بعد استقالة فيلتمان.. هل فشلت استراتيجية أمريكا في القرن الأفريقي؟
على وقع استقالة المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي السفير جيفري فيلتمان، أثيرت العديد من التساؤلات حول مدى نجاح استراتيجية واشنطن في القرن الأفريقي.
وقررت واشنطن تعيين سفيرها في أنقرة ديفيد ساترفيلد خلفا للمبعوث المستقيل، لقيادة سياسة الولايات المتحدة في القرن الأفريقي، وهو ما ترافق معه تساؤل حول الإضافة المتوقعة للدبلوماسي الأمريكي الجديد في قضايا المنطقة.
وتزامنت استقالة جيفري فيلتمان، مع تصاعد الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية بالمنطقة، فضلا عن تأجج الصراعات الداخلية.
ففي السودان؛ لم تضع الثورة أوزارها بعد، ولم تعد الأطراف على توافق، مع وجود عقبات أمام الانتقال الديمقراطي، ما دفع الشارع لمزيد من التوتر.
أما في إثيوبيا فتشهد منذ أكثر من عام أزمة إقليم تجراي، وفي الصومال فالإرهاب والانتخابات يشعلان الداخل، أما كينيا فهي مقبلة على استحقاق انتخابي لا يعرف ملامحه هل يمر بسلام أم يولد صراعا داخليا؟
وتحدثت "العين الإخبارية" مع خبراء في العلاقات الدولية وبمنطقة القرن الأفريقي لمعرفة ما إذا كانت أمريكا فشلت في استراتيجيتها، وما المنتظر من سفير واشنطن لدى تركيا في مهمته الجديدة، وما دور القوات الأمريكية؟
فشل ثلاثي
الخبير الصومالي في شؤون القرن الأفريقي عبدالستار عبدالرحمن يقول لـ"العين الإخبارية"، إن أمريكا فشلت في المنطقة من عدة نواحٍ في الصومال في إثيوبيا والسودان.
وتابع: "في السودان فشلت الولايات المتحدة عندما لم تستطع إخماد التوترات في شرق السودان، خاصة بعد الأزمة التي أججت الصراع بين المدنيين والعسكريين".
ويعتقد عبدالرحمن أن الفشل الأمريكي في السودان كان واضحا، وجاء نتيجة تراجع التأثير الأمريكي في المنطقة من جهة، ووجود لاعبين آخرين كبار في المنطقة، وهي تحالفات جعلت واشنطن تجني فشلا وراء الآخر.
وفيما يتعلق بإثيوبيا، يقول الخبير الصومالي إن "جيفري فيلتمان لم يستطع أن يتوسط بين جبهة تجراي والحكومة الإثيوبية برئاسة آبي أحمد، وبدلا من ذلك انتهجت الولايات المتحدة سياسة المزاوجة بين الدعاية الإعلامية والدبلوماسية".
وهنا، أشار إلى أن "وسائل الإعلام الأمريكية نشرت تسريبات لرفع معنويات قوات جبهة تجراي لتصويرها وإظهارها بأنها قريبة من العاصمة الإثيوبية، وأنها فقط في حدود كيلومترات من أديس أبابا"، كما لجأت الخارجية الأمريكية إلى نشر تغريدات على حساباتها الرسمية تحث مواطنيها عدم السفر لإثيوبيا، ودعت بعثتها إلى أخذ الحيطة والحذر بذريعة أن العاصمة ستشتعل بين الجيش وعناصر جبهة تجراي.
ويعتقد عبدالستار، أن آبي أحمد أثبت أن الجيش قادر على اكتساح قوات جبهة تجراي بعد طردها من عفر وأمهرة، لافتا إلى أن الفشل الميداني للجبهة يعني فشل أمريكا في وقف الصراع العسكري في إثيوبيا.
أما في الصومال، فلم يستطع فيلتمان أن يلتفت إلى الأزمة الصومالية بتعقيداتها ومعضلاتها السياسية والأمنية، وبات الدور الأمريكي ينحصر بين الوعيد والتهديد حسب ما تنشره الخارجية الأمريكية.
