COP28 على موعد مع اتفاق تاريخي في المناخ بين الولايات المتحدة والصين
توصلت الولايات المتحدة والصين إلى تفاهمات بشأن المناخ قبل محادثات COP28، مما يؤكد أن القمة التي تستضيفها دولة الإمارات على موعد مع نتائج تاريخية لم تتحقق من قبل.
وقال المبعوث الأمريكي للمناخ جون كيري يوم الجمعة إن الولايات المتحدة والصين توصلتا إلى "تفاهمات واتفاقات" بشأن قضايا المناخ، من شأنها أن تساعد في ضمان إحراز تقدم في محادثات مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (COP28) التي تبدأ أواخر الشهر الجاري في مدينة إكسبو دبي.
والتقى كيري مع نظيره الصيني شيه تشن هوا في سانيلاندز بولاية كاليفورنيا هذا الأسبوع في محادثات استمرت 4أيام وصفها بأنها صعبة وجادة.
وقال كيري في منتدى بلومبرغ للاقتصاد الجديد في سنغافورة: "مررنا ببعض اللحظات الصعبة، كما هو الحال في أي مفاوضات، حيث اعتقدنا أن الأمر برمته سيفشل".
وأضاف: "لكن توصلنا إلى بعض التفاهمات والاتفاقيات القوية للغاية التي ستساعد مؤتمر الأطراف وستمكننا أيضًا من مساعدة العالم، من خلال التركيز على المزيد من مصادر الطاقة المتجددة وأمور أخرى".
تعتبر الأرضية المشتركة بين أكبر اقتصادين في العالم وأكبر مصدرين لانبعاثات الغازات الدفيئة جزءًا مهمًا من أي توافق في الآراء في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، والذي من المتوقع أن يركز على قضايا التمويل وانتقال الطاقة.
وفق تصريحات كيري، تحاول الدولتان شق طريق واضح جدًا لـCOP28 حتى تتمكنا من التعاون والعمل معا، ومع جميع الأطراف.
وقال كيري إن تفاصيل الاتفاقيات المبرمة بين الجانبين ستعلن قريبا.
وكشف كيري عن أن أحد الاتفاقات المهمة التي تم التوصل إليها بشأن الخسائر والأضرار الناجمة عن المناخ ستسمح لأي دولة بالمساهمة في الصندوق الذي يصمم لدعم المناطق الأكثر عرضة لتأثيرات المناخ.
- شروخ بين أكبر اقتصادين في العالم.. هل تتخطى واشنطن وبكين المرحلة؟
- الإمارات تقود العالم لتفادي خسارة 10 تريليونات دولار سنويا
ذوبان الجليد بين البلدين
على هامش محادثات المناخ COP26 في غلاسكو، نهاية عام 2021، أعلنت الولايات المتحدة والصين عن اتفاقية مشتركة بشأن المناخ، مع التزم الجانبين بمناقشة إجراءات الحد من انبعاثات غاز الميثان، وهو ما عزز الآمال بشكل كبير في التوصل لتوافق كبير بين أكبر مصدرين للانبعاثات في العالم، من شأنه أن يدفع العمل المناخي خطوات للأمام.
كان من المفترض أن يبدأ المسؤولون والخبراء من كلا البلدين في التفاوض حول قضايا مثل الكهرباء النظيفة والاقتصاد الدائري والعمل المناخي، بالإضافة إلى غاز الميثان، في سبتمبر/ أيلول 2022.
لكن في أغسطس/ آب 2022، ذهبت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي في زيارة رسمية إلى تايوان، وهي دولة جزرية قبالة الساحل الشرقي للصين تعتبرها الحكومة الصينية جزءًا من البلاد.
اعتبرت بكين هذه الزيارة استفزازية وعدائية، وردت بإلغاء محادثات المناخ، وهي خطوة وصفها كيري وقتها بأنها "مخيبة للآمال ومضللة".
عقب القطيعة، انخرط المسؤولون من كلا الجانبين في مشاحنات ومعارك لفظية على مواقع التواصل الاجتماعي، بدلاً من أن يستمروا في العمل على الاتفاقية المشتركة.
بعد بضعة أشهر، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، هدأت التوترات بعد أن عقد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ونظيره الصيني، شي جين بينغ، اجتماعًا مثمرًا على هامش مجموعة العشرين في إندونيسيا، واتفقوا على العمل معًا بشأن تغير المناخ، والسماح للفرق المناخية بالتحدث رسميًا مرة أخرى أثناء تواجدهما في مؤتمر COP27 في مصر وقتذاك.
بعد ذلك الاجتماع، أعلنت الولايات المتحدة أن كبير مسؤوليها في الشؤون الخارجية - آنذاك - أنتوني بلينكن سيزور الصين لاستمرار المفاوضات.
ألغيت الزيارة عندما أسقط الجيش الأمريكي منطادًا صينيًا في المجال الجوي الأمريكي في فبراير/شباط الماضي، ثم اتفق الطرفان على إجرائها في يونيو/حزيران الماضي، وهو ما حدث بالفعل، وكانت الزيارة سببًا في تمهيد الطريق لأول زيارة لكيري إلى الصين، يوليو/ تموز الماضي، منذ إلغاء المحادثات، وهي الزيادة التي انتهت بلا نتائج تذكر.
على ماذا تتفاوض واشنطن وبكين؟
تريد الولايات المتحدة من الصين دمج قطاع الطاقة المتجددة المزدهر في بكين في شبكة الكهرباء التي يهيمن عليها الفحم، بجانب معالجة انبعاثات الميثان.
تسلط الولايات المتحدة الضوء بشكل مستمر على تحديات تلوث الفحم والميثان، كأولويات للعمل المناخي المشترك بين البلدين.
قال كيري إن نمو قطاع الطاقة المتجددة في الصين يستحق الإشادة، لكنه انتقد احتفاظ الصين بعدد أكبر مما تحتاجه من محطات توليد الطاقة بالفحم، وهو أسوأ أنواع الوقود الأحفوري، الذي تفاقم انبعاثاته أزمة المناخ.
لذا تناقش الولايات المتحدة مع الصين توسيع ودمج الطاقة المتجددة في قطاع الطاقة الصيني من أجل التمكن من تقليل انبعاثات الفحم.
تعمل الصين على تطوير مصادر الطاقة المتجددة بالبلاد بشكل سريع، أشاد به العديد من المراقبين والخبراء خلال السنوات الأخيرة.
ستقوم الصين، هذا العام، بتركيب محطات طاقة شمسية أكثر مما ركّبت الولايات المتحدة في تاريخها.
لكن حصة الكهرباء التي توفرها محطات الطاقة المتجددة في الصين تنمو بشكل بطيء، بسبب البيروقراطية، ما يجعل اعتماد البلاد أكبر على الكهرباء الناتجة عن محطات الفحم.
دفعت الحرب في أوكرانيا وما أعقبها من توقف لإمدادات الطاقة الروسية إلى أوروبا، إلى زيادة اعتماد الصين على الفحم باعتباره جوهر أمن الطاقة لديها، وعملت بكين على زيادة مناجم الفحم وبناء المزيد من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، خلال العامين الماضيين.
تعد مناجم ومحطات الفحم، وكلاهما موجود بكثافة في الصين، مصدرًا رئيسيًا للميثان، وهو غاز أقوى بنسبة 20 إلى 80 مرة من ثاني أكسيد الكربون، في تأثيراته بالغلاف الجوي، التي ينتج عنها تفاقم الاحتباس الحراري وأزمة المناخ.
بدأ التركيز العالمي على غاز الميثان يأخذ منحى جديدا بعد تحذير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من أكبر قفزة سنوية في مستويات تركيز الغاز في 2021، منذ بدء توثيق سجلات الغازات الدفيئة قبل ما يقرب من 40 عاماً.
لذا أعطت الولايات المتحدة أولوية قصوى لإجراءات معالجة الميثان، منذ عودتها لاتفاقية باريس في عهد جو بايدن، بعدما انسحبت منها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
في Cop26 بغلاسكو، قادت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعهدًا عالميًا لخفض انبعاثات الميثان بنسبة 30%، عن مستويات 2020، بحلول عام 2030، وانضمت 119 دولة وتكتلاً للتعهد، بينما رفضت الصين الانضمام.
بدلًا من ذلك، قالت الصين إن حكومتها تعمل منذ فترة طويلة على صياغة استراتيجية خاصة بها لخفض غاز الميثان، لم تصدر حتى الآن.
رفضت بكين الالتزام بهدف ملموس لخفض استخدام الوقود الأحفوري في الوقت الذي تحاول فيه ضمان أمن الطاقة والنمو الاقتصادي.
