تعويضات الكربون.. بين مراجعة آليات التنفيذ والضرورة المناخية
أسواق الكربون الطوعية أو تعويضات الكربون من الآليات غير الإلزامية المستحدثة التي لجأ إليها العالم للحد من الانبعاثات.
تحولت تلك السوق لاحقا إلى صناعة واستثمارات قائمة بذاتها، ينظر إليها خبراء مناخ واقتصاد كضرورة مناخية مستحدثة لمواجهة الاحتباس الحراري وتغير المناخ.
وتشير التقديرات إلى حجم تعاملات يتجاوز ملياري دولار سنويا في هذه السوق لتوفير طريقة للشركات والمؤسسات وحتى الأفراد لتعويض انبعاثاتهم وبصمتهم الكربونية، عبر شراء وبيع الاعتمادات التي تمثل تخفيضات في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
- دول مجموعة العشرين.. أرقام "سلبية" بشأن تلوث الكربون عن كل فرد
- محمود محيي الدين في "قمة نيروبي": أسواق الكربون الأفريقية مهمة لتمويل العمل المناخي والتنموي
وارتفعت الاستثمارات في مشاريع ائتمان الكربون ولكن لا تزال هناك فجوة كبيرة لتحقيق الأهداف المناخية لعام 2030، فهناك حاجة إلى تمويل عاجل لسد العجز البالغ 90 مليار دولار وتسريع الانتقال إلى مستقبل صافي الصفر.
لكن تقارير ودراسات حديثة انتقدت افتقار هذه السوق إلى الشفافية والمساءلة والمعايير الكمية الواضحة والضمانات اللازمة لتحقيق الأهداف المناخية والبيئية مما قد يؤدي إلى بيع أرصدة الكربون لا تمثل تخفيضات حقيقية للانبعاثات.
كما يخطط البرلمان الأوروبي لحظر استخدام المطالبات البيئية القائمة فقط على خطط تعويض الكربون اعتبارا من العام المقبل ، في حين أن مسودة معايير الإبلاغ عن الكربون في الكتلة تتطلب من الشركات الإبلاغ عن بصمتها الكربونية قبل طرح أي أرصدة كربونية أو تجنب الانبعاثات.
انخفاض الطلب
تقلصت أسواق الكربون الطوعية للمرة الأولى منذ سبع سنوات على الأقل مع قيام شركات من بينها شركة نستله العملاقة للأغذية ودار الأزياء جوتشي بخفض مشترياتها، ووجدت دراسات أن العديد من مشروعات حماية الغابات لم تحقق وعودا بتوفير الانبعاثات.
وتسبب عدد من الدراسات السلبية حول أرصدة الكربون في قلق كاف لبعض الشركات لإيقاف الشراء مؤقتا وانتظار المزيد من الإرشادات حول نوع الاعتمادات التي يجب أن تشتريها.
ويعد الحفاظ على الغابات أمرا بالغ الأهمية لتحقيق الأهداف الدولية للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية لمنع العواقب الأكثر تطرفا للاحترار العالمي.
انخفاض الطلب على أرصدة الكربون بمثابة أخبار سيئة للدول الفقيرة التي ستخسر إذا تباطأ تدفق الأموال من الشركات متعددة الجنسيات لتمويل مشاريع التخفيف من آثار تغير المناخ.
كينيا على سبيل المثال تسعى إلى أن تصبح مركزا للتداول في تعويضات الكربون، التي تستند إلى مشاريع مثل زراعة الأشجار للتخفيف من غازات الدفيئة التي تولدها الشركة.
وأصبح الطلب على أرصدة الكربون في طريقه للانخفاض في عام 2023، حيث انخفض عدد الائتمانات التي تستخدمها الشركات بنسبة 6٪ في النصف الأول من العام، وهو أول انخفاض في سبع سنوات على الأقل.
أظهرت البيانات الصادرة عن شركة "Ecosystem Marketplace" الاستشارية في مجال أرصدة الكربون انخفاضا أكثر حدة بنسبة 8٪ خلال نفس الفترة.
شركة غوتشي على سبيل المثال قالت في بيان لها إنها بصدد مراجعة استراتيجيتها المناخية والتزاماتها بهدف تحقيق التأثير العام الأكثر إيجابية.
في حين قالت نستله، التي لم تكشف أيضا عن إنفاقها على التعويضات، إنها ستتوقف عن استخدام تعويضات الكربون وتبحث عن طرق أخرى لتحقيق صافي الصفر.
أزمة ثقة
كشف تحقيق مشترك أجرته صحيفة "الغارديان" البريطانية و"دي تسايت" الأسبوعية الألمانية والصحافة الاستقصائية غير الربحية "سورس ماتريال" عن إحصائيات حول أحد معايير الكربون الرائدة في العالم وهي شركة "فيرا".
وكشف التحقيق أن أكثر من 90٪ من ائتمانات تعويض الغابات المطيرة للشركة التي تتخذ من واشنطن العاصمة مقرا لها كانت "عديمة القيمة".
وزعمت فيرا، التي استخدمت أرصدة الكربون الخاصة بها من قبل شركات مثل ديزني وشل وغوتشي وإيزي جيت وليون وبي إتش بي (من بين عشرات الشركات الأخرى)، أنها خفضت 90.9 مليون طن من انبعاثات الكربون - لكن التحليل وجد أنه تم بالفعل تحقيق 5.5 مليون طن فقط من التخفيضات.
بالإضافة إلى ذلك، وجد الباحثون أن 94٪ من الاعتمادات التي أنتجها 29 من مشاريع Verra لم تقدم أي فائدة للمناخ، وما كان ينبغي الموافقة عليها أبدا.
دراسة أخرى قامت بها جامعة كاليفورنيا حول مشروع تجارة الكربون في بيركلي قالت إن مشاريع "Redd +" من فيرا ليست مناسبة للغرض ومفتوحة للاستغلال.
وأشارت إلى أن خطط الحفاظ على الغابات المطيرة هذه ليست نهجا مناسبا لتعويض الكربون وتدعو إلى طرق مختلفة لحماية النظم البيئية مثل حوض الأمازون والكونغو، متهمة "فيرا" بالإبلاغ عن تأثيرات بيئية مبالغ فيها للغاية.
واستندت هذه النتائج إلى خمسة عوامل جودة لمشاريع "Redd +" وهي المتانة، ومحاسبة كربون الغابات، والضمانات المجتمعية، وتسرب إزالة الغابات، وخطوط الأساس. وجد الباحثون أوجه قصور واسعة النطاق في كل هذه المقاييس.
لم يكن لغالبية هذه الائتمانات تأثير إيجابي على البيئة، وكثيرا ما قللت المشاريع من خطر إزاحة إزالة الغابات في مكان آخر. وجد أن المدققين فشلوا في فرض قواعد فيرا الخاصة بشأن توليد أرصدة الكربون.
علاوة على ذلك، وجدت الدراسة أن بعض مشاريع "Redd +" التابعة لفيرا أدت إلى تشريد مجتمعات الغابات الضعيفة، على الرغم من الضمانات التي تم تصميمها لمنع إلحاق الأذى بهؤلاء السكان.
من جانبها، أكدت فيرا التزامها بالشفافية وبناء نظام بيئي من العمليات والعلاقات لتطوير معايير ومنهجيات توافقية تدعم العمل المناخي.
واعتبرت أن الغالبية العظمى من النتائج والتوصيات الصادرة عن هذا البحث تتماشى مع العمل المكثف والمنهجي لتحديث برنامج معيار الكربون المعتمد (VCS) الذي نفذته فيرا على مدار العامين الماضيين.
ضرورة سوق الكربون الطوعي
نمت سوق الكربون الطوعية مع تعرض المزيد من الشركات لضغوط من المساهمين لاعتماد سياسات صافي الانبعاثات الصفرية.
وبلغت قيمة السوق حوالي ملياري دولار العام الحالي وتوقعت شل ومجموعة بوسطن الاستشارية بشكل مشترك في يناير/كانون الثاني أنه قد يصل إلى 10 مليار دولار بحلول عام 2040.
وكافحت أرصدة الكربون لفترة طويلة لإلهام الثقة، رغم انتقادات جماعات بيئية والقول إنها تسمح للشركات بالظهور وكأنها تتخذ إجراءات مناخية في حين أنها في الواقع لا تخفض الانبعاثات.
وتقول شركة الاستشارات "Normative" ومقرها ستوكهولم، والتي تساعد الشركات على حساب بصمتها الكربونية، إن العملاء أصبحوا حذرين من استخدام الائتمانات ويفهمون أنه بدون العناية الواجبة المناسبة لما يشترونه، فإنهم يخاطرون باتهامهم بالغسل الأخضر.
وتؤكد الشركة "أنت بحاجة إلى تقليل الانبعاثات وهذه هي الطريقة التي سيتم الحكم عليك بها في السوق عندما تكشف عن انبعاثات الكربون الخاصة بك."
وتعد الاستثمارات في تطوير مشاريع ائتمان الكربون إشارة مهمة في السوق تشير إلى مستويات العمل المناخي للشركات.
ومع ذلك، فإن النقد المفرط للجودة قد يردع الشركات عن الانخراط في التزامها الطوعي بدعم أرصدة الكربون.
وهذا بدوره قد يقوض الإجراءات المناخية الطوعية الحاسمة من الشركات الكبيرة.