وجهة نظر مناخية.. "العمل عن بُعد" الطريق إلى مستقبل أكثر اخضراراً
هل العمل عن بعد أفضل بالفعل للبيئة؟
يتغير مشهد العمل بسرعة، وقد برز العمل عن بُعد كظاهرة قوية ومغيرة لقواعد اللعبة. مع تقدم التكنولوجيا وانتشار الاتصال في كل مكان،
أصبحت فوائد العمل عن بُعد واضحة بشكل متزايد.
العمل عن بعد
لقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى ظهور أكبر 'تجربة' للعمل عن بعد في التاريخ، مما أدى إلى تسريع الاتجاه طويل المدى نحو العمل المرن عن بعد والتحول الرقمي. ومن ثمَّ، ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يعملون من المنزل في الولايات المتحدة وحدها من 5% إلى 37% خلال ذروة الوباء. والآن، وفقاً لتقرير حديث، فإن 12.7% من الموظفين بدوام كامل في الولايات المتحدة يعملون من المنزل، مع 28.2% آخرين يستمتعون بمزيج من العمل من المنزل والمكتب. هذا التحول ليس مؤقتاً على الإطلاق، فمن المتوقع أن يتضاعف ثلاث مرات تقريباً مقارنة بما كان عليه قبل الوباء.
هذا، وتقوم الشركات بتجربة نماذج مختلفة للعمل عن بعد مع خروجنا من الأزمات. تظهر الاستطلاعات الأخيرة أن 91% من الموظفين عن بعد يرغبون في مواصلة عملهم المختلط أو عن بعد، ويقول76% منهم إن صاحب العمل سيسمح لهم بالعمل عن بعد في المستقبل.
ولكن ماذا يعني كل هذا بالنسبة لمدننا وكوكبنا؟ لا يتعلق الأمر فقط بتغيير شكل ومظهر مدننا؛ يمكن أن تكون خطوة كبيرة نحو مستقبل أنظف وأكثر صداقة للبيئة.
هل تريد معرفة ماذا يعني إجراء اجتماعات Zoom في غرفة المعيشة الخاصة بك (أو في أي مكان تريد العمل فيه) بالنسبة للأرض؟ دعونا نلقي نظرة على كيفية تأثير هذا الاتجاه على الفرد والكوكب، وكيف يمكن أن يحدث تغييرات نحو الأفضل.
- قرار جديد من مصر بشأن نظام العمل "أون لاين"
- الوظائف الخضراء وفجوة المهارات.. حان وقت الانتقال إلى قوة عاملة مستدامة
مزايا العمل عن بُعد
في الواقع، تُظهر الدراسات أن العمل من المنزل ليس مكسبًا واضحًا للبيئة؛ إذ يعتمد صافي تأثير الاستدامة على العديد من سلوكيات الموظفين، بدءًا من السفر إلى استخدام الطاقة وحتى الأجهزة الرقمية وإدارة النفايات. كما يعتمد أيضًا على عدة عوامل ظرفية مثل بناء المنازل والبنية التحتية المحلية. ومن هنا سيتم التطرق لأهم المزايا كما يلي:
- زيادة الإنتاجية
على عكس المفاهيم الخاطئة الشائعة، فقد ثبت أن العمل عن بعد يعزز الإنتاجية؛ حيث يمكن للموظفين التركيز على مهامهم بتركيز عالٍ دون تشتيت الانتباه والانقطاعات الموجودة غالباً في البيئات المكتبية التقليدية. علاوة على ذلك، فإن القدرة على العمل خلال ساعاتهم الأكثر إنتاجية، والمخصصة حسب التفضيلات الفردية، تؤدي إلى تعزيز الكفاءة والإنتاج. وجدت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد أن العاملين عن بعد شهدوا زيادة في الإنتاجية بنسبة 13% مقارنة بنظرائهم في المكاتب.
- تعزيز التوازن بين العمل والحياة
يوفر العمل عن بعد الحرية في خلق توازن متناغم بين العمل والحياة. ومن خلال القضاء على الحاجة إلى التنقل، يحصل الموظفون على مزيد من الوقت للأنشطة الشخصية والأسرة والرعاية الذاتية. وتعزز هذه المرونة قوة عاملة أكثر صحة وسعادة، وزيادة الإنتاجية، وتقليل مستويات التوتر، وتحسين الرفاهية العامة.
- وفورات في التكاليف
بالنسبة للموظفين وأصحاب العمل على حد سواء، يوفر العمل عن بعد وفورات كبيرة في التكاليف. مع عدم الحاجة إلى التنقل اليومي، يمكن للأفراد تقليل نفقات النقل ومواقف السيارات وملابس العمل. تقدر دراسة Global Workplace Analytics أن أصحاب العمل يمكنهم توفير ما يصل إلى 11 ألف دولار سنويًا لكل موظف يعمل عن بعد نصف الوقت. لا يمكن للشركات أيضاً الاستفادة من انخفاض التكاليف العامة، مثل استئجار المساحات المكتبية والمرافق والصيانة. ويمكن إعادة استثمار هذه الوفورات في التكاليف في مبادرات النمو، أو تطوير الموظفين، أو تحسين ظروف العمل.
