكومات فعالة، ما يسمى بعمليات بناء الدولة.
ومع ظهور الحرب العالمية على الإرهاب الآن، لم يعد الجيش الأمريكي يدرب بشكل صارم جنوده وضباطه في محاكمة حرب مكافحة التمرد، أغلق الجيش الأمريكي الآن مركز مكافحة التمرد، وقلص عدد الساعات المخصصة للتدريب على مكافحة التمرد في المؤسسات العسكرية المهنية، وأوقف التدريب على مكافحة التمرد في مراكز التدريب القتالي.
لم يكن الجيش الأمريكي مخطئا في التركيز اليوم على الصراعات المحتملة مع الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا، أخطر أعداء الولايات المتحدة، لكن لا ينبغي للقادة العسكريين الأمريكيين تجاهل السيناريو المحتمل بنفس القدر الذي سيحتاجون إليه لخوض معارك صغيرة النطاق ضد المنظمات الغامضة، إذا تم تعليم الضباط وكبار ضباط الصف من أجل سلسلة كاملة من التهديدات التي قد تواجهها البلاد في السنوات المقبلة، بما في ذلك حرب مكافحة التمرد، يمكن للجنود الذين يقودونهم التكيف بسرعة مع المواقف على الأرض.
إن الحفاظ على مناهج مكافحة التمرد والحرب الصغيرة في دورات القيادة والأركان العامة وكليات الحرب هو ثمن ضئيل يجب دفعه لمنع حدوث صدمة فجة في المستقبل، لكنها ستكون مأساة إذا قرر كبار القادة العسكريين الأمريكيين، مثل نظرائهم في أواخر الحرب الباردة في سنوات ما بعد فيتنام، التخلي عن الدروس المستفادة بالطريقة الصعبة في العراق بافتراض أن الولايات المتحدة لن تخوض أبدا هذا النوع من الحرب مرة أخرى، لكن التاريخ العسكري للولايات المتحدة يشير إلى خلاف ذلك.
aXA6IDMuMTQ1LjM5LjE3NiA= جزيرة ام اند امز