تعقيدات جديدة بأزمة إطلاق سراح "عميل إسرائيل" في لبنان
تنحي رئيس المحكمة العسكرية في لبنان جاء على خلفية انتقادات له بعد حكم قضائي بحق عميل إسرائيلي سابق
تبدو أزمة إطلاق سراح عميل إسرائيلي سابق في لبنان مفتوحة على تعقيدات أكثر، مع تزايد الانتقادات حول الملف الذي يحمل بصمات صفقة بين مليشيا حزب الله والتيار الوطني الحر.
وجاء تنحي رئيس المحكمة العسكرية في لبنان القاضي حسن عبدالله عن مهامه أمس الجمعة كآخر تداعيات للأزمة إثر حملة انتقادات طالته بعد قراره إطلاق سراح العميل الإسرائيلي السابق عامر الفاخوري، المواطن الأمريكي لبناني الأصل المتهم بتعذيب سجناء أثناء احتلال إسرائيل للجنوب.
وقضى قرار المحكمة العسكرية، الذي صدر الإثنين، بكفّ التعقبات عن فاخوري، من جرم تعذيب سجناء في معتقل الخيام وتسبّبه بوفاة اثنين منهم.
وذكرت "الوكالة الوطنية للإعلام" أن رئيس المحكمة العسكرية تنحى عن مهامه في بيان رفعه إلى قائد الجيش العماد جوزيف عون، على خلفية الحملة التي تعرض لها مع أعضاء هيئة المحكمة، على أثر القرار الذي أصدره في قضية الفاخوري.
وجاء في بيان التنحي: "احتراما لقسمي وشرفي العسكري، أتنحى عن رئاسة المحكمة العسكرية، التي يساوي فيها تطبيق القانون إفلات عميل، ألم أسير وتخوين قاضٍ".
ولفتت الوكالة إلى أن العميد عبدالله أصرّ على قرار التنحي، على أن يستمر مؤقتا في تسيير الأمور الإدارية في المحكمة إلى حين تعيين الرئيس البديل، وأن يتولى نائب رئيس المحكمة البت بالأمور القضائية.
وتعرض عبدالله لانتقادات حادة وصلت إلى حد تخوينه، مع العلم أنه من مواليد الجنوب اللبناني وتحديدا منطقة الخيام التي كانت محتلة من إسرائيل، وكان فيها معتقل الخيام الذي بقي لسنوات سجنا للبنانيين اعتقلتهم إسرائيل.
وفي قرار الإفراج عن الفاخوري، اعتبرت المحكمة أن الجرائم المسندة إليه "تعذيب سجناء عام 1998"، سقطت بمرور الزمن العشري (أي مرور أكثر من عشر سنوات على وقوع الجرم)، وقررت إطلاق سراحه فوراً ما لم يكن موقوفاً بقضية أخرى.
وبعد ساعات، صدر قرار بتمييز "إعادة النظر" للقرار الأول، وبمنع سفر الفاخوري، الأمر الذي لم ينفذ.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الجمعة، أن الفاخوري في طريقه للعودة إلى الولايات المتحدة، وشكر الحكومة اللبنانية على تعاونها لإطلاق سراحه.
صفقة!
ومنذ اللحظة الأولى للإعلان عن قرار المحكمة تقاطعت معلومات عدة في لبنان عن أن الإفراج عن الفاخوري جاء نتيجة صفقة بين رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل وحزب الله.
ومن المعروف في لبنان أن قرارا كهذا لا يمكن أن يتخذ إذا لم يكن حزب الله موافقا عليه، في الوقت الذي يرفع راية محاربة إسرائيل وطالب بمحاكمة الفاخوري منذ وصوله إلى لبنان في سبتمبر/أيلول 2019.
ولفتت المعلومات إلى أن الصفقة جاءت مقابل ألا تفرض أمريكا التي طالب مسؤولوها مرارا بإطلاق سراح الفاخوري، عقوبات على حلفاء لحزب الله، إضافة الى تقديمها مساعدات إلى لبنان.
وكتب رئيس الحكومة حسان دياب على حسابه على تويتر أمس، قائلا: "لا يمكن أن تُنسى جريمة العمالة للعدو الإسرائيلي. حقوق الشهداء والأسرى المحررين لا تسقط في عدالة السماء بمرور الزمن".
كذلك استدعى وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتي، سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في لبنان دوروثي شيا، واستمع منها إلى شرح حول حيثيات وظروف إخراج عامر فاخوري من السفارة الأمريكية في عوكر إلى خارج لبنان.
من جهتها، أعلنت وزيرة الدفاع زينة عكر أنها ستعمل "على إقرار تعديل لقانون العقوبات بما يحول دون تطبيق مرور الزمن على أعمال العدوان على لبنان (المواد 273-274-275) وأيضاً إدخال الجرائم ضد الإنسانية ضمن أحكامه وهي بالمفهوم القانوني العام غير مشمولة بمرور الزمن”.
الفاخوري
والفاخوري قيادي سابق في مليشيا "جيش لبنان الجنوبي" تلاحقه دعوى رفعها عدد من المعتقلين السابقين في سجن الخيام، بجرم اعتقالهم وتعذيبهم، إلا أن قاضي التحقيق لم يستجوب الفاخوري بعد ولم تصدر مذكرة توقيف بحقه نظراً لوضعه الصحي بعد اكتشاف إصابته بداء السرطان أثناء توقيفه.
وغادر الفاخوري لبنان عام 1998، قبل عامين من الانسحاب الإسرائيلي. وفي العام ذاته، صدر حكم غيابي بحقه بالسجن لمدة 15 عاما مع الأشغال الشاقة لاتهامه بالعمالة لإسرائيل.
ورجحت وسائل إعلام محلية أن تكون عودته مرتبطة بسقوط إمكانية تنفيذ هذه الأحكام بفعل مرور الزمن.
وقال معتقلون سابقون إن الفاخوري تولى مسؤولية قيادية في معتقل الخيام، حيث تم سجن وتعذيب المئات من اللبنانيين والفلسطينيين خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لمنطقة الجنوب التي استمرت 22 عاماً حتى عام 2000.
واتهمت منظمة العفو الدولية "جيش لبنان الجنوبي" الذي كانت إسرائيل تموله وتسلحه بارتكاب أعمال تعذيب "منهجية"، لا سيما في معتقل الخيام.
وضمّت المجموعة نحو 2500 عنصر، وتشكلت إثر انشقاق وحدة من الجيش اللبناني عن القيادة عام 1976 خلال الحرب الأهلية (1975-1990) بعدما تمت محاصرتها في الجنوب، وراحت تقاتل المليشيات الفلسطينية واليسارية آنذاك.
وفرّ كثيرون من عناصر وأفراد عائلات المجموعة إلى إسرائيل في عام 2000.
aXA6IDE4LjExNy43NS41MyA= جزيرة ام اند امز