مركز أبحاث أمريكي يحذر: إيران تسلح مليشيا حزب الله صاروخيا لإشعال المنطقة
دراسة أصدرها مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى تؤكد أن حزب الله سيورط لبنان في حرب جديدة مع إسرائيل تنفيذا للأجندة الإيرانية
حذر مركز أبحاث أمريكي من أن مليشيا الحرس الثوري الإيراني نجح إلى حد بعيد في نقل جزء من ترسانته الصاروخية إلى وكيله "حزب الله" اللبناني، مشيرا إلى أن تقارير استخباراتية عديدة رصدت نقل جزء من الصواريخ الإيرانية من سوريا إلى لبنان خلال الفترة الماضية.
جاء ذلك في دراسة أصدرها مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، لثلاثة من كبار باحثيه وهم؛ كاثرين باور زميلة "بلومنستين كاتس فاميلي" في معهد واشنطن ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة الأمريكية، وحنين غدار زميلة زائرة في زمالة "فريدمان" في المعهد، وأساف أوريون عميد استراتيجي للشؤون الدفاعية وزميل عسكري زائر في المعهد.
وحذرت الدراسة من أنه خلال الفترة القليلة الماضية زادت الشحنات الجوية الإيرانية المشبوهة إلى لبنان.
وأشارت إلى أنه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رُصد هبوط طائرة شحن من طراز "بوينج 747" تابعة للخطوط الجوية المدنية الإيرانية "فارس قشم للطيران"، في مطار بيروت محملة بمكونات أسلحة محظورة لـ"حزب الله".
وشملت الشحنة أجهزة النظام العالمي لتحديد المواقع "جي بي أس" التي من شأنها أن تمكن من إنتاج صواريخ دقيقة التوجيه في المصانع التابعة لميلشيا حزب الله في لبنان، حيث تشير الدراسة إلى أن أجهزة مخابرات غربية رصدت هبوط الطائرة في "مطار دمشق الدولي" في سوريا، قبيل توجهها إلى لبنان.
انتقال إيران إلى لبنان
بحسب الدراسة، تعمل إيران على نقل تقنيات عسكرية متطورة إلى حزب الله في لبنان، منها أجهزة توجيه بعد تعرض منشآت مليشيا الحرس الإيراني في سوريا لهجمات إسرائيلية متزايدة ومن المتوقع أن تصبح الضربات الإسرائيلية أكثر تعقيدا بسبب احتمالات التصعيد.
وتابعت الدراسة أنه بينما أدى وجود القوات الأمريكية في التنف السورية إلى إحباط محاولات إيران حتى الآن لإنشاء "جسر بري" عبر جنوب سوريا إلى لبنان، فإن المجتمع الدولي ناضل لسنوات لمنع الحرس الثوري الإيراني من الاستفادة من وكلائه عن طريق الجو.
وأشارت إلى أنه لطالما كان "مطار دمشق الدولي" بمثابة نقطة التسليم الرئيسية للحرس الثوري، فيما يتعلق بالأسلحة والمكونات والنقود المخصصة لحزب الله، وقد نقل الحزب بعد ذلك الكثير من هذه العتاد عن طريق البر من دمشق إلى لبنان، حيث تشير وتيرة الرحلات الجوية الأخيرة بين دمشق وبيروت إلى أن الحرس الثوري يرى الآن أن الطريق البري محفوف بالمخاطر.
حرب جديدة
حذرت الدراسة من أن نقل صواريخ دقيقة لحزب الله يهدد بحرب جديدة يورط فيها حزب الله، لبنان ضد إسرائيل، بسبب تهور الحزب، حيث إن نقل إيران لصواريخ دقيقة التوجيه قادرة على تهديد أهداف عميقة داخل إسرائيل، خط أحمر للغرب ولإسرائيل.
وأشارت إلى أن مبعوث فرنسي نقل للحكومة اللبنانية تحذيرات باريس، من أن إسرائيل ستتخذ إجراءات ضد مصانع الصواريخ التابعة لحزب الله، إذا لم تقم بيروت بذلك، وقد نقل وزير الخارجية الأمريكي الرسالة نفسها إلى الحكومة اللبنانية.
وكشفت الدراسة أن حزب الله يمتلك آلاف الصواريخ لكن معظم أسلحته غير دقيقة في إصابة أهدافها مما يحد من تأثيرها المحتمل. ومع ذلك، إذا تم تزويد أعداد كبيرة منها بالأجهزة الإيرانية للتوجيه الدقيق، فمن المحتّم أن تشكل تهديداً كبيرا ليس على إسرائيل فحسب، بل كل القوى الإقليمية الأخرى.
ونبهت الدراسة إلى أن الحزب وطهران يعتقدان أن إجراء مثل هذه التحسينات على صواريخ حزب الله في لبنان بدلاً من سوريا أو إيران، هو أقل خطورة. فمنذ حرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله، توّخى الجانبان الحذر لتفادي نشوب صراع كبير آخر في لبنان، لأنهما فهما بشكل صحيح أن الصراع سيكون مدمراً للغاية، ومكلفاً جداً، وقليل الفائدة على صعيد السياسة العامة.
