أوكرانيا بعد تعليق المساعدات الأمريكية.. التداعيات والخيارات

تسعى أوكرانيا لتعزيز تحالفها مع أوروبا والبحث عن بدائل لتمويل ودعم قدراتها الدفاعية في ظل تجميد المساعدات العسكرية الأمريكية
فكيف سيؤثر قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المتعلق بوقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا، على مصير الحرب المتواصلة منذ فبراير/شباط 2022؟.
يقول أوليكسي ميلنيك، الخبير الأمني الدولي والمسؤول السابق بوزارة الدفاع الأوكرانية، لشبكة "سي إن إن" إن المساعدات العسكرية الأمريكية تمثل حاليا نحو 30% من احتياجات أوكرانيا من الأسلحة والذخيرة.
وأشار الخبير الأمني في التحليل الذي طالعته "العين الإخبارية" إلى أن الوضع في أوكرانيا سيكون أسوأ كلما تضاءلت الإمدادات الغربية.
مضيفا "مع الأخذ في الاعتبار نقص الذخيرة والأسلحة، فإن حتى 1% أمر بالغ الأهمية. ثلاثون في المائة أمر بالغ الأهمية بالتأكيد؟
وتابع "ما نسمعه من مصادر مختلفة هو أن أوكرانيا ستكون قادرة على تحمل هذا المستوى أو نفس مستوى كثافة العنف لمدة ستة أشهر تقريبا".
من جهتها، ترى كاترينا ستيبانينكو، محللة في معهد دراسة الحرب، وهو معهد يراقب الصراعات ومقره الولايات المتحدة، أن وقف قرار ترامب "سيكون لذلك عواقب كبيرة، لكن من غير المرجح أن يتمكن الروس من تحقيق اختراق على الفور أو في الأشهر المقبلة".
وقالت إن "الأوكرانيين سوف يكونون قادرين على الدفاع عن أنفسهم، كما رأيناهم يفعلون في الماضي خلال المشاكل السابقة مع المساعدات"، مشيرة إلى العام الماضي عندما تباطأت عمليات التسليم من الولايات المتحدة مع توقف الكونغرس عن حزمة المساعدات التالية.
أما المحلل العسكري في شبكة "سي إن إن" والعقيد المتقاعد في القوات الجوية الأمريكية سيدريك ليجتون، فلفت إلى أن بعض الذخائر يتم تسليمها في غضون مهلة قصيرة، ويتم شحنها إلى حيث تشتد الحاجة إليها في أي لحظة.
"نتيجة لذلك، يمكن الشعور ببعض التأثيرات على الفور تقريبا على الخطوط الأمامية. سيتعين على الأوكرانيين تقنين استخدامهم لبعض الذخائر وقد يؤدي ذلك إلى مشاكل لجهودهم للاحتفاظ بأماكن مثل بوكروفسك". يضيف ليجتون.
وأشار إلى بوكروفسك، وهي مركز لوجستي مهم، حيث كانت الهدف الرئيسي للهجوم الروسي في شرق أوكرانيا منذ الصيف.
وعلى الرغم من التوقعات بأن المدينة قد تسقط في غضون أسابيع، تمكنت قوات كييف من إبعاد القوات الروسية - جزئيا، بفضل عمليات التسليم المستمرة للمساعدات العسكرية الأمريكية.
ما هي المساعدات التي تم تعليقها؟
كانت الولايات المتحدة تزود أوكرانيا بذخيرة مدفعية ودبابات ومركبات مدرعة ومدافع هاوتزر وبطاريات دفاع جوي باتريوت وأنظمة صواريخ وقذائف بعيدة المدى.
لكن التوقف لا يقتصر على الأجهزة فقط. فقد أكد مسؤولون أمريكيون، أمس الأربعاء، أن الولايات المتحدة أوقفت الدعم الاستخباراتي وكذلك شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا.
وقال مسؤول عسكري أمريكي كبير إن الولايات المتحدة قلصت بالفعل بعض تبادل المعلومات الاستخباراتية، بما في ذلك تنفيذ عدد أقل من رحلات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع التي يمكن أن تؤثر على العمليات الهجومية والدفاعية بما في ذلك الدفاع الجوي، لأن أوكرانيا تعتمد على الاستخبارات الأمريكية للمراقبة.
وفي هذا الصدد، نوهت كاترينا ستيبانينكو، محللة في معهد دراسة الحرب، إلى أن تبادل المعلومات الاستخباراتية "مهم للغاية للقوات الأوكرانية" لأنه يتضمن أشياء مثل صور الأقمار الصناعية، التي تستخدمها القوات الأوكرانية في عمليات الطائرات بدون طيار.
ومن غير الواضح ما إذا كان التوقف عن تبادل المعلومات الاستخباراتية يشمل هذه الأشياء.
وفي السابق، أوقفت الولايات المتحدة المساعدات الإنسانية لأوكرانيا، كجزء من توقفها الشامل لبرامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
لماذا يفعل ترامب هذا؟
تقول "سي إن إن"، إن ترامب يحاول إجبار كييف على التفاوض على اتفاق سلام مع روسيا دون الالتزام بتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا.
حاول زيلينسكي إثبات أن الاتفاق بدون ضمانات قد يكون كارثيا بالنسبة لأوكرانيا، بحجة أن بوتين "انتهك" اتفاقيات وقف إطلاق النار في الماضي.
وفي هذه النقطة، تلقى الرئيس الأوكراني، دعما شبه عالمي من حلفاء كييف الغربيين. قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، يوم الإثنين، إن الضمانات الأمنية يجب أن تكون جزءا من أي اتفاق سلام.
ولفت ميلنيك إلى أن أوكرانيا أمضت الأسابيع القليلة الماضية في محاولة فهم أي من تصريحات ترامب يجب التعامل معها باعتبارها إعلانات سياسية وأيها كانت مجرد جزء من استراتيجية لمحاولة إرضاء الروس وإغرائهم بالمفاوضات.
وأشار إلى أن إعلان ترامب تجميد المساعدات العسكرية، أثار صدمة وحزنا في جميع أنحاء أوكرانيا.
وبينما لم يطرح ترامب خطة سلام محددة، فقد اقترح أن أوكرانيا ستضطر إلى تقديم تضحيات فيما يتعلق بأراضيها.
بالنسبة للكثيرين، يبدو هذا بمثابة استسلام.
ويعتقد جون لوف، رئيس السياسة الخارجية في مركز الاستراتيجيات الأوراسية الجديدة، أن زيلينسكي لا يستطيع قبول مثل هذا الاقتراح.
وقال: "لا أفهم حقا ما يفترض أن يقوله (زيلينسكي) للأمريكيين. سأعطي أراضينا، وسأوافق على أي شروط تناقشونها مع الروس؟".
وأضاف: "أعني، هذا سخيف تماما. لا يمكنهم فعل ذلك، ولن يفعلوا ذلك".
هل يمكن لحلفاء أوكرانيا الآخرين المساعدة في سد الفجوة؟
الولايات المتحدة هي أكبر مزود منفرد للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، ولكنها ليست الوحيدة.
وفقا لمعهد كيل، الذي يراقب المساعدات لأوكرانيا، فإن المساعدات العسكرية التي كانت تأتي من أوروبا قابلة للمقارنة مع تلك القادمة من الولايات المتحدة، وفي الأمد القريب، يمكن للأوروبيين التدخل ومساعدة كييف في سد الفجوة.
لقد حدث هذا من قبل، حيث أصبحت مساعدات أوروبا أكثر أهمية خلال النصف الأول من العام الماضي عندما تضاءلت عمليات تسليم المساعدات الأمريكية.
في الوقت نفسه، أصبحت أوكرانيا أكثر اعتمادا على الذات منذ اندلاع الحرب عام 2022.
وفي هذا السياق، لفت ستيبانينكو، إلى أن الأوكرانيين "زادوا بشكل كبير من إنتاجهم للطائرات بدون طيار والمدفعية وناقلات الأفراد الخاصة بهم. لقد كانوا يفعلون ذلك منذ عام 2023 منذ مواجهة احتمال عدم الحصول على المساعدة".
وأمس الثلاثاء، كشف الاتحاد الأوروبي عن خطة للسماح للدول الأعضاء باقتراض 150 مليار يورو (158 مليار دولار) لتعزيز إنفاقها الدفاعي و"زيادة دعمها العسكري لكييف بشكل كبير".
ويضغط بعض حلفاء أوكرانيا الأوروبيين من أجل مصادرة الأصول المجمدة لروسيا واستخدامها لتمويل المساعدات الدفاعية. في الوقت الحالي، يتم استخدام عائدات هذه الأصول فقط لدعم دفاع أوكرانيا.
"الحقيقة المؤلمة"
ولكن الحقيقة المؤلمة- كما تصفها سي إن إن- هي أنه حتى لو حصلت أوروبا على الأموال اللازمة، فسوف يستغرق الأمر سنوات حتى يتسنى لقطاع الدفاع الأوروبي الذي يعاني من نقص التمويل أن يرقى إلى مستوى قطاع الدفاع الأمريكي.
هناك أيضا بعض أنظمة الأسلحة التي لا تستطيع سوى الولايات المتحدة توفيرها، بما في ذلك أنظمة الدفاع باتريوت القادرة على إسقاط صواريخ كروز والصواريخ الأسرع من الصوت والصواريخ الباليستية قصيرة المدى والطائرات.
ووفق ستيبانينكو "تحتفظ الولايات المتحدة بتراخيص الأنظمة نفسها والصواريخ الخاصة بها، مما يجعل من الصعب على الدول الأوروبية إعادة إنشائها".
بينما تلعب الباتريوت دورا حاسما في الدفاعات الجوية لأوكرانيا، حيث تحمي ملايين المدنيين الذين يعيشون في جميع أنحاء البلاد.
وفي حين أن الأنظمة الغربية الأخرى يمكن أن تكون فعالة ضد صواريخ كروز والطائرات بدون طيار، فإن الباتريوت توفر حماية لا مثيل لها ضد الصواريخ الأسرع من الصوت والصواريخ الباليستية المتقدمة.
وتستخدم روسيا هذه الصواريخ بشكل منتظم، حيث زادت إنتاجها المحلي وبدأت في شراء المزيد من كوريا الشمالية. بحسب المصدر نفسه.
ما هي الخيارات المتاحة لأوكرانيا الآن؟
أفضل خيار لأوكرانيا- بنظر ستيبانينكو- هو التركيز على تعزيز تحالفها مع أوروبا.
"لقد أرست أوكرانيا بالفعل أسسا جيدة جدا لذلك من خلال تشكيل العديد من المبادرات، على سبيل المثال، شكلت العديد من الدول الأوروبية مبادرات للذخيرة والطائرات بدون طيار، والدفاع الجوي، وأعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لتوسيع تلك المبادرات"
وأضافت، مشيرة إلى دول مثل كوريا الجنوبية، التي باعت في الماضي الذخيرة الأمريكية التي أعطيت لاحقا لأوكرانيا، "هناك أيضا نقاش مهم حول الحاجة إلى الاستيلاء على الأصول المجمدة الروسية في أوروبا للمساعدة في رعاية أي عملية شراء للأسلحة، ليس فقط من الولايات المتحدة، ولكن أيضًا على مستوى العالم".
وإذا كان سينصح زيلينسكي، قال كيرت فولكر، السفير الأمريكي السابق لدى حلف شمال الأطلسي والممثل الخاص الأمريكي السابق لأوكرانيا، إنه سوف يحثه على "التوقيع أمام الكاميرا على الصفقة بشأن الموارد الطبيعية في أقرب وقت ممكن، وأن يأسف على الطريقة التي سار بها اجتماع المكتب البيضاوي يوم الجمعة، ويوضح أنه ملتزم بنسبة 100٪ بإحلال السلام".
وكان من المفترض أن يتم التوقيع على الصفقة عندما التقى ترامب بزيلينسكي في البيت الأبيض يوم الجمعة، خلال الاجتماع الذي خرج عن السيطرة وانتهى قبل الأوان عندما أُمر الزعيم الأوكراني بالمغادرة.
وفي تصريح لـ"سي إن إن"، رأى فولكر أن " هذا من شأنه أن يوفق بين الولايات المتحدة وأوكرانيا في المستقبل ويخدم مصالح البلدين".
والثلاثاء، أعرب زيلينسكي عن استعداده لتوقيع صفقة المعادن "في أي وقت وبأي شكل مناسب".