قد تكون محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب مفاجأة، إلا أنها ليست بغريبة لو نظرنا إلى السياق التاريخي الأمريكي لمحاولات الاغتيال خلال السباقات الانتخابية..
أو المواقف الحادة في الصراع الراهن بين قادة الحزب الجمهوري والديمقراطي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
تصاعدت التحذيرات والتقارير عن مخاطر محتملة تصل إلى الحرب الأهلية، بسبب التصريحات العنيفة والاتهامات المتبادلة بين الرئيس جو بايدن وترامب، التي أثرت سلباً على مزاج الشعب الأمريكي، وكأننا نشهد حقبة خطيرة من جديد للولايات المتحدة، تختلف جداً عما عرفناه خلال العقود الماضية التي شهدت انقسامات واسعة بمختلف القضايا حينها، وتركت بصمات تاريخية سلبية في التاريخ الأمريكي الحديث.
لقد تعرض العديد من الرؤساء والمرشحين الأمريكيين لمحاولات اغتيال، من لينكولن إلى كينيدي وصولاً إلى ريغان، وبعضهم نجا بأعجوبة، في حين لم ينجح آخرون في النجاة، ما يسلط الضوء على التهديدات المستمرة التي تواجهها الشخصيات البارزة في أمريكا، وعلى الإجراءات اللازمة لحمايتهم من التهديدات المحتملة، سواء في أثناء فترة حكمهم أو بعدها.
وكانت صورة قبضة ترامب بعد نجاته من الاغتيال، بمثابة الصورة الأيقونية الخالدة التي قد ترمز إلى التضحية من أجل الوطن، وتعكس توترا سياسيا واجتماعيا غير مسبوق في الولايات المتحدة، تضاعفت به حدة الاستقطابات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والخلافات العميقة في الرؤى والتوجهات على صعيد السياسة الداخلية والخارجية.
المعركة الانتخابية بين ترامب وبايدن تختلف بشكل ملحوظ عن سابقاتها، بسبب التركيز على الجوانب الشخصية، كإثارة التساؤلات حول صحة بايدن وقدرته على أداء واجباته الرئاسية نظرًا لتقدمه في العمر، في حين تتركز الهجمات على ترامب حول إداناته القانونية والتحقيقات المتعددة التي يواجهها، في تحول من التركيز على السياسات والبرامج المستقبلية إلى اغتيال الشخصيات، ومحاولة تجريد كل مرشح من قدراته ووطنيته وأهليته، وتصويره كـ"عدو" أو "خائن"، في بلد تنتشر فيه الأسلحة بشكل كبير، ما قد يشكل بيئة خصبة لظهور مجرم منفرد أو مؤدلج، سواء كان ينتمي لليمين أو اليسار، ليرتكب عملاً عنيفًا ضد من يعتبره "خائنًا".
لقد أسهم أداء بايدن الضعيف في المناظرة الرئاسية الأولى، بالإضافة إلى محاولة اغتيال ترامب في مضاعفة حظوظ عودة ترامب للبيت الأبيض، ما فتح أبواب التكهنات حول مستقبل بايدن كمرشح ديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مع تزايد الضغوط عليه للتنحي بسبب أدائه وقدرته الذهنية والصحية على قيادة البلاد، والسماح لمرشح آخر بالترشح بدلاً منه، مثل نائبة الرئيس كامالا هاريس كبديل محتمل والتي تعرضت كذلك لانتقادات، ولا يبدو أنها قادرة على منافسة ترامب بحسب استطلاعات الرأي، أو قد يكون مرشحا مختلفا، ما يضع الديمقراطيين في وضع معقد مع قرب مؤتمر الحزب الديمقراطي، وإعلان إصابة بايدن بـ"كوفيد-19"، ما يعني ابتعاده عن المشهد خلال الفترة القليلة القادمة.
بينما يبدو المعسكر الجمهوري في موقف قوة، بعد الإعلان رسمياً عن ترشح ترامب للانتخابات الرئاسية الذي اختار بدوره السيناتور جي دي فانس من ولاية أوهايو نائبًا رئاسيًا له، ولعل بتقديري أبرز أسباب اختياره تكمن في أن ترامب يبحث عن شخصية مناسبة لتيار "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، وتستطيع الاستمرار في نفس الحراك ما بعد حياة ترامب السياسية، ما قد يعطي جي دي فانس تأثيراً بعيد المدى، بحيث يمكن أن يضمن وجوده في السياسة الأمريكية لفترة طويلة، ما يعني استمرارية الترامبية الوطنية، إن أردنا تسميتها بذلك، كما أن هناك توافقا واسعا بينهما في القضايا الداخلية، مثل الإجهاض والهجرة غير الشرعية وملفات التضخم والأسر المتوسطة، والملفات الخارجية مثل الوجود العسكري في الشرق الأوسط وإيران والاتفاقيات الإبراهيمية.
يفترض أن تهدأ الأجواء المشحونة للانتخابات ما بعد محاولة اغتيال ترامب، وهو ما اتضح في خطاب قيادات الحزبين مباشرة، وسيظل الرهان دائماً على منظومة المؤسسات الراسخة في الدولة التي يفترض أن تعمل لحماية البلاد من الانزلاق إلى الفوضى، وستكون الانتخابات المقبلة اختبارًا لهذه المؤسسات وقدرتها على الصمود.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة