مؤسس "نحو وصرف": نتطلع إلى تقريب لغتنا الجميلة إلى كل عربي
دُشّنت صفحة "نحو وصرف" في نهاية أكتوبر عام 2015 على فيسبوك؛ بهدف تقريب الناطقين باللغة العربية إلى لغتهم وبثّ حبّها فيهم وكشف جمالياتها
في اليوم العالمي للاحتفال باللغة العربية، كان من المهم إلقاء الضوء على بعض المبادرات الفاعلة التي استطاعت خلال فترة وجيزة ملء فراغ كبير في العناية والرعاية المفقودة بلغتنا الجميلة..
هنا حديث خاص لـ "العين" مع صاحب مبادرة "نحو وصرف" الكاتب والشاعر واللغوي محمود عبد الرازق جمعة، أحد أبرز الوجوه النشطة والفاعلة في محبة لغتنا الجميلة وكشف محاسنها والدعوة إلى ممارستها في عموم حياتنا..
* بداية، عَرِّفنا بنشاط "نحو وصرف".. الفكرة والهدف والوسيلة؟
- دُشّنت صفحة "نحو وصرف" في نهاية أكتوبر عام 2015 على "فيسبوك"؛ بهدف تقريب الناطقين باللغة العربية إلى لغتهم وبثّ حبّها فيهم، بعد ما رآه منشئوها من ابتعاد واضح عنها، سواء في الشارع أو في الإعلام أو في التعليم.
كان من أهم أهدافها -أو ربما وسائلها- عرْض قواعد اللغة العربية بشكل يتجاوز فكرة "المعلومة" إلى فكرة "فلسفة اللغة"، بحيث يشعر القارئ بالرابط القوي بينه وبين لغته، بعد شعوره بـ"جذر" المعلومة التي قرأها، وذلك بربط قديم اللغة بحديثها، وبربط معقَّدها بيسيرها، وبكشف أسرار ألفاظها التي نستعملها جميعًا دون أن ندرك ما تحمله من طاقة وتاريخ، ككلمة "إحصاء" التي بدأت بمعرفة عدد الحصوات ومطابقتها لعدد الأغنام والإبل، حتى وصلت الآن إلى ذلك العلم الكبير الذي يدرَّس في كل الجامعات.
منهج الصفحة، ببساطة، هو "البساطة"، فلا نُغرِق القارئ في تفاصيل الكتب التراثية وأسماء المراجع وأسماء العلماء والمقارنة بين المدارس اللغوية المختلفة، بل نعطيه المعلومة خالصةً واضحةً ناصعة. والفكرة في هذا أن المراجع اللغوية ينقل بعضها من بعض، فلا داعي في كل مرة نشرح فيها معنى كلمة وأصله أن نقول إنه من "لسان العرب" أو "القاموس المحيط" أو غيرهما، فلا فرق في هذه الحالة عند مَن يريد أن يتعرَّف اللغة، بل هذا يفيد الدارس المتعمِّق أكثر، وهذا الدارس ليس مَن تستهدفه الصفحة.
* وكيف كان التفاعل مع الصفحة عقب تدشينها؟
- كان طيِّبًا في البداية، ففي اليوم الأول سجّل أكثر من ألف وخمسمائة شخص إعجابهم بها، وربما عُشْر هذا العدد أو أقل قليلًا كان يتفاعل مع المنشورات، بالإعجاب أو التعليق أو المشاركة. وكانت الأيام التالية أقلّ في عدد المُعجَبين والمتفاعلين، فكان متوسط المعجبين كل يوم يزيد قليلًا على مائة فرد، والمتفاعلين نحو عُشر هذ العدد. وبمرور الوقت تزايد العدد وتزايد معه التفاعل، وقُبَيل نهاية العام الأول لـ "نحو وصرف" أصبح العدد أكثر من واحد وخمسين ألفًا، بمعدل 140 فردًا كل يوم. وكنا حريصين طوال هذا العام على إجابة كل ما يرد إلينا من أسئلة خاصة بالصفحة أو باللغة، نحوًا وصرفًا وترقيمًا وغير ذلك، خصوصًا في فترات الامتحانات التي نشرنا فيها ملخَّصات لكل دروس النحو والصرف، وقد لقيَت انتشارًا كبيرًا وتفاعلًا أكبر.
* هل تذكر لنا أمثلة من الاستجابة التي لاقتها الصفحة من الجمهور؟
- كان نتيجة كل ما فعلناه حتى الآن أن كثيرين من المتفاعلين يرسلون إلينا، وينشرون عنَّا كلمات طيِّبة، ولكن كان من أطيَب ما كُتب تعليق من كلمتين فقط: "صفحةٌ نافعة". ولعلّ أكثر المنشورات التي تلقى إقبالًا من الزوار والمتفاعلين مع الصفحة تلك التي تحتوي على معلومة سريعة غائبة عن الأذهان يشيع الخطأ فيها، كمعلومة أن الفعل "ينبغي" يتعدَّى باللام لا بـ"على"، فنقول: "ينبغي لك الاجتهاد" ولا نقول: "ينبغي عليك الاجتهاد"، أو معلومة أن كلمة "حساء" صوابُها فتح الحاء "حَسَاء" لا كسرها "حِسْاء"، وغيرها مما يشيع من أخطاء.
كما نالت المنشورات التي تحتوي على معانٍ بليغة أو صيغ بديعية لطيفة انتشارًا وتفاعلًا كبيرَين.
* النجاح الكبير الذي حققته الصفحة.. إلى أي مدى رفع سقف الطموح لديكم؟
- تطلُّعاتنا بلا حدود، ورغبتنا تبلغ وصول الصفحة إلى كل عربي، وأن تقرِّب كل عربي إلى اللغة العربية، وأن تكشف للجميع ما هو مخبوء عنهم، أو حتى عن مُنشئ الصفحة، من جواهر العربية، ولا سبيل لنا إلى هذا إلا بالاجتهاد والمثابرة، وستكون نتيجة ما وصلت إليه الصفحة في عامها الأول دافعًا لنا لنواصل الجهد ونضاعفه، فقد كان كل طموحنا عندما بدأنا "نحو وصرف" أن نصل في نهاية العامل الأول إلى ما يعادل ألف مُعجَب بها كل شهر، أي أن نصل إلى اثني عشر ألف شخص، ولكن العدد بحمد الله زاد على أربعة أضعاف الهدف، فلله الحمد وله الفضل والمنَّة، وندعوه أن يعيننا ويوفّق الجميع إلى ما هو في صالح لغتنا الجميلة.
وننتهز هذه الفرصة الطيبة ونهدي هذا النجاح إلى روح شاعرنا الكبير الراحل الباقي فاروق شوشة.
* بين التفاؤل والإحباط.. هل يمكن الخروج من نفق الإهمال والتردِّي للