تأسست وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) مباشرة بعد حرب 1948، بمعنى أنها أول جهة أممية رسمية تقدم الرعاية للفلسطينيين في مخيمات اللجوء في لبنان والأردن وسوريا والضفة الغربية والقدس لمدة 74 عاماً.
وبحسب القانون الدولي يفترض ألا تتوقف خدمات الأونروا للاجئين حتى يعودوا إلى أوطانهم، بغض النظر إن كانت أوطانهم الأصلية في غزة أو الضفة أو حتى إسرائيل الحالية.
لذلك، من غير المقبول أن تحاول حكومة نتنياهو إيقاف تمويل الأونروا في ظل وضعية إنسانية كارثية في قطاع غزة، بذريعة اتهامات أن 12 من موظفي الوكالة شاركوا في هجوم "طوفان الأقصى"، دون التحقق من الادعاءات أو إعطاء الوكالة الفرصة لاتخاذ إجراءات داخلية للتحقق مع كشف النتائج بشفافية، دون المساس بدور الوكالة الرئيسي الإنساني.
ولكم تخيل كيف سيكون حال الشعب الفلسطيني في المخيمات طوال العقود الماضية لولا جهود الأونروا، وإيقافها يعني بشكل مباشر إلغاء الاعتراف الدولي بحق اللاجئين للعودة.
إسرائيل تعتبر الأونروا أحد أسباب صمود المجتمع الفلسطيني لعقود، لما قدمته الوكالة من خدمات ومساعدات غذائية ومستلزمات المدارس وغيرها من متطلبات الحياة المعيشية، والأونروا أمر واقع كنتيجة لوضع إنساني خاطئ، فتهجير الشعوب من أوطانها لم يعد مقبولاً في القرن الحادي والعشرين، والعالم يتابع اليوم ما تبقى من هذه المخيمات التي أصبحت عالة على الدول التي تستضيفها، فقوانين الدول لا تسري عليها، وتحاول الدول حماية مواطنيها مما يجري داخل المخيمات من نفوذ المليشيات المسلحة والمتكسبة على حساب الأبرياء داخل المخيم.
ولهذا، لا يمكن إسقاط حق العودة، فهذه الشعوب التي تعيش بداخل المخيمات لن تبقى بداخلها للأبد، ولا بد أن تتضمن جهود السلام المستقبلية ملف اللاجئين.
ساندت بعض الدول المانحة إسرائيل في مسألة إيقاف التمويل للأونروا، رغم أن معاقبة الوكالة دون إيجاد حلول بديلة أو حتى تطوير الخدمات الحالية سيتسبب في مأساة إنسانية جديدة في ظل الظروف الكارثية القائمة، فقطع التمويل لن يصنع شيئا مجديا، غير تعميق الأوضاع الإنسانية، ولنفترض جدلاً أن اتهامات إسرائيل صحيحة، فهذا مرتبط بشريحة صغيرة من العاملين، ولا يعني معاقبة الوكالة بأكملها، فما بالكم إن كانت الادعاءات غير دقيقة أو مبالغ بها.
ظهرت دبلوماسية الإمارات السياسية والإنسانية في الأوقات الصعبة، حين اتخذت موقفا مغايرا للدول التي علقت أو أوقفت تمويلها لوكالة الأونروا، من منطلق حرصها على عدم اتخاذ خطوات متسرعة وغير مدروسة قد تضاعف حجم المعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني الذي يعيش أحداثا مأساوية كارثية على إثر حرب غزة، والفلسطينيون في أمس الحاجة الملحة لتكثيف المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة وليس تقييدها أو وقفها.
وجاء التحرك الإماراتي على شكل تثمين موقف الأمم المتحدة والأونروا العاجل للتحقيق في المزاعم، كما طالبت الإمارات الدول المانحة بإعادة النظر في موقفها تجاه تعليق تمويل الوكالة، وأعلن وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان عن تخصيص 5 ملايين دولار لدعم جهود سيغريد كاج كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة.
وبموقفها المشرف فالإمارات تؤكد أهمية عدم تسييس ملف المساعدات الإنسانية، والتركيز على جهود إيصال المساعدات واستدامتها.
لقد كانت التحركات الإماراتية واضحة في رفضها سياسة العقاب الجماعي، بذريعة أخطاء لو صحت قد تكون فردية، مع الحرص الشديد على تحقيق الاستدامة لكل ما من شأنه أن يدعم جهود إغاثة الشعب الفلسطيني على مختلف الأصعدة، لمواجهة الظروف الحرجة التي يعيشها الفلسطينيون، ما قد يشكل موقفا إقليميا تقوده دبلوماسية الإمارات عبر تنسيق المواقف العربية والخليجية وتبادل الرؤى مع مفوضية الاتحاد الأوروبي، والتي يبدو أنها تسير في نفس التوجه الضاغط بإعادة التمويل الكامل لوكالة الأونروا إلى وضعه السابق.
فتوقف التمويل يعني توقف رواتب الآلاف من موظفي الوكالة، وانقطاع الخدمات والمساعدات عن المخيمات الفلسطينية، في توقيت الشعب الفلسطيني بأشد الحاجة إلى المساعدات الإغاثية، وهو بالتأكيد ليس الخيار الأمثل أو التوقيت المناسب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة