هل عاد الإرهاب إلى موريتانيا؟
هزت عملية فرار دراماتيكي لسجناء إرهابيين موريتانيا، البلد الذي ظل بمنأى عن الإرهاب أكثر من عقد من الزمن؛ حيث كلف الهروب ثلاثة قتلى وجريحين في صفوف القوات المسلحة.
وبعد أسبوع من المطاردة تمكنت تشكيلات مسلحة في القوات الموريتانية من وضع حدّ لعملية الفرار بالقضاء على ثلاثة من الهاربين واعتقال الرابع، في عملية أمنية معقدة شمال موريتانيا، أنهت سبعة أيام من الترقب والذعر، واضطرت معها السلطات إلى قطع الإنترنت عبر شبكة الجوال لمحاصرة العناصر المتشددة.
وكان الهاربون الأربعة قتلوا عنصرين من الحرس الوطني وسقط مثلهما جرحى، بينما قتل جندي ثالث أثناء الاشتباكات مع الإرهابيين شمال البلاد.
وبعد سنوات من الهدوء بعد آخر عملية إرهابية في موريتانيا عام 2011، نُظر إلى موريتانيا التي تقع على مقربة من شمال مالي حيث معاقل الإرهاب، كإحدى دول الساحل الوحيدة التي ظلت خالية من الإرهاب، وهو أمر أرجعته الحكومة دائما إلى المقاربة الأمنية، التي تتبع حماية الحدود، والحوار مع المتشددين، لإرجاعهم إلى جادة الصواب.
لكن هذه العملية الجريئة، وتفاصيل تدبير الهروب من سجن في وسط العاصمة، أعادت إلى أذهان المراقبين سؤالا: هل عاد الإرهاب إلى موريتانيا؟.
فما إن أعلن هروب السجناء الأربعة من السجن المركزي بنواكشوط، حتى بدأت العواصم الغربية في تحذير رعاياها من خطر داهم، لكن السلطات الموريتانية طمأنت البعثات الدبلوماسية بأن الأمر تحت السيطرة، ولا داعي للقلق، ودعتها لإعادة فتح المدارس الأجنبية بالبلاد، والعودة للنشاط الطبيعي.
تهديد وهدوء
وكانت بريطانيا أول المحذرين من عودة الإرهاب إلى موريتانيا، وأشارت إلى أن هذا البلد يمكن أن يكون عٌرضة لهجمات عشوائية بما في ذلك في الأماكن التي يزورها الأجانب، والمناطق المزدحمة والمنشآت الحكومية وشبكات النقل والشركات ذات المصالح الغربية والمناطق التي يتجمع فيها الرعايا الأجانب والسياح.
ودعت لندن رعاياها في موريتانيا إلى اليقظة في جميع الأوقات واتباع أي نصيحة محددة من السلطات الأمنية المحلية، مشيرة إلى سهولة اختراق الحدود في منطقة الساحل - التي تعد موريتانيا جزءًا منها - وقدرة الجماعات الإرهابية على العمل عبر الحدود وتنفيذ هجمات في أي مكان بالمنطقة، مع وجود تهديد بالاختطاف من قبل الجماعات المنتسبة للقاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية الأخرى.
وتقول "Gray Dynamics" وهي شركة استخبارات خاصة مقرها لندن، إن موقع موريتانيا يجعلها عرضة للتهديدات الأمنية في المنطقة، لكنها ترجح أن يستمر هذا البلد في تجربة الاستقرار السياسي في الأشهر الـ 12 المقبلة.
وفي الأشهر المقبلة تنتظر موريتانيا استحقاقات انتخابية في 13 مايو/ أيار لاختيار أعضاء المجالس البلدية والجهوية، وينتظر أن يحدد نفس الموعد لانتخاب أعضاء البرلمان، قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2024.
المقاربة الأمنية لمحاربة الإرهاب
قبل أسبوع من الآن كانت موريتانيا هادئة، ولم يكن الحديث يجري سوى عن إنتاج كميات كبيرة من الغاز المكتشف حديثا، وكان سؤال الإرهاب غير وارد؛ صحيح أن عشرات من المتشددين المدانين بجرائم إرهابية، وعمليات قتل وخطف ضد أجانب يقبعون في السجون، لكن المقاربة الأمنية الموريتانية آخذة في التألق، وهي موضع فخر لدى السلطات هناك.
ففي نفس الأسبوع الذي هرب فيه السجناء الإرهابيون، كان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، يتحدث لشبكة "بي بي سي" البريطانية، عن نجاح المقاربة الأمنية الموريتانية، وأن بلاده قامت باللازم في محاربة الإرهاب وأعطت الأولوية للأمن، في إجابة على سؤال لماذا ظلت موريتانيا بمنأى عن الإرهاب وهي في قلب دول الساحل التي تعاني الظاهرة.
يقول الغزواني إن الجيش والأجهزة الأمنية المختلفة تولت مسؤولياتها من جانب، فيما تولى أئمة وعلماء جانب التوعية ضد الإرهاب، عبر الحوار مع السجناء لإعادتهم إلى جانب الصواب عبر تصحيح المفاهيم المغلوطة، وهذان جناحا المقاربة الأمنية لمكافحة الإرهاب في موريتانيا؛ ضبط الأمن وفتح الحوار.
وقال الغزواني على وجه الخصوص: "هدفنا هو إرسال رسائل إلى هؤلاء الإرهابيين لثنيهم عن القدوم إلى بلدنا وأعتقد أنهم فهموا ذلك" ، قبل أن يضيف "أعتقد أنه إذا كانت الدول الأخرى لديها نفس التصميم في الحرب ضد الإرهاب ستكون في وضع أفضل ..هؤلاء الإرهابيون أقل عددًا من حيث الرجال والمعدات، لكنهم مصممون جدًا وعدوانيون جدًا ، وبالتالي، يجب أن نكون على نفس المستوى حتى لا نخسر المعركة".
ثقة الرئيس الموريتاني في حديثه عن نجاح التجربة الموريتانية، جعلت البعض يربط بينها وبين عملية الهروب المثيرة التي أعادت الحديث في موريتانيا عن خطر الإرهاب.
خيوط عملية الهروب
في الأيام القادمة ومع تعميق التحقيق في عملية الإرهاب خاصة مع الناجي الوحيد من العناصر الهاربة، ستتكشف خيوط لعبة الإرهابيين، وتسقط خلايا ناعمة قدمت يد العون للمجموعة الخطرة، وقد كشف مسؤول أمني موريتاني أن الخطة التي وضعها رئيس المجموعة "بالغة الخطورة ومنظمة بشكل جيد للغاية ومخطط لها لفترة طويلة".
وتتحدث تقارير محلية ومصادر أمنية عن حوالي ثلاثة أشهر من التخطيط، ووجود سيارة رباعية الدفع جاهزة منذ فترة لانتظار ساعة الصفر، فضلا عن تهريب أسلحة عبر ثلاجة إلى داخل السجن، مكنت الإرهابيين من الفرار، وقد عٌثر بحوزتهم على مبالغ نقدية كبيرة، وكانوا يخططون لنقطة النهاية في شمال مالي؛ حيث معاقل الإرهابيين.
وتبدو المعلومات حتى الآن شحيحة حول الأطراف التي ساعدت الإرهابيين على الهروب، لكن الأمن الموريتاني وجد شبكة واسعة من العناصر الأمنية والمدنيين شاركت في تسهيل عملية الهروب، قد تفتح العيون على ثغرات أمنية كبرى، وتقود إلى خلايا إرهابية نائمة في العاصمة نواكشوط وخارجها.
لكن هل تتدارك السلطات الموريتانية الهفوات الأمنية التي أدت إلى هروب السجناء الإرهابيين وتفادي عمليات مماثلة، أم أن الإرهاب يعود إلى موريتانيا تدريجيا، وقد فات أوان ملاحقته. المرجح -وفق مراقبين- أن هروب السجناء الأربعة واثنين منهم محكوم عليهما بالإعدام، مقدمة لمراجعة خطة تأمين السجون، والتعامل الحازم من المًدانين، في بلد لم يطبق عقوبة الإعدام رغم وجودها في القانون الجنائي وقانون الإرهاب، منذ 1987.