مع تنامي ترسانة بيونغ يانغ.. هل تسمح واشنطن بحصول سول على النووي؟
مع وصول محاولات واشنطن لكبح الطموح النووي لكوريا الشمالية لطريق مسدود وزيادة ترسانتها حجما وتطورا، رأى كاتب وباحث أمريكي أن جارتها الجنوبية ستعمل على الحصول على القنبلة الخاصة بها.
وقال دوغ باندو كبير الباحثين بمعهد كاتو الأمريكي، في مقال منشور بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إنه بالرغم من أن بيونغ يانغ لن تكون قادرة مطلقا على شن ضربة استباقية ضد الولايات المتحدة، ربما تصبح قريبا قادرة على الرد على واشنطن لدفاعها عن كوريا الجنوبية.
وأثار تغير الموازين نقاشا جادا داخل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بشأن السياسة النووية، حيث يتمثل السؤال الأول فيما إذا كان من المنطقي مواصلة نزع الأسلحة النووية – سياسة (النزع الكامل للسلاح النووي، بشكل يمكن التحقق منه ولا رجعة فيه) عندما تحصل كوريا الشمالية بالفعل على القنبلة.
ولا يزال بعض المتفائلين يتخيلون أنه يمكن التحدث مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون أو إجباره على نزع السلاح النووي. وبالرغم من أن السياسة الرسمية لواشنطن ترفض بقوة الاعتراف بكوريا الشمالية كدولة نووية، قد يجبر الواقع في النهاية على إجراء تغيير في السياسة.
والأمر الأكثر أهمية، بحسب باندو، أن مؤسسة كوريا الجنوبية تريد وضع أيديها على الأسلحة النووية الأمريكية، أو على الأقل الاقتراب منها. أو قد تطور سول، بحسب ما قال الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، ترسانتها الخاصة. ويرغب العديد من المسؤولين الكوريين الجنوبيين في وضع "الأصول الاستراتيجية" بشبه الجزيرة وشكل من أشكال "المشاركة النووية" المشابهة لتلك في أوروبا.
وقال باندو إن المتشائمين الكوريين الجنوبيين – أو الواقعيين – الذين يشكون في استمرار التزام واشنطن وصدق وعودها يريدون الحصول على القنبلة الخاصة بهم، ويبدو بعض صناع السياسة الأمريكيين منفتحين على ذاك الاحتمال.
وقد تهدد القوة النووية المتنامية لكوريا الشمالية الوضع الأمني الحالي في شبه الجزيرة الكورية. ومنذ التصديق على اتفاقية الدفاع المتبادل عام 1953، قطعت الولايات المتحدة التزاما تجاه الدفاع عن كوريا الجنوبية. وبحسب باندو، كان ذلك وعدا يسيرا نسبيا خلال السنوات الأولى بما أن المسؤولية الأمريكية كانت مقصورة على ساحة المعركة.
وبالرغم من أن الحرب الكورية كانت شرسة ومدمرة، كما في الصراعات العالمية السابقة، بالكاد مس العنف الأراضي الأمريكية. وحتى عهد قريب، لم يكن أمام كوريا الشمالية سبيلا للوصول إلى الولايات المتحدة أو حتى ممتلكاتها بالمحيط الهادئ.
ومع ذلك، يبدو صناع السياسة في سول قلقون على نحو متزايد بشأن جدوى الردع الموسع، التقليدي والنووي. والعام الماضي، هيمنت موجة التجارب الصاروخية الكورية الشمالية، أكثر من 90 تجربة لصاروخ باليستي، على اهتمام الرأي العام. وكانت بيونغ يانغ تسعى بقوة لمطابقة الرؤوس الحربية مع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وبالتالي تعريض المدن الأمريكية للخطر.
وتساءل باندو عما إذا كانت واشنطن ستلتزم بوعدها إذا تمكن كيم من إيصال "النار والغضب" إلى الولايات المتحدة القارية؟، لافتا إلى أن أوكرانيا زادت من تلك المخاوف، حيث إن قلق إدارة الرئيس جو بايدن الواضح بشأن استفزاز تصعيد روسي – لاسيما استخدام موسكو المحتمل للأسلحة النووية – يثير تساؤلات بشأن رد فعل الولايات المتحدة إذا اكتسبت كوريا الشمالية قدرة نووية (حتى وإن كانت أصغر).
