"المخبر السري" وألغام أخرى وراء تعطيل قانون العنف الأسري في العراق
رغم محاولة إقراره في أكثر من دورة تشريعية سابقة، ما زال قانون العنف الأسري في العراق موضع خلاف بين القوى الإسلامية والتيارات المدنية.
وعادة ما تحرك حوادث العنف، التي يشهدها المجتمع العراقي بين الحين والآخر، الحاجة إلى إقرار القانون ودفعه إلى الواجهة مجدداً، وكان آخرها قضية هزت الأوساط الشعبية والعامة بشأن طفل يعنف من قبل نساء في كربلاء بدوافع خلاف مع والدته.
وتتمثل مواقع الخلاف بشأن إقرار قانون العنف الأسري حول بنود يعتقد البعض أنها تتعارض مع الدستور والفقه الإسلامي، فضلاً عن الادعاء بأنها مفاهيم غريبة عن المجتمع العراقي.
وكانت رئاسة الجمهورية العراقية أرسلت في سبتمبر/أيلول 2019 مسودة مشروع قانون لمناهضة العنف الأسري إلى البرلمان تمهيداً لمناقشته وإقراره، تضمن تشكيل لجنة عليا من قبل مجلس الوزراء لتولي المهام التنفيذية لمنع وقوع تلك الحوادث والتحقيق فيها.
وفي أغسطس/آب الماضي، رفع مجلس الوزراء مسودة أخرى لقانون العنف الأسري إلى مجلس النواب تضمنت بنوده أكثر جدلية من قانون رئاسة الجمهورية.
وإلى الآن لم تمض أي من المسودتين المرسلتين من رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء إلى مجلس النواب، رغم ارتفاع معدلات العنف غير المسبوقة في العراق.
تقول عضو لجنة المرأة في مجلس الوزراء، بشرى زويني، إن مسودة قانون مناهضة العنف وحماية العائلة العراقية ليس أكثر من كونه تدبيرا وقائيا واحترازيا لتحصين المجتمع من تلك الأفعال.
وتوضح زويني لـ"العين الإخبارية" أن "المشرع العراقي يجرم أفعال العنف الأسري، وقد أشار له في مواضع عدة وهنالك قوانين العقوبات والأحوال الشخصية وحماية الأحداث، التي تعني جميعاً بحماية العائلة العراقية، لكن التشريع الجديد المطروح أمام البرلمان يأتي لتدعيم تلك النصوص بما يعزز تطبيقها وصيانة جميع مفرداتها التشريعية".
وتستدرك بالقول، إن المادة الـ29 من الدستور العراقي تنص على أن الدولة تكفل حماية الأسرة وفق الأطر الوطنية والأخلاقية والشرعية، غير أن القانون الجديد المطروح للنقاش افتقد إلى التعريف الدقيق لبعض النصوص، من بينها العنف ومسؤوليات أولياء الأمور تجاه الأبناء.
وتتابع: "نحن مع التسليم بأهمية هذا القانون وضرورة إقراره، لكن ليس بصيغته الحالية، لأنها تتطلب تعديل الكثير من البنود التي تتفق مع واقعنا التشريعي والإسلامي والمجتمعي"، لافتة إلى أنه "بموجب هذا القانون قد يسلب من الوالدين حق توبيخ أبنائهم حتى إذا لمسا منهم حالات تطرف سلوكي أو ديني".
ويتفق مع ذلك الخبير القانوني علي التميمي، إذ يقول إن "القانون لم يراعِ عادات وتقاليد المجتمع، إذ تفيد المادة 11 "منع من يُخشى منه ارتكاب العنف الأسري من دخول الدار لمدة ٤٨ ساعة قابلة للتجديد لحماية طالب الحماية".
ويجد التميمي صعوبةً في تطبيق هكذا قانون، لأن البلد تحكمه التقاليد، كما "أن منع الدخول على النوايا والظنون لا وجودَ قانونيٌ له، لأن القانون يحكم على الركن المعنوي والمادي، وليس على النوايا".
فيما يرى الخبير القانوني طارق حرب أن قانون العنف الأسري بكلا المسودتين لا يتعارض مع بنود الدستور ولا يتضاد مع النصوص الإسلامية، وأن الموضوع متعلق بجدية الموضوع المطروح ومزاج الأحزاب السياسية، خصوصاً الإسلامية منها.
ويقول حرب لـ"العين الإخبارية" إن القانون العراقي ومنذ تشريعه جرم أفعال العنف، كما جرم غيرها من موضوع الاتجار بالبشر والقذف والشتم وغيرها من المواقف، وبالتالي فإن مسودة جرائم العنف هي نصوص استلت من تلك التشريعات القديمة ولا تحمل في طياتها أي تضاد.
