وديع الجريء.. رجل قطر الذي أفسد كرة القدم في تونس
وديع الجريء اسم ارتبطت أحرفه باتهامات الفساد في الكرة التونسية على مدار السنوات الماضية، سواء كان هذا الفساد إداريا أم ماليا.
أزمات متتالية عاشتها الكرة التونسية في عهد الجريء، بداية من محاولة السيطرة على الحكام لتحقيق مصالح شخصية، مرورا بإثارة الفوضى من خلال اتخاذ قرار عنتري بإقصاء هلال الشابة من الدوري التونسي دون وجود سبب مقنع، وانتهاء بتسييس الكرة التونسية وتسهيل الاختراق القطري لها، في ظل تبعيته الواضحة لحزب النهضة الموالي لها.
"العين الرياضية" تسلط الضوء على الأزمات التي تسبب فيها وديع الجريء للكرة التونسية، والتي تسببت في إفساد واحدة من أقوى المسابقات على المستويين العربي والأفريقي، وذلك بالاستعانة ببعض التحقيقات التي أجرتها صحيفتا "الشروق" و"الشارع المغاربي" التونسيتان، بالإضافة إلى شهادات العديد من العاملين في الحقل الرياضي، مثل الحكم الدولي السابق مكرم اللقام، ورضا شرف الدين رئيس نادي النجم الساحلي.
التحكم المبكر
وبدأت محاولات الإفساد منذ فترة بعيدة، حين حاول وديع الجريء وضع يده على التحكيم، من أجل تسييره على الوجه الذي يخدم مصالحه الشخصية، وهو ما حدث بالفعل.
مكرم اللقام، الحكم الدولي الأسبق، أكد في تصريحات تلفزيونية أن الجريء يتحكم بشكل كامل في هذا القطاع، من خلال تعيين بعض الحكام المحسوبين عليه لمباريات بعينها، ومعاقبة البعض الآخر في حال عدم تماشيهم مع أهدافه الخاصة.
ووفقا لرواية رضا شرف الدين، رئيس نادي النجم الساحلي، في تصريحات تلفزيونية، فإن خلافه المعلن مع رئيس الاتحاد التونسي الذي ما زال متواصلا، تسبب في خسارته لقب الدوري لموسم 2014-2015 لصالح الإفريقي، بعد أن تعرض بحسب تصريحاته لظلم تحكيمي خلال الجولات الأخيرة من عمر هذا الموسم.
أحد حكام الدوري التونسي الذي تحفظ على ذكر اسمه تحدث لـ"العين الإخبارية" عن مسألة وضع يد الجريء على قطاع التحكيم، حيث قال في هذا الصدد: "لم يكن وديع الجريء قادرا على بسط نفوذه وسلطانه على الكرة التونسية لو لم تكن له من الآليات الكافية للتربع على قطاع التحكيم".
وأضاف: "المسألة كانت واضحة بالنسبة له، وهي وضع مسؤولين متنافرين فيما بينهم على رأس إدارة التحكيم ومختلف اللجان، وذلك بهدف ضمان الولاء والطاعة له، وحتى لا يخلق وحدة في الصف التحكيمي".
أحدث الأزمات
آخر تلك الأزمات التي تسبب فيها وديع الجريء للكرة التونسية، تلك الأزمة المتعلقة بإقصاء نادي هلال الشابة من الدوري المحلي.
وكان الاتحاد التونسي لكرة القدم قرر استبعاد نادي هلال الشابة من منافسات الدوري خلال الموسم المقبل، بسبب بعض المتعلقات المالية التي لم تقم إدارة النادي بسدادها خلال الفترة الأخيرة.
وأعلن اتحاد الكرة التونسي عن إقامة دورة رباعية بين أندية شبيبة القيروان وحمام الأنف، رغم هبوطهما للدرجة الثانية، وقوافل قفصة وأولمبيك سيدي بوزيد بالدرجة الثانية، لتحديد الفريق الذي سيعوض تواجد هلال الشابة خلال الموسم القادم.
ويجمع العديد من المتابعين أن هذه العقوبة تأتي في إطار تصفية الحسابات مع رئيس الفريق الساحلي، توفيق المكشر، الذي تعود على انتقاد وديع الجريء بطريقة لاذعة.
وعاشت مدينة الشابة احتجاجات شعبية كبيرة بسبب هذا القرار حيث تم إغلاق الطرقات، كما قام أهالي المدينة بتنظيم رحلات بحرية لإيطاليا، احتجاجا على قرار الاتحاد التونسي لكرة القدم باستبعاد ناديهم من الدوري التونسي.
الأزمة الأكبر
من ناحية أخرى، لعب وديع الجريء دورا كبيرا في تسهيل الاختراق القطري في تونس لأهداف شخصية، في ظل تواجد طموحات قوية لديه من أجل لعب دور سياسي في المستقبل، وهو ما أكده موقع "يونايفار نيوز" الذي نشر مقالا في هذا الصدد، جاء عنوانه: "“قطر تبتلع الأندية الرياضية، وحركة النهضة تمهد الجسر للتدخل القطري إلى تونس".
وقال المقال نصا عن هذا الأمر: "الرياضة دائما مثلت هدفا سياسيا، وهذه الظاهرة لا تقتصر على البلاد التونسية فقط بل نجد هذه الظاهرة في إيطاليا وإسبانيا وغيرها من البلدان، مما يجعلنا نؤكد على أهمية الدور الذي اضطلع به وديع الجريء رئيس الاتحاد التونسي لكرة القدم بالاشتراك مع راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في إنجاز تلك المهمة".