قال المبعوث الصيني شيه للدبلوماسيين في سبتمبر/أيلول إن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري أمر "غير واقعي" في حين أن التكنولوجيات الرئيسة مثل تخزين الطاقة لا تزال غير ناضجة.
ووفق ما أكده كيري أكثر من مرة، يعتبر برنامج الفحم الصيني أصعب قضية خلال الحوار الثنائي بين البلدين.
لكن عقب الاجتماع الأخير، سُئل كيري عما إذا كان يتوقع أي تقدم في المباحثات بشأن الفحم من الصين قال: "انتظروا وسترون".
الحظر الأمريكي على اللوحات الصينية
تتمثل الأولوية بالنسبة للجانب الصيني خلال هذه المفاوضات في دفع الولايات المتحدة لإلغاء الضرائب الجمركية التي فرضتها على الألواح الشمسية الصينية، في ظل الحرب الاقتصادية بين البلدين، والتي أضرت بنشر الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة.
تعد الصين أكبر منتج في العالم للخلايا والألواح الشمسية المستخدمة لتوليد الكهرباء، والمتضرر الأكبر من الرسوم الجمركية التي فرضت لأول مرة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2018، واستهدفت كل البضائع الصينية دون استثناء، خاصة تلك المطلوبة بشكل كبير في الأسواق الأمريكية.
وجهت واشنطن وقتها هجومًا حادًا لبكين، بحجة أن صناعة أجهزة الطاقة الشمسية في الصين، تعتمد بشكل كامل على الطاقة الناجمة عن حرق الفحم، مما يثير المخاوف بشأن البيئة والمناخ وأهداف الطاقة النظيفة العالمية.
نقلت الصين بعض إنتاجها إلى أماكن أخرى في آسيا لتجنب الرسوم الأمريكية، لكن لا تزال القرارات تؤثر بشكل كبير على الواردات من الشركات المملوكة لها.
كما دعت الصين الولايات المتحدة اأخذ زمام المبادرة فيما يخص خفض الانبعاثات، وذلك بالوفاء بالتزاماتها المالية في أقرب وقت ممكن.
فشلت الدول الغنية بشكل جماعي في الوفاء بوعدها بمنح البلدان النامية 100 مليار دولار سنويًا لتمويل مشاريع المناخ بحلول عام 2020، وتعتبر الولايات المتحدة هي المسؤولة إلى حد كبير عن هذا الفشل، وفق العديد من المراقبين والخبراء.
على جانب آخر، شددت الصين أكثر من مرة على أن المحادثات لا تزال رهينة للعلاقات الأوسع بين البلدين، وأن أي دفاع أمريكي رفيع المستوى عن سيادة تايوان يمكن أن يعيد المفاوضات إلى المربع الأول.
حذرت الحكومة الصينية بشكل واضح من أن التوترات بشأن تايوان قد تعوق المحادثات.
الصين وأمريكا وCOP28
اتفق الجانبان، في الاجتماع الأخير والسابق، على أن تغير المناخ أمر ملح وأنه يجب عليهما الالتزام بالهدف العالمي "بالحفاظ على متوسط درجة حرارة الأرض عند 1.5 مئوية فوق درجات حرارة ما قبل الصناعة.
قال كيري، في تصريحات سابقة، إن بكين وواشنطن اتفقتا على العمل معا لضمان نتيجة إيجابية للدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف (COP28) لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وأشار كيري إلى أن البلدين اتفقا على استمرار عملية التفاوض قبل COP28، وأن المحادثات تركز على أولويتين للولايات المتحدة، الفحم والميثان.
وقال كيري: "إذا تمكنا من تحقيق نتائج قبل مؤتمر COP28، الذي سيكون الأهم منذ قمة باريس، فستتاح لنا الفرصة لنكون قادرين على إحداث تغيير عميق في هذه القضية".
علقت لي شو، محلل السياسات البارز في منظمة السلام الأخضر في شرق آسيا، على نتائج اللقاء قائلة: "إنه من الضروري أن تتحدث أكبر قوتين مع بعضهما، هذا يعني أن هناك أملا في التوصل إلى حل عالمي بشأن هذه القضية الملحة في COP28.
وأضافت: "بالنظر إلى الظروف السياسية المحلية على كلا الجانبين، فإن التحرك أو القيادة معًا، ولو بشكل منفصل، هو السبيل الوحيد للقوتين للمضي قدمًا في جدول أعمال العمل المناخي".