المبنى 9212.. مشروع نووي أمريكي بين أطلال الأمس ورهانات الغد

في الوقت الذي ترفع فيه واشنطن شعار تحديث ترسانتها النووية والحفاظ على تفوقها العسكري، يجد أحد أبرز مشاريعها النووية، نفسه غارقا في أزمة
متفاقمة.
فالمشروع الذي كان يُعوَّل عليه لإحداث نقلة نوعية في قطاع المعالجة النووية بات اليوم يواجه تأخيرات ممتدة وتكاليف متصاعدة، في حين تواصل السلطات تشغيل منشآت قديمة ومتهالكة، ما يعني مزيدًا من المخاطر على معايير الأمن والسلامة، وفقا لموقع «بيزنس إنسايدر».
وكانت الإدارة الوطنية للأمن النووي قد شرعت عام 2004 في إنشاء منشأة جديدة لمعالجة اليورانيوم بمدينة أوك ريدج في ولاية تينيسي، على أن تكون مركزًا موحدًا يضم عمليات معالجة اليورانيوم وتصنيع مكوناته. وقد رُوّج للمشروع في بداياته باعتباره وسيلة لخفض التكاليف عبر الاعتماد على معدات وتقنيات حديثة، إلى جانب تحسين ظروف السلامة للعاملين وتقليل الأثر البيئي.
وبحسب الخطة الأصلية، فإنه كان من المفترض أن يكتمل المشروع عام 2026 بتكلفة لا تتجاوز 6.5 مليار دولار. لكن الواقع تجاوز التوقعات. فلن ترى المنشأة النور قبل عام 2034، أي بعد ثلاثين عامًا كاملة من إطلاقها، فيما قفزت التكلفة إلى أكثر من 10.3 مليار دولار، بزيادة تقارب أربعة مليارات عن التقديرات السابقة.
أسباب الفشل
أشار تقرير حديث صادر عن مكتب المحاسبة الحكومي الأمريكي (GAO)، وهو جهاز رقابي تابع للكونغرس، إلى أن المشروع يعاني من "إدارة ضعيفة للمتعاقدين، وتأخر في الإبلاغ عن تجاوزات التكاليف، ومشكلات متكررة في القوى العاملة"، ما أدى إلى تراكم الخسائر وتأجيل الجداول الزمنية.
هذه الملاحظات ليست جديدة، لكنها تعكس معضلة هيكلية تعاني منها مشروعات البنية التحتية النووية الأمريكية تتمثل في البيروقراطية الثقيلة، والاعتماد المفرط على الشركات الخاصة، ونقص الكفاءات المتخصصة.
ونتيجة لهذا التأخير، لم تجد الإدارة الوطنية للأمن النووي خيارًا سوى الاستمرار في استخدام المبنى 9212، الذي بُني عام 1945 خلال الحرب العالمية الثانية. لكن هذا المبنى لم يعد يواكب معايير السلامة النووية الحديثة، سواء في ما يتعلق بالزلازل أو العواصف الشديدة أو حتى أنظمة مكافحة الحرائق.
وقد أظهرت صور التقطها المفتشون: أنابيب متآكلة، وجدرانًا متشققة، وأسقفًا متهالكة. والأخطر من ذلك أن أعمال الصيانة الضرورية تأجلت منذ عام 2020 بسبب نقص التمويل وتوقعات سابقة بأن المبنى سيتوقف عن العمل في 2025، وهي حسابات ثبت خطؤها.
التقرير حذّر من أن غياب خطة شاملة لإدارة المخاطر في المبنى القديم قد يؤدي إلى توقف مفاجئ أو إغلاق مؤقت، خصوصًا إذا تعطلت أنظمة أساسية مثل التهوية أو أجهزة الإنذار بالحوادث الإشعاعية أو مكافحة الحرائق.
ولم تبق المخاطر مجرد افتراضات، فقد شهد المبنى هذا العام تسربًا لمادة اليورانيوم بسبب عطل في مضخة، إضافة إلى أعطال في أنظمة مكافحة الحرائق، ما تسبب في إيقاف العمل لفترات محدودة. وهي حوادث توحي بأن الخطر لم يعد نظريًا بل أصبح ملموسًا.
أبعاد استراتيجية وسياسية
المعضلة لا تتعلق فقط بالإدارة الفنية أو بالميزانيات المتضخمة؛ بل تمسّ جوهر العقيدة النووية الأمريكية. فبرنامج تحديث الترسانة النووية، الذي يُنظر إليه باعتباره ركيزة ردع أساسية في مواجهة روسيا والصين، يتعثر على الأرض بسبب سوء الإدارة.
كما أن استمرار الاعتماد على منشآت قديمة يفتح الباب أمام انتقادات داخلية ودولية حول مدى قدرة الولايات المتحدة على ضمان أمن منشآتها النووية ومنع الحوادث أو التسريبات التي قد تكون كارثية.
الحاجة إلى خطة إنقاذ
أوصى مكتب المحاسبة الحكومي بضرورة وضع خطة طوارئ شاملة تضمن استمرار تشغيل المبنى 9212 بشكل آمن حتى اكتمال المنشأة الجديدة. وقد أبدت الإدارة الوطنية للأمن النووي موافقتها على التوصيات، لكنها لم تقدّم حتى الآن ردًا علنيًا يحدد كيف ومتى ستنفّذها.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMzIg
جزيرة ام اند امز