«دبلوماسية القوة».. كيف تعيد واشنطن رسم خريطة النفوذ في الكاريبي؟
في ظل تصاعد التوترات في منطقة البحر الكاريبي وتبدل أولويات الأمن الدولي، تعود الولايات المتحدة إلى واجهة أمريكا اللاتينية عبر بوابة الاتفاقيات الأمنية، مستحضرة خطاب “مكافحة المخدرات” ومفعّلة أدوات النفوذ العسكري التقليدي.
فخلال أيام قليلة، وقعت واشنطن سلسلة تفاهمات مع دول في الإقليم، في خطوة يراها مراقبون إعادة إنتاج لـ«دبلوماسية القوة» وتوسيعًا عمليًا لمبدأ مونرو بصيغة جديدة. وبينما تؤكد الإدارة الأمريكية أن تحركاتها دفاعية، تثير سرعة الاتفاقيات وتوقيتها تساؤلات عميقة حول أهدافها الحقيقية، وحدود تأثيرها على استقرار المنطقة ومستقبل المواجهة مع فنزويلا.
وفي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض حصار على ناقلات النفط الفنزويلية بموجب العقوبات، وأمر بمصادرة سفن وسط غارات جوية أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص في منطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ، أبرمت الولايات المتحدة اتفاقيات عسكرية مع باراغواي والإكوادور وبيرو وترينيداد وتوباغو خلال الأسبوع الماضي فقط.
وأوضحت صحيفة "الغارديان" البريطانية أنه تم توقيع الاتفاقيات تحت شعار "الحرب على المخدرات"، الذي استخدمته واشنطن لتبرير هجومها على فنزويلا، وذلك على الرغم من أن مسؤولي البيت الأبيض وترامب نفسه صرحوا بأن الأهداف تشمل أيضًا الاستيلاء على احتياطيات الطاقة الهائلة في البلاد وإسقاط رئيسها نيكولاس مادورو.
ورغم أن واشنطن أبرمت الكثير من الاتفاقيات المماثلة في المنطقة، إلا أن محللين يرون في حجم وتوقيت هذه الاتفاقيات الجديدة تصعيدًا إضافيًا وسط التكهنات حول غزو أمريكي غير مسبوق لفنزويلا.
وقالت جينيفر كافانا، مديرة التحليل العسكري في مركز أبحاث "أولويات الدفاع" إنه "إذا شنت الولايات المتحدة هجومًا أوسع نطاقًا يشمل غارات جوية على فنزويلا أو دول أخرى مثل كولومبيا أو كوبا، فإنها سترغب في امتلاك مواقع عمليات في أنحاء المنطقة".
وأضافت أن "إنشاء شبكة من المواقع أمر بالغ الأهمية لاستدامة أي نوع من العمليات.. لذا، لا يمكننا الجزم بأن هذه الأنشطة تستهدف فنزويلا بشكل مباشر، لكنني أعتقد أنه من السذاجة الادعاء بعدم وجود صلة بينهما".
وتشمل الاتفاقيات تسهيل الوصول إلى المطارات، كما هو الحال في ترينيداد وتوباغو، والنشر المؤقت للقوات الأمريكية في عمليات مشتركة ضد "إرهابيي المخدرات" في باراغواي.
كما تشمل نشرًا "مؤقتًا" لقوات سلاح الجو الأمريكي في الإكوادور وذلك على الرغم من رفض الإكوادوريين في استفتاء عام إنشاء قواعد عسكرية أجنبية.
وقال خورخي هاين، السفير التشيلي السابق وأستاذ باحث في كلية الدراسات العالمية بجامعة بوسطن: "هذا لا علاقة له بالمخدرات". وأضاف "لا تُعتبر باراغواي مركزًا رئيسيًا لإنتاج المخدرات أو توزيعها، وكذلك فنزويلا ويرتبط هذا الأمر ارتباطًا وثيقًا بوثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي".
وفيما يطلق عليه "ملحق ترامب" لمبدأ مونرو "أمريكا للأمريكيين" الذي وضعه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو عام 1823، واستُخدم لاحقًا لتبرير الانقلابات العسكرية التي دعمتها الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية، دعت استراتيجية الأمن القومي التي نُشرت مؤخرًا إلى "توسيع" الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.
وفي منطقة الكاريبي، وبعدما سمحت ترينيداد وتوباغو بتركيب نظام رادار أمريكي ومنحت حق الوصول إلى مطاراتها، اتهمها نظام مادورو بالمشاركة في الاستيلاء على أول ناقلة نفط قبل أسبوعين، وأعلن الإنهاء الفوري لأي اتفاقيات بشأن إمدادات الغاز الأحفوري بين البلدين.
والأسبوع الماضي، قالت كاملا بيرساد-بيسيسار رئيسة وزراء ترينيداد وتوباغو، إن "أفضل دفاع" لبلادها هو التعاون العسكري مع الولايات المتحدة.
وردا على ذلك، قال وزير الداخلية الفنزويلي، ديوسدادو كابيلو، الإثنين: "إذا سمحت ترينيداد بتسيير هجوم على فنزويلا، فعلينا الرد".
وفي الأشهر الأخيرة، وقعت الولايات المتحدة اتفاقيات مماثلة مع غيانا وجمهورية الدومينيكان وبنما، بينما انخرطت دول أخرى في المنطقة في الحشد العسكري ضد فنزويلا من خلال قواعد أمريكية قائمة في بورتوريكو وهندوراس وكوبا، ومراكز مراقبة في مطارات السلفادور وأروبا وكوراساو.
ووصف جون والش، مدير سياسة مكافحة المخدرات في مكتب واشنطن لشؤون أمريكا اللاتينية، الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بأنها "دبلوماسية الزوارق الحربية"، والتي تهدف إلى مكافأة الحلفاء وإرسال قوات عسكرية.
في المقابل، وجه مادورو الإثنين رسالة ت إلى رؤساء دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، تضمنت نداءً عاجلاً ضد ما وصفه بـ"تصعيد العدوان الأمريكي... الذي تتجاوز آثاره حدود بلادي، ويهدد بزعزعة استقرار المنطقة بأسرها".
ومنذ إعادة انتخابه العام الماضي في انتخابات يُعتقد على نطاق واسع أنها مزورة، انقطع تواصل مادورو تقريبًا مع رؤساء دول المنطقة، بمن فيهم حلفاء سابقون مثل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا رئيس البرازيل، وغوستافو بيترو رئيس كولومبيا.
وقال والش "بالنسبة للدول غير المنضمة، فإن دبلوماسية القوة الأمريكية تعد تهديدًا ضمنيًا بأن الجيش الأمريكي موجود على مقربة منها، ويتأكد من عدم عبورها الحدود الأمريكية".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA==
جزيرة ام اند امز