ويخلص عبدالستار إلى أن الاستراتيجية الأمريكية في القرن الأفريقي بشكل عام متذبذبة حاليا، ولا يمكن اعتبار واشنطن قوة كبرى مهيمنة في القرن الأفريقي في الوقت الراهن، ولا يمكن القول أيضاً بأنها ذات تأثير قوي واستراتيجية فعالة مقارنة بالصين أو روسيا.
أجندة المبعوث الجديد
وفي 6 من الشهر الجاري، قال بيان لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن "إنني أتطلع إلى الترحيب بالسفير ديفيد ساترفيلد في الأيام المقبلة كمبعوث أمريكي خاص للقرن الأفريقي حالما ينهي السفير جيفري فيلتمان مهمته".
وأضاف البيان: "ستكون خبرة السفير ساترفيلد الدبلوماسية التي امتدت لعقود من الزمان في خضم بعض أكثر الصراعات صعوبة وتعقيدا في العالم، مفيدة في جهودنا المستمرة لتعزيز السلام والازدهار في القرن الأفريقي وتعزيز المصالح الأمريكية في هذه المنطقة الاستراتيجية".
لكن تلك الآمال الأمريكية الكبيرة المعلقة لا يراها مراقبون، إذ يقول أستاذ العلاقات الدولية في الجامعات الصومالية عمر يوسف لـ"العين الإخبارية" إنه من المنتظر أن يكمل المبعوث الجديد الدور السابق لـ"فيلتمان" وإنه "لن يستطيع أن يفعل شيئا".
ويرى عمر أن هناك فرصة لدى المبعوث الجديد في حال انتهاج أمريكا سياسة جديدة للتعامل مع المستجدات في المنطقة، دون الاتكال على القوة العسكرية، التي انتهى زمن الاعتماد عليها في القرن الحادي والعشرين.
ويحذر عمر من أن "كل من يستخدم السلاح ويشهر سيف العداء ضد الآخرين، لن يكون له وجود مستقبلي في منطقة القرن الأفريقي، التي لا تزال تعاني من إرث ثقيل من الحروب والخلافات والنزاعات".
ويعتبر الخبير الصومال أن الدور الأمريكي الجديد عبر مبعوثها الخاص ساترفيلد، ينطبق ومرهون بمدى استراتيجية واشنطن الجديدة عبر دبلوماسية جديدة، تنتهج الشفافية وعدم الاتكال على التهديد والفوقية وتحويلها إلى استخدام سبل القوة الناعمة.
ويتوقع أن المبعوث الأمريكي الجديد سيلجأ إلى إحياء ملف سد النهضة وإثارته من جديد بشكل قوي، لكن الفتور في العلاقات بين واشنطن وأديس أبابا سيفشل تلك المحاولة التي ستكون هروبا إلى الأمام من الأزمات الأخرى المشتعلة.
وجود تقليدي
وفيما يتعلق بالوجود العسكري الأمريكي، فيرى مراقبون أنه عامل حاسم في سياستها الخارجية، إذ تملك واشنطن قواعد عسكرية كبيرة في القرن الأفريقي خاصة في جيبوتي وكينيا، رغم أنها انسحبت أيضا قبل عام من الصومال.
ويقول الخبير العسكري الصومالي عبدالواحد محمود لـ"العين الإخبارية" إن "الوجود العسكري الأمريكي في القرن الأفريقي هو وجود تقليدي منذ أيام الحرب الباردة، ويعود إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي عندما كانت دول المنطقة منقسمة بين حلف ناتو وحلف وارسو".
ويعتقد الخبير العسكري الصومالي "أن الوجود العسكري الأمريكي في المرحلة الراهنة يرتبط أكثر بمواجهة الإرهاب، وليس لإظهار عضلاتها العسكرية للصين أو روسيا".
ويرى عبدالواحد أن الوجود الأمريكي مكمل في المواجهة على تنظيمي داعش والشباب الإرهابيين، لكن مستقبلا يمكن أن تستخدم واشنطن وجودها العسكري "لمقارعة خصومها الدوليين، حيث تهتم "الصين وروسيا بإنشاء قواعد عسكرية لها"، محذرا في الوقت نفسه من أن "عسكرة القرن الأفريقي وتحوله إلى ثكنة عسكرية، سيهدد أصلا سلامة وأمن المنطقة في ظل تحالف خصومات تقليدية وتاريخية".