عام في البيت الأبيض.. بايدن "الهادئ" يغادر "مناطقه الآمنة"
بدأ بروح هادئة قبل أن تعصف به تحديات المنصب فتلقي به في أمواج عاتية لتحوله من رئيس "معتدل" كما يصفه أنصاره إلى آخر "أعلى صوتا".
فمع انتهاء السنة الأولى لجو بايدن في البيت الأبيض، يبدأ الرئيس الأمريكي عامه الثاني بمنصبه محاربا غاضبا مستاء تطوقه التحديات ويداهمه الوقت وينفد صبره لإنقاذ ما تبقى من طموحاته، وسط متغيرات متسارعة وتقلبات متواترة.
عامه الأول بدا لافتا إلى أبعد الحدود، فلقد كانت إطلالته الهادئة شبيهة بأحد المحاربين القدامى، وبدا قريبا من الشعب أكثر منه لمسؤول بمنصب رفيع مثل رئاسة الولايات المتحدة، لكن تحديات المنصب أجبرته على مغادرة "مناطقة الآمنة" ليدخل على خطوط التوتر والإحباط.
توتر ينحدر من تحديات كثيرة تواجه الرئيس الأمريكي بالأشهر المقبلة، حيث ينصب الاهتمام في واشنطن على قدرته على تجنب خسائر التجديد النصفي التي أربكت العديد من أسلافه، وسط مخاوف من أن يتكبد حزبه خسارة لا يمكن تجنبها خاصة مع ضيق الفارق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مجلسي النواب والشيوخ.
"سئمت السكوت"
خلافا لسلفه دونالد ترامب، لم يكن بايدن كثير التصريحات الإعلامية أو النشاط عبر حساباته بمواقع التواصل، حيث تبنى منذ البداية سياسة اتصال مغايرة عن سلفه، لكن يبدو أن التجديد النصفي بالكونجرس كان كفيلا بإخراجه عن صمته، حيث قال في خطاب لاذع الأسبوع الماضي "سئمت السكوت".
"سأم" نابع بالخصوص من العديد من "محادثاته الهادئة" غير المثمرة خلف الكواليس مع أعضاء في مجلس الشيوخ، ضمن مساع قدر لها الفشل لتمرير مشروع قانونه المتعلق بحماية حق الأقليات في التصويت، وكأنه بذلك يلخص سخطه في الأشهر الـ12 الأولى له في المكتب البيضاوي.
تصريح يشي بأن الرئيس المعتدل الذي عرفه الأمريكيون والعالم في 2021 يستعد للظهور بأكثر جرأة وبصوت أعلى، وهو الذي يداهمه الوقت وينفد صبره ويتضاءل حلفاؤه لإنقاذ ما تبقى من طموحاته.
رئيس هادئ
وتولى بايدن مهامه في 20 يناير/ كانون ثاني 2021، وكان عمره 78 عاما، ما يجعله أكبر الرؤساء الأمريكيين سنا، وتقلد منصبه على وقع تحديات غير مسبوقة، حيث كانت البلاد غارقة في أتون وباء كورونا، وبدا أن الوضع الصحي خارج السيطرة.
وقبل أسبوعين من تقلده منصبه، كان أنصار ترامب يحاولون قلب نتيجة الانتخابات الرئاسية، فيما تراجعت المؤشرات الاقتصادية في استجابة بديهية للمرحلة الحرجة، أما حلفاء واشنطن في أنحاء العالم فكانوا يحاولون تجاوز الصدمة التي ألحقها ترامب بهم.
وبالتزامن مع ذلك، تفجرت التوترات على خلفيات عنصرية، ليجد بايدن نفسه بمواجهة إرث بالغ التعقيد، ومع ذلك أطل هادئا متعهدا بالعودة إلى أصول التعامل اللائق ووحدة الصف.
وقال بايدن في خطاب التنصيب "روحي كلها منصبّة في ذلك. جمع شمل أميركا وتوحيد شعبنا"، وبدا أن أمامه فرصة لتحقيق ذلك وهو يتحدث بشكل سلس خال من التصنع وبملامح هادئة غير متوترة.
وتعليقا على ذلك، قال مديرة كلية الدراسات العليا في الإدارة السياسية بجامعة جورج واشنطن لارا براون، في حديث لـ"فرانس برس": "كانت هناك توقعات كبيرة في أن بايدن نظرا إلى خبرته ومعرفته بأروقة واشنطن، سيكون قادرا على وضع الأمور في نصابها الصحيح".
صوت عالٍ
مع دخوله عامه الثاني في البيت الأبيض، لا يزال هناك سيناريو يحل التعقيدات من حول بايدن وهو أن يتلاشى الوباء ويستقر الاقتصاد ويتراجع التضخم، وما يحمله ذلك من ارتياح يؤمن للرئيس قلب مسار هزائمه التشريعية في الوقت المناسب للانتخابات النصفية.
لكن يبدو أن حتى صوته الذي يعتزم رفعه مستقبلا سيجبر على التوقف طويلا أمام التطورات والتحديات، فأمريكا تواجه اليوم متحورتين لكورونا وهما دلتا وأوميكرون، كما أن البلاد باتت أكثر انقساما وسط احتمال خسارة الغالبية في الكونجرس أمام الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر/ تشرين ثاني المقبل.
وبعمر 79 عاما، يقبل بايدن على تعقيدات قد تجبره على التخلي على هدوئه بشكل كامل، فمع غالبية لا تتعدى المقعد في مجلس الشيوخ، ومثلها تقريبا في مجلس النواب، باتت خطته الاجتماعية الضخمة للإنفاق بحكم الميتة، وكذلك الأمر بالنسبة لمشروع القانون المتعلق بحقوق التصويت والذي يقول بايدن إنه ضروري لإنقاذ الديمقراطية الأمريكية من أنصار ترامب.
كما أن قسما من الرأي العام المحلي يؤخذ على بايدن عدم قدرته على التواصل مع اليمين أو حتى إرضاء يسار حزبه، ما يعني أنه من الصعب حاليا إيجاد الوسط، علاوة على ارتدادات السياسة الخارجية على صورة الرجل.
فالخروج الأمريكي من أفغانستان شكل ضربة قاصمة للرئيس الأمريكي، علاوة على التوتر المتصاعد والمخاوف المتفاقمة بشأن التحشيد العسكري الروسي على حدود أوكرانيا وما يعنيه ذلك من إمكانية حصول تقاطع على أحد خطوط التماس.
توليفة معقدة محليا ودوليا، ولكن المؤكد وفق محللين هو أن عام بايدن الثاني في الرئاسة لن يكون يسيرا بالمرة وسط استمرار متوقع للاقتتال الداخلي في صفوف الديمقراطيين، وفي حال فوز الجمهوريين بمجلس أو مجلسي الكونجرس، فيمكن لبايدن أن يتوقع إطلاق تحقيقات في مجلس النواب أو حتى محاكمة بغرض العزل.
وضع "أكثر قتامة" باعتراف منه، ومع ذلك يبدو قويا وهو يؤكد: "لن أنسحب.. سأصمد" في أحد خطاباته، في نبرة مشحونة بكلمات ومعاني جديدة مختلفة لكنها تتقاطع عند أمر واحد وهو أن بايدن الهادئ اختفى للأبد.
aXA6IDMuMTM1LjE5MC4yNDQg جزيرة ام اند امز