«فيا بالتيا».. شريان جديد يعزز قدرة الناتو العسكرية في شرق أوروبا

في قلب الجبهة الشرقية لأوروبا، حيث يلتقي التوتر العسكري بالتحركات الجيوسياسية، أعاد افتتاح طريق "فيا بالتيا" (Via Baltica) الحياة إلى واحد من أكثر المواقع حساسية في خريطة الناتو "فجوة سووالكي"، التي يصفها القادة العسكريون بأنها "كعب أ
تمتد فجوة سووالكي لمسافة نحو 40 ميلاً على الحدود بين بولندا وليتوانيا، وتفصل بين جيب كالينينغراد الروسي غرباً وبيلاروسيا شرقاً، لتشكّل الممر البري الوحيد الذي يربط دول البلطيق – إستونيا ولاتفيا وليتوانيا – ببقية حلفائها في الناتو جنوباً.
- أول مقاتلة ذاتية القيادة بالعالم.. نقلة تكنولوجية ومعضلة أخلاقية
هذا الشريط الضيق من الأرض، بحسب صحيفة التايمز، يُعدّ وفق محللين غربيين النقطة الأكثر هشاشة في الدفاعات الأطلسية، واحتمال اشتعال أي صراع فيه قد يغيّر ميزان القوى في شمال أوروبا بأكمله.
طريق "فيا بالتيا
في مراسم رسمية حضرها الرئيس البولندي كارول نافروتسكي ونظيره الليتواني غيتاناس ناوسيدا، تم تدشين طريق "فيا بالتيا" الذي يُعد تحديثاً لمحور النقل الدولي E67، الممتد من العاصمة التشيكية براغ إلى العاصمة الفنلندية هلسنكي.
ويمتد الطريق الجديد بطول حوالي 965 كيلومتراً بأربع حارات، رابطاً بين وارسو وتالين مروراً بليتوانيا ولاتفيا، ما يجعله شرياناً رئيسياً لحركة النقل المدني والعسكري على حد سواء.
فجوة سووالكي
لطالما اعتُبرت فجوة سووالكي منطقة توتر تاريخية بين روسيا من جهة، وبولندا وليتوانيا من جهة أخرى، منذ انضمام الدولتين الأخيرتين إلى الناتو.
ومع انطلاق العملية الروسية في أوكرانيا عام 2022، تصاعدت المخاوف الغربية من احتمال قيام موسكو بعملية عسكرية خاطفة عبر بيلاروسيا لربط أراضيها بجيب كالينينغراد الروسي، وهو ما قد يؤدي فعلياً إلى قطع دول البلطيق عن الإمدادات والدعم الغربي خلال ساعات قليلة.
ويقول خبراء في الأمن الأوروبي إن السيطرة الروسية على هذا الممر يمكن أن "تشطر الناتو إلى قسمين"، خصوصاً أن كالينينغراد تُعد من أكثر المناطق الروسية تسليحاً، حيث تضم أسطول البلطيق، وصواريخ إسكندر الباليستية، ومنظومات دفاع جوي متقدمة من طراز S-400، إلى جانب نحو 18 ألف جندي.
تعزيز الردع
إلى جانب الطريق الجديد، يجري العمل على مشروع ريل بالتيا (Rail Baltica) — وهو شبكة سكك حديدية حديثة تربط بولندا بفنلندا مروراً بدول البلطيق - ومن المتوقع الانتهاء منه بحلول عام 2030. ويهدف المشروع إلى ضمان نقل القوات والمعدات الثقيلة بسرعة بين قواعد الناتو في وسط أوروبا وشمالها.
كما أعلن التحالف عن خطط لتمركز خمسة آلاف جندي ألماني في قاعدة عسكرية دائمة بليتوانيا بحلول عام 2027، في خطوة اعتبرتها برلين "نقطة تحول استراتيجية" في الدفاع عن الجناح الشرقي للحلف.
كما تتخذ دول البلطيق إجراءات أكثر تشدداً؛ إذ أعلنت ليتوانيا نيتها زرع ألغام دفاعية على حدودها مع كالينينغراد وبيلاروسيا، فيما بدأت بولندا ولاتفيا وإستونيا وفنلندا إعادة النظر في التزاماتها بمعاهدة أوتاوا لعام 1997 الخاصة بحظر الألغام الأرضية، في مؤشر واضح على تصاعد القلق الأمني في المنطقة.
المناورات الروسية
في سبتمبر/أيلول الماضي، أجرت القوات الروسية والبيلاروسية مناورات ضخمة تحت اسم "زاباد 2025" ، وهي تدريبات تحاكي سيناريوهات مواجهة مع الناتو. وردّت وارسو على تلك المناورات بإغلاق حدودها مع بيلاروسيا، في حين أغلقت لاتفيا وليتوانيا مجالهما الجوي قرب الحدود، تحسباً لأي تصعيد مفاجئ.
ويرى محللون أن هذه التحركات المتبادلة تُظهر كيف تحوّلت فجوة سووالكي إلى منطقة اختبار استراتيجية لمدى استعداد الطرفين - الناتو وروسيا - لخوض مواجهة محتملة في قلب أوروبا.
ويبقى التحدي الحقيقي أمام الحلف هو ضمان أن تظل هذه المسارات صالحة وآمنة للاستخدام في أوقات الأزمات، وأن تُدعم بخطط إمداد لوجستية وحماية جوية فعالة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODYg
جزيرة ام اند امز