حسابات حزب الله
لفتت الدراسة إلى أن قدرات الاستهداف الدقيق المحسنة ستسمح لحزب الله بشن هجمات أكثر تدميرا لكن الحزب الموالي للنظام الإيراني يدرك أيضاً أن الحرب المقبلة ستكون أوسع وأكثر تدميراً مما كانت عليه في عام 2006، مما سيؤثر بشكل كبير على كل من المناطق الداخلية الشيعية ولبنان ككل، وأنه على الرغم من التقدم الذي أحرزه الحزب بشأن مشروع الدقة الصاروخية، فإنه غير مستعد لمثل هذا النزاع، حيث إن معضلاته متعددة الجوانب.
وأشارت الدراسة إلى أنه على عكس ما حدث عام 2006، فإن تدفق الكثير من اللاجئين إلى دول المشرق أدى إلى إرهاق الجهات المانحة وحدوث حالة من الاستقطاب الإقليمي، ما من شأنه أن يجعل إعادة الإعمار الدولي في لبنان في مرحلة ما بعد الحرب أكثر تشككاً هذه المرة، وأن خسائر حزب الله في سوريا وضعت الحزب في أزمة مالية خطيرة تفوق خسائره في عام 2006.
وتابعت الدراسة أن الأهم من ذلك أن الشيعة في لبنان سئموا من الحرب، كما يبدو أنهم غير معنيين إلى حد كبير بتورط حزب الله في سوريا لأن الأحداث تجري بعيداً عنهم، وأنه منذ صراع 2006، استمتعوا بفترة سلام نسبي، مما دفع بالعديد منهم إلى البدء بالتفكير في المستقبل، وبالاستثمار الطويل الأجل، وتطوير عقلية تجارية لا تتوافق مع الحديث عن الحرب، لذا سيُلقى اللوم على حزب الله إذا كانت هذه الاستثمارات مهددة بالصراع داخل لبنان.
وبحسب الدراسة فإنه بالنظر إلى هذه العوامل، يبدو أن الحزب عازما على تجنب الحرب مع إسرائيل، حيث ينظر إلى مشروع الدقة الصاروخية كوسيلة لتعزيز ردعه بدلاً من تصعيد التوتر، ففي وقت سابق من الصراع في سوريا، بدا وكأن إيران تعتقد بأن تمركز فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ووكالات أجنبية على حدود مرتفعات الجولان؛ من شأنه أن يعزز الردع ويمنحها ميزة الضغط على إسرائيل على جبهتين: جنوب لبنان وجنوب غرب سوريا، لكن الأمور لم تكن كما تم التخطيط لها، فقد خسرت إيران معظم منشآتها في سوريا بعد أن رضخت حليفتها - روسيا - للضربات الإسرائيلية ضدها، كما ثبت أن وجودها في الجولان معقد أيضاً.
وأشارت الدراسة إلى أن نقل مشروع الدقة الصاروخية إلى لبنان أصبح خياراً أكثر ملاءمة، حيث يبدو أن أهداف طهران الحالية ذات شقين، هما: تعزيز قوات حزب الله على المدى القصير تحت المظلة الرادعة لديناميكية "لا للأعمال العدائية داخل لبنان" مع إسرائيل. وعلى المدى الطويل، تزويد الجماعة بقدرات عسكرية أفضل لحرب مستقبلية.
الحسابات الإسرائيلية
الدراسة أوضحت أن إسرائيل نفسها حاليا عالقة بين تهديدات طويلة الأجل ومخاطر قصيرة الأجل، فعلى المدى البعيد، سيؤدي "مشروع الدقة الصاروخية"، التابع لإيران وحزب الله، إلى زيادة التهديد الذي تتعرض له البنية التحتية الاستراتيجية لإسرائيل من "كبير" إلى "شديد"، مما قد يسمح للحزب بتحقيق المزيد من الضربات على المنشآت الإسرائيلية الحساسة بإطلاقه عدد أقل من الصواريخ.
وبعبارة أخرى، إذا بقي المشروع مستمرا، فسوف تواجه إسرائيل هوامش أضيق للمناورة، وارتفاع حاد في تكلفة حرب مستقبلية، ورادع إيراني أقوى ضد المزيد من الأعمال العسكرية في سوريا أو في أي مكان.
وأضافت: على المدى القصير، من شأن أي جهود مباشرة لتقويض "مشروع الدقة الصاروخية" أن تتعرض لمخاطر أخرى، فعلى الرغم من أنه ما زال من الممكن شن غارات على منشآت المشروع في سوريا، فإنها تخضع الآن لقيود أكثر صرامة، وبالإضافة إلى المخاطر التكتيكية الاعتيادية التي تشكلها الدفاعات الجوية السورية والتصعيد المحتمل، تواجه إسرائيل تحديات جديدة ناجمة عن الحادثة العرضية التي أسقط فيها نظام الأسد طائرة عسكرية روسية في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي.