وأوضح يون: "ما نسميه الردع الموسع كان أيضًا طلب الولايات المتحدة منا عدم القلق لأنها ستهتم بكل شيء. لكن الآن، من الصعب إقناع شعبنا بذلك"، مشيرا إلى أن سول ستتلقى مساعدة في استخدام الأسلحة النووية الأمريكية، وأن "الأسلحة النووية تخص الولايات المتحدة، لكن يجب أن تجري كوريا الجنوبية والولايات المتحدة بشكل مشترك التخطيط ومشاركة المعلومات والمناورات والتدريبات".
وبالطبع، رد المسؤولون الأمريكيون بالتعبير عن التزامهم العميق والدائم تجاه كوريا الجنوبية، وقالت الإدارة إن زيارة الرئيس إلى كوريا الجنوبية تؤكد التزام الولايات المتحدة بالردع الموسع لكوريا الجنوبية باستخدام جميع قدرات الدفاع الأمريكية، بما في ذلك النووية والتقليدية والصاروخية.
ومع ذلك، تظل الضمانات العامة ذات أهمية ضئيلة، وفقا لباندو، قائلا: "تخيل صراعا في المستقبل تستعد فيه الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية الاتجاه شمالا، وتصدر الشمالية إنذارا نهائيا تهدد فيه بشن هجمات نووية على أمريكا إن لم ينسحب الحلفاء من أراضي كوريا الشمالية – أو ربما إذا لم تنسحب واشنطن من الصراع بالكامل.
ومن المنظور المحتمل لواشنطن، بحسب الباحث الأمريكي، لا شيء في كوريا الجنوبية يستحق التضحية بعشرات المدن الأمريكية وملايين الأمريكيين، ولهذا هناك دعم كوري جنوبي قوي لردع مستقل.
ويدفع بعض المسؤولين، بينهم الجنرال المتقاعد ليم هو يونغ والسياسي في الجمعية الوطنية تشو كيونغ تاي، بهذه الفكرة. ولوّح يون في وقت سابق بهذا الاحتمال.
ومع ذلك، تفضل سياسة سول الرسمية أن تقدم واشنطن الأسلحة، بالرغم من أن وضعهم على شبه الجزيرة لن يضمن استعداد أي إدارة لاستخدامهم.
وتعارض واشنطن حصول كوريا الجنوبية على قنبلة، وتكمن أحد أسباب ذلك في التزامها بعدم الانتشار من حيث المبدأ، وكذلك رغبتها في الاحتفاظ بالهيمنة من خلال حفاظها على الاحتكار النووي بين أصدقائها.
لكن ربما تغير هذه المعضلة المتعلقة بالسياسة بعض الآراء. ورجح عضو الكونغرس عن أوهايو، ستيف شابوت، مؤخرا أن تدخل واشنطن محادثات مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية بشأن دراسة برامج الأسلحة النووية الخاصة بهم، قائلا إنه يأمل في ألا يكون من الضروري مواصلة هذا المسار، لكن "حتى النقاش مع [الكوريين الجنوبيين] سيلفت انتباه [الصين]، وربما سيتحركون بنشاط لكبح كوريا الشمالية للمرة الأولى".
لكن من وجهة نظر باندو تقود نقاشات شابوت إلى سؤال واضح: هل ستتسامح الولايات المتحدة مع تصنيع حلفائها لأسلحة نووية؟، لافتا إلى أن قنبلة كورية جنوبية ستثير بلا شك نقاشا في اليابان، لاسيما مع التزام حكومة فوميو كشيدا بزيادة كبيرة في الإنفاق العسكري.
ورأى الباحث الأمريكي أن احتمال السماح إن لم يكن تشجيع الانتشار الصديق لم يعد مرفوضا، لاسيما وأن يمكن لكوريا الجنوبية المواصلة بدون موافقة واشنطن، مشيرا إلى أنه ما لم يكن صناع السياسة الأمريكيين مستعدين للمجازفة بكل شيء من أجل كوريا الجنوبية، يتعين عليهم النظر في أمر لم يمكن التفكير فيه في السابق مثل قنبلة كورية جنوبية.