وأضاف المقال: "الهدف من ذلك هو خلق برنامج سياسي بامتياز، له بعدان؛ أولهما أن الجريء يجهّز نفسه للعب أدوار متقدمة سياسيا، أما البعد الثاني، فيتمثل أساسا في أن رئيس حركة النهضة يسعى إلى جعل الجمعيات الرياضية بمثابة خزان يمده بقوائم انتخابية مستقلة في الانتخابات التشريعية القادمة".
الجريء الذي يدين بالولاء لراشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، قرر في عام 2019 تنظيم مسابقة السوبر المحلي في دولة قطر، في خطوة فاجأت جميع المتابعين.
رئيس الاتحاد التونسي لكرة القدم هندس أيضا مع الغنوشي صفقة عقود الرعاية التي وقعها النادي الإفريقي التونسي مع شركة الخطوط الجوية القطرية بقيمة 8 ملايين دولار بعقد يمتد لـ4 سنوات، وفقا لما كشفت عنه وسائل إعلام تونسية، وهو عقد لا يخلو من رائحة التوظيف السياسي.
وكانت وسائل الإعلام التونسية أكدت أن أهداف الصفقة تتجاوز الرياضة لتطال جوانب سياسية، وتتمثل أساسا في الرفع من أسهم "الدوحة"، ومنحها شعبية مزيفة لدى جانب من جماهير الكرة، وإنقاذ حركة النهضة من سهام الرفض التي تطاردها بسبب دورها في حالة عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد.
وفي هذا الصدد، استنكر موقع "كابيتاليس" التونسي الناطق باللغة الفرنسية، صفقة النادي الإفريقي مع الخطوط الجوية القطرية، حيث قال: "أكدت العديد من المصادر أن راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الموالي بشكل تام للحلف القطري التركي والمقرب من السلطات السياسية القطرية هو من هندس هذه الصفقة".
وتابع: "الفكرة تم تدارسها خلال اللقاء الذي جمعه بعبدالسلام اليونسي، رئيس النادي الإفريقي، في شهر أكتوبر/تشرين الأول من السنة الماضية، بهدف إيجاد حلول للمشاكل المادية التي يعاني منها نادي العاصمة التونسية".
من جهتها، قالت جريدة "الشروق" التونسية: "يدرك جمهور الإفريقي أن القطريين وحلفاءهم في النهضة لم ينجزوا هذه الصفقة حبا في الرياضة وخدمة للشباب، وإنما هناك غايات دعائية ورائها".
وقالت صحيفة "الشارع المغاربي" بشأن نفس الموضوع: "الأمر ليس مجرّد استثمار رياضي بحت، بل يرتبط أساسا بعدد من المتغيّرات على المستوى السياسي في تونس خاصة أنّ قطر لا تتحرّج من محاولة وضع يدها على مداخل ومخارج البلاد الحيوية".
المحامي والناشط في المجتمع المدني أحمد صواب قال في تصريحات صحفية: “بالنظر لما أعرفه في كرة القدم لأنّني اتابعها منذ أكثر من 50 عاما، بإمكاني القول إن رئيس الاتحاد التونسي لكرة القدم هو عنوان للتقلبات السياسية بطريقة غير أخلاقية مع تغيير المواقف بحسب الأهواء".
وأضاف: "الجريء كان في السياسة قبل الثورة مع الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي بصفته رئيسا للبلدية، وبعد الثورة أصبح متحمسا وداعما لحركة النهضة، ثم مع حكومة يوسف الشاهد، وقبلها مكنه رئيس الحكومة من دعم قوات الأمن لمنع تنفيذ حكم قضائي، في الحقيقة، فإن الجريء هو عنوان التدخل السياسي في الرياضة".
ويؤكد الصحفي التونسي أسامة بن حمادة في هذا الصدد أن وديع الجريء يملك طموحات سياسية كبيرة، ولا يستبعد ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة في حالة توفر الظروف التي تسمح له بذلك.
بن حمادة أكد أيضا أن الارتماء في أحضان النهضة جاء في إطار سياق عام أصبحت فيه الحركة الإخوانية متحكما رئيسيا في اللعبة السياسية، بعد أن نجحت في التغلغل في جميع مفاصل الدولة.
ويعتبر الصحفي التونسي أن تحركات الجريء سواء كانت في المجال الرياضي أو السياسي تصب كلها في خندق طموحاته الشخصية، والتي جعلته في الفترة الأخيرة يصبح العدو رقم 1 للشعب التونسي، بعد أن حرم المسؤول التونسي المعروف طارق بوشماوي من فرصة المنافسة على لقب رئاسة الاتحاد الأفريقي لكرة القدم "كاف".
القشة التي قصمت ظهر البعير
تفضيل وديع الجريء لمصالحه الشخصية على مصلحة كرة القدم التونسية تجلى مؤخرا في وقوفه كعقبة أمام ترشح طارق بوشماوي لرئاسة الاتحاد الأفريقي لكرة القدم.
بوشماوي كان يرغب في الترشح لرئاسة "الكاف" المقرر عقدها خلال العام المقبل، غير أن الجريء رفض منحه وثيقة التزكية، ليكون غير قادر على الترشح.
الأمر أكده هشام بن عمران، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي، حيث أعلن عن اتخاذ قرار يقضي بتزكية ترشح رئيسه وديع الجريء للانتخابات الخاصة بدخول المكتب التنفيذي للاتحادين الدولي والأفريقي لكرة القدم، بدلا من ترشيح بوشماوي.
وبين كل تلك الأزمات، تبقى الجماهير التونسية عالقة تبحث عمن ينجدها من سطوة "الرجل الأول" في الاتحاد المحلي، على أمل أن تعود الكرة التونسية إلى سابق عهدها وإنجازاتها على مدار تاريخ كرة القدم.