ويشير حرب إلى أن الموضوع برمته جاء كـ"موضة حديثة"، تماشياً مع المفاهيم السائدة في المجتمعات الديمقراطية التي تعني بحقوق المرأة والطفل والرأي وغيرها.
وبشأن الجدل بين الفريقين بخصوص بنود مسودة قانون العنف الأسري، يؤكد الخبير القانوني أن "الأحزاب الإسلامية تخشى من الذهاب باتجاه هذا التشريع لكونه يحمل شكلاً جديداً في المفاهيم والعناوين القانونية وليس خلافاُ على بواطن فقراته".
ويكشف عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية علي البياتي عن تسجيل 15000 قضية عنف أسري في العراق خلال عام 2020، بشكل عام، وإصدار 4000 مذكرة إلقاء قبض.
ويشدد البياتي لـ"العين الإخبارية" على ضرورة المضي بإقرار قانون يحد من جرائم العنف الأسري في ظل ارتفاع معدلاتها مؤخراً وتداعيات ذلك الأمر على واقع المجتمع العراقي.
ويقول: "لا يمكن بناء دولة مؤسساتية دون تحصين العائلة بشكل خاص والمجتمع على وجه العموم من شر تلك السلوكيات".
ويدعو البياتي إلى ضرورة التركيز على "توفير دور إيواء كريمة لضحايا العنف الأسري في حال فقدانهم للسكن أو تعرضهم للعنف".
إلا أن عضو لجنة المرأة في مجلس الوزراء، بشرى زويني، ترى أنه من الضروري إخضاع الجناة من أرباب العوائل المعنفين لأسرهم للإيداع في دور ومصحات نفسية وعقلية لمعالجة ذلك السلوك المقيت والمنبوذ، على حد قولها.
وبشأن دور الإيواء، تؤكد زويني أن الدولة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية لا تملك القدرة على توفير تلك المتطلبات، وبالتالي فإن غياب البنى التحتية لتوفير أماكن آمنة للمعنفّين يعطل من سريان القانون حتى وإن تم إقراره".
في المقابل، ترى الباحثة الاجتماعية سهاد حمزة أن غياب التشريعات وطغيان الأعراف والتقاليد الاجتماعية والقبلية سمحت بارتفاع معدلات العنف الأسري، خاصة ضد الطفل والمرأة دون وجود لأي معالجات من شأنها حماية هؤلاء.
وتتهم حمزة جهات تشريعية بتعمد وضع بنود خلافية مثيرة للجدل في مسودة قانون العنف الأسري بغرض تعطيل إقراره، بما ينسجم مع بعض المصالح الحزبية، خاصة الإسلامية منها.
وتؤكد أن القانون تضمن تعريفات عائمة لم تحدد نوع العنف وموجبات استخدامه. وتشير إلى أن تعريف المادة الأولى للعنف بحسب مسودة رئاسة الوزراء، جاءت على أنه "كل أذى نفسي جسدي يصيب الفرد داخل الأسرة"، وهو توصيف مطلق وإحاطة مترهلة بالمفهوم، بحسب قولها.
وفي فقرة خلافية أخرى ضمن المادة الثامنة التي وردت في المسودة الحكومية، يحذر خبراء في القانون من خطورة ذلك التضمين الذي يعد أقرب إلى "المخبر السري".
وتجيز المادة الـ8 "تحريك الشكوى لكل من علم بوقوع حادثة عنف"، وهو ما يثير الريبة في توجيه تهم كيدية مبنية على الكره والخصام مع المتهمين بتعنيف أسرهم.
وتساعد الأحكام القبلية وشيوع الأعراف الاجتماعية في السكوت وغض النظر عن الكثير من جرائم التعنيف الأسري التي لا تسمح بوصول المعنّف إلى دوائر الأمن والقضاء بتسجيل شكوى وتقييد الاعتداء عليه.
وعادة ما تكون للمرأة العراقية النصيب الأكبر من جرائم التعنيف التي يصل بعضها إلى القتل تحت مسميات عرفية تعرف بـ"غسل العار"، وقضايا الشرف. وتتعامل الدوائر القضائية مع هكذا حالات جرمية بعقوبات لا تتجاوز الحبس 6 أشهر بحق الجاني، ضمن ما يعرف بالحق العام.
وأبدت أحزاب إسلامية رفضها الحاد لبنود قانون جرائم العنف الأسري، آخرها كان بتحريك الشارع العراقي نحو مظاهرات وسط بغداد للمطالبة بعدم إقراره بذريعة أنه "محاولة لاستلاب دور الآباء" وتغريب المجتمع العراقي، أي إعادة صياغته بصبغة غربية.