فمنذ تلك الحادثة، يبدو -بحسب الدراسة- أن موسكو غيّرت موقفها تجاه الغارات الجوية الإسرائيلية المتكررة في سوريا، حيث أشارت مصادر عديدة إلى لهجتها الأكثر تشدداً في التصريحات الرسمية التي تتناول هذا الموضوع، ومتطلباها العملياتية الأكثر صرامة من إسرائيل، على سبيل المثال، مطالب بإعطائها فترة تحذير أطول قبل قيام إسرائيل بشن هجماتها، وتأخرها في جدولة اجتماعات إضافية بين بوتين ونتنياهو، من بين صعوبات أخرى.
حسابات روسيا
أوضحت الدراسة أنه ليس من مصلحة موسكو السماح لطهران بمواصلة أنشطتها المتعلقة بالصواريخ الدقيقة مع حزب الله، مما قد يؤدي إلى حرب تشمل إسرائيل وإيران ولبنان، وربما سوريا أيضاً، ومع ذلك فإن علاقات روسيا مع إيران قد تفسر عدم اهتمامها الواضح بوقف التعزيزات العسكرية الإيرانية هناك، ويمكن لهذه الاعتبارات أن تلقي مزيداً من الضوء على قرار إيران بنقل بعض هذه الأنشطة التعزيزية إلى لبنان.
وأشارت الدراسة إلى أن موقف موسكو الحالي يسمح لإيران بزيادة تعزيز التهديد في كل من سوريا ولبنان مع تقييد الإجراءات المضادة لإسرائيل، وفي الوقت نفسه واصلت روسيا توسيع نفوذها في لبنان على مدى الأشهر القليلة الماضية.
ففي أغسطس/آب، أعلن مسؤولو وزارة الدفاع في موسكو أنهم طلبوا من واشنطن القيام بتنظيم مشترك لعودة ملايين اللاجئين السوريين الذين يعيشون في لبنان والأردن وتركيا، وعلى الرغم من أنه لم يتم بعد إعداد خطة مقنعة للعودة، فإن العديد من المواطنين اللبنانيين استجابوا بشكل إيجابي للمبادرة، وزاد التنسيق بين بيروت وموسكو منذ ذلك الحين، وإذا ساعدت روسيا في حل أزمة اللاجئين على المدى القريب، فسيكون لبنان -بحسب الدراسة- أكثر ميلاً إلى تعميق علاقاته الأمنية والعسكرية معها، وكما هو الحال في سوريا، فمن شأن مثل هذا التطور أن يعقّد أي خطط إسرائيلية لضرب أهداف حزب الله في لبنان.
التوصيات
دعت الدراسة، في النهاية، إلى إعادة النظر في "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" - "اليونيفيل"، موضحة أن هناك حاليا عددا من قرارات مجلس الأمن التي تتعامل نظريا مع تهديد الصواريخ الدقيقة من زوايا مختلفة، من بينها الإجراءات المتعلقة بصادرات الأسلحة الإيرانية، والانتشار الإيراني، والنقل غير المشروع للأسلحة إلى لبنان، ومشكلة القدرات العسكرية غير الخاضعة للمراقبة من الحكومة اللبنانية، وبالمثل، قد يعتقد المرء أن ولاية "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" ونطاق عملياتها قد يعملان على تقييد ممارسات حزب الله المعروفة بترسيخ البنية التحتية العسكرية في المناطق المأهولة بالسكان في الجنوب وبيروت.
واستدركت الدراسة أن ما تم الكشف عنه مؤخرا يبرهن مرة أخرى أوجه القصور في تلك القرارات وتطبيقها غير المكتمل على الأرض وفي الجو والبحر، ويصبح التباين بين التكاليف والفوائد صارخاً، لاسيما حينما ينظر المرء إلى أن "اليونيفيل" وحدها تقوم بنشر 10,500 فرد في لبنان بتكلفة سنوية تقارب 500 مليون دولار.
واختتمت الدراسة توصياتها بالقول إنه ولمراعاة أوجه القصور، ينبغي أن تخضع "اليونيفيل" لتقليص كبير في حجمها وتعديلات أخرى على شكلها ودورها وميزانيتها، وفي الوقت نفسه، يمكن للمجتمع الدولي أن يتخذ نهجاً أكثر فائدة فيما يخص تهديد التصعيد في لبنان من خلال السعي إلى بذل جهود دبلوماسية منسقة ضد مليشيا فيلق القدس التابع لمليشيا الحرس الثوري الإيراني ووكلائه، ومن بينها حزب الله، وهذا يعني تصنيفهم على نطاق أوسع كجهات فاعلة إرهابية، وفرض تكاليف على عملياتهم الجارية، بما فيها تلك التي يقوم بها شركاؤهم وشركاتهم الوهمية.
aXA6IDEzLjU4LjI4LjE5NiA= جزيرة ام اند امز