هل العمل عن بعد أفضل بالفعل للبيئة؟
وفقاً للدراسة ذاتها التي أجرتها Global Workplace Analytics، إذا عمل الموظفون الذين لديهم وظائف متوافقة عن بعد نصف الوقت، فيمكن أن يقللوا من انبعاثات الغازات الدفيئة بمقدار 54 مليون طن متري سنوياً؛ حيث يساعد العمل عن بعد على تقليل انبعاثات الكربون بشكل كبير عن طريق تقليل التنقل والسفر ذي الصلة.
ومن خلال تبني ترتيبات العمل عن بعد، يمكن للشركات المساهمة في جهود الاستدامة والمساعدة في مكافحة تغير المناخ. يمتد التأثير البيئي الإيجابي إلى ما هو أبعد من المنظمات الفردية، مما يخلق حركة جماعية نحو مستقبل أكثر اخضراراً.
- انخفاض حركة التنقلات
ومن الواضح أنه باستخدام كمية أقل من الوقود، يتم إطلاق عدد أقل من غازات الدفيئة في الهواء. وهذا يعني تقليل الضباب الدخاني والتلوث، مما يؤدي إلى هواء أنظف للجميع. وقد أظهر الإغلاق، عندما كان التغيير مفاجئاً ومتطرفاً، مدى قوة تأثير السفر المحدود. ومع ذلك، لم يكن الأمر أكثر من مجرد إعطاء الأرض استراحة قصيرة، لأن التأثيرات لم تدم لفترة طويلة بما يكفي ليكون لها تأثير ملموس على تغير المناخ.
ومع ذلك، هناك مشكلة واضحة مثل حركة المرور لها تداعيات توضح مدى عمق هذه المشكلة وتعقيدها: فمع انخفاض عدد الأشخاص الذين يقودون سياراتهم، لا تتآكل الطرق ووسائل النقل العام بالسرعة نفسها. وهذا يعني تقليل العمل على إصلاحها واستخدام موارد طبيعية أقل لإجراء تلك الإصلاحات أو بناء طرق جديدة. إن التأثير البيئي لهذا الأمر ضخم، وربما لا يكون واضحًا للوهلة الأولى.
- استهلاك الطاقة
يمنح العمل عن بعد الأشخاص مزيداً من التحكم في كيفية استخدامهم للطاقة. وهذا يعني أنه يمكنهم اختيار تركيب الألواح الشمسية أو الأجهزة الموفرة للطاقة، أو أنهم ببساطة أكثر حرصاً بشأن إطفاء الأضواء والأجهزة عندما لا تكون قيد الاستخدام. إلى جانب المكاتب التي تستخدم طاقة أقل، يمكن أن يساعد هذا حقاً في تقليل الاستخدام الإجمالي للطاقة، وبالتالي التلوث.
- التخطيط الحضري والاستدامة
يتيح العمل عن بعد أيضاً إعادة تشكيل مدننا. تخيل كيف يمكن أن تتغير الطريقة التي نبني بها المجتمعات ونخطط لها إذا تمكن الأفراد من العمل حيث يعيشون. إنه يؤدي إلى طريقة جديدة للتفكير في المكان الذي نعيش فيه؛ حيث يبتعد الأفراد عن مراكز المدن المزدحمة وينتشرون بشكل أكثر توازناً.
وهذا يعني أن المدن والضواحي وحتى المناطق الريفية تحتاج إلى الاستعداد لطرق جديدة للمعيشة. عليهم أن يخططوا لأشياء مثل المكان الذي سيعيش فيه الأفراد، وأين يمكنهم ركوب الحافلة أو القطار، وأين يمكنهم الاستمتاع ببعض الهواء النقي في الحدائق. وكل هذا يجب أن يتم بطريقة مخططة بعناية ولها تأثير بيئي محدود.
الحاجة إلى سياسات داعمة
لم يعد العمل عن بعد مجرد اتجاه، بل تحول لإجراء تحويلي في طريقة عملنا. لا يمكن إنكار مزايا العمل عن بعد، بدءاً من تحسين التوازن بين العمل والحياة وزيادة الإنتاجية ووصولاً إلى توفير التكاليف والفوائد البيئية. ومن خلال تبني نموذج العمل المرن هذا، يمكن للأفراد والمنظمات فتح عالم من الإمكانيات، مما يؤدي إلى بيئة عمل أكثر كفاءة واستدامة وإرضاءً.
بينما نحتضن مستقبل العمل، فإن العمل عن بعد يمثل شهادة على قدرتنا على التكيف والابتكار والازدهار في عالم سريع التطور.
ولكن هناك مشكلة: علينا أن نكون أذكياء. نحن بحاجة إلى إيجاد حلول إبداعية والالتزام الحقيقي بالعيش والعمل بطريقة تساعد كوكبنا. وهذا يعني التفكير بعناية في كيفية استخدامنا للطاقة، وكيفية تنقلنا، وكيفية بناء منازلنا ومجتمعاتنا.
لذا فإن السؤال الآن هو: كيف يمكننا تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الفرصة لجعل العالم مكاناً أفضل؟
aXA6IDMuMTQzLjIxOC4xODAg جزيرة ام اند امز