فان جوخ.. إبداع من قسوة الحياة
لم تكن مسيرة فان جوخ مستقرة وهادئة، بل عاش حياة صعبة وقصيرة، اتسمت بتحولات عدة، ولكنه أبدع لوحات تثير منتهى الإعجاب حتى اليوم
مرّت الإثنين ذكرى رحيل الفنان فينسنت فان خوج، الذي يعد واحداً من أبرز وأشهر الرسامين في العالم، إذ منحته لوحاته مكانةً مميزة بين المبدعين.
لم تكن مسيرة فان جوخ مستقرة وهادئة، بل عاش حياة صعبة وقصيرة، اتّسمت بتحوّلات عدة.
وبدأت معاناته في سن الـ20، عندما ذهب ليعمل فى لندن تاركاً مسقط رأسه هولندا وراءه، حيث انطلقت رحلة شقائه حين اشتغل في مدينة الضباب لدى سيدة لها ابنة تُدعى أورسولا.
كانت فتاة بديعة الجمال، رومانسية وحالمة، تعلّق بها فان جوخ وصارحها بحبه، غير أنها انزعجت تماماً وعاملته بقسوة، فهو صاحب هيئة مخيفة، وتعلو رأسه خصلات الشعر الأحمر المتهدّل، عيناه زرقاوان غائرتان بشدة وجسمه نحيل جداً.
ونتيجةً لذلك لم تقسُ أورسولا عليه فقط، بل تعمّدت أن تُخفيَ نفسها عنه، وبدلًا من أن يكرهها فان جوخ أحبّها أكثر وتعلّق بها إلى درجة مخيفة، واستمر يطاردها ويتوسل إليها ولكنها صدّته حتى النهاية.
وبسبب حالته السيئة وقتها، نقله مديره في العمل إلى فرع الشركة بالعاصمة الفرنسية باريس، وفق ما ورد ضمن كتاب "موسوعة أشهر المنتحرين في العالم".
ولم يكد فان جوخ يستقر في باريس حتى عاد أدراجه نحو لندن، وهناك استحضر ذكرياته البائسة مع أورسولا، وبدأ يرسم متذكراً حبيبته التي لم تلتفت إليه، ولكنه قصدَها برسوماته ممنياً النفس بلقاء مختلف بعد أن تغيّر شأنه وأصبح فناناً.
بيد أن أورسولا بالغت في إهانته أكثر، داسته بقسوة دغدغت ثقته بنفسه تماماً، ما جعله يغادر إلى بلجيكا، ثم هولندا حيث انشغل بالرسم ومنحه كامل وقته.
قابل فان جوخ لاحقاً فتاة ليل شديدة الشبه بحبيبته أورسولا، وبعد أن تعوّد عليها تمنّعت عنه ورفضت رؤيته مجدداً، فأمسك موسى وقطع أذنه، في حادثة أثارت ذعر الجميع.
وخلال 18 شهراً عانى من اضطرابات نفسية وعقلية، وعدم القدرة على التعبير عن نفسه بشكل مترابط، طوال أيام وأسابيع، غير أنه نعِم أثناء الأزمات بفترات من الهدوء ووضوح الفكر، أتاحت له رسم 75 لوحة بالفرشاة والألوان السائلة، وأكثر من 100 لوحة بالقلم أو الفحم في 70 يوماً فقط.
وفي الأشهر الأولى من عام 1885، واصل فان جوخ إنتاج سلسلة اللوحات حول الفلاحين، نظر إليها كوسيلة تطوّر من فنّه وترفع مستوى إبداعه، تحضيراً لأكثر أعماله نجاحاً.
واستطاع إنتاج لوحته العظيمة "آكلو البطاطا"، وهي أول قطعة جلبت إليه الأنظار وعرّفَت الناس بقيمة إبداعه.
وحاول فينسنت فان جوخ في أعماله أن يلتقط أكبر قدر ممكن من الضوء، كما أبرَز تماوج طيف الألوان كالطبيعة الصامتة، وباقات الورود والشمس ضمن اللوحات الشخصية، والجسور وحقول القمح والليل المتلألئ بالنسبة إلى اللوحات المنظرية.
وعلى الرغم من ذلك، انتابه شعور متزايد بالوحدة والقلق، وبات مقتنعاً بأن حياته ليست سوى فشل متراكم.
وفي نهاية المطاف، تحصّل على مسدس صغير الحجم، يعود إلى صاحب المنزل الذي كان يقيم فيه بمنطقة أوفير، وأقدم على الانتحار وسط الحقول.
وعُرِض المسدس قبل أشهر عدة في متحف أمستردام، كما كتب شقيقه ثيو لزوجته قائلاً: "بقيت إلى جانبه حتى انتهى كل شيء.. كان آخر ما ذكره (هذه الشاكلة التي أردت أن أمضي بها)، ثم لم تمر ثوانٍ قليلة حتى انتهى الأمر ووجد السلام الذي لم يجده على الأرض".
كما عُرِضت رسالة كتبها الطبيب الذي عالج فان جوخ في آرل، ويُدعى فِليكس رَي، وتتضمن رسماً بيانياً يوضّح بدقة الجزء الذي بتره الرسام الشهير من أذنه اليسرى.
ويعدّ فان جوخ من رواد المدرستين الانطباعية والوحشية، توجد أهم أعماله في متحف "أورساي" بباريس، ومتحف "فان جوخ" الوطني في أمستردام، فضلاً عن متحف "اللوفر أبوظبي".
ومؤخراً أعادت الثقافة العربية اكتشافه حين تمكّن مترجمان مصريان من نشر ترجمات عربية لرسائله شبه الكاملة، وهي التي كتبها لأخيه ثيو، وتعتبر مصدراً رئيسياً من مصادر الولوج إلى عالمه.
صدرت ترجمة لنحو 700 رسالة عن "دار كتب خان" للشاعرين ياسر عبداللطيف ومحمد مجدي هيرمس، وأعاد الشاعر البحريني قاسم حداد أيضاً تأويل سيرته في كتاب بديع عنوانه "أيها الفحم يا سيدي"، نال عنه "جائزة أبوالقاسم الشابي" في تونس.
وتزامن هذا الاهتمام مع ظهور فيلمين سينمائيين من نوع الرسوم المتحركة، سلّطا الضوء على حياة المبدع فان جوخ التي لم تتجاوز 37 عاماً فقط.
aXA6IDMuMTQ0LjI1LjI0OCA= جزيرة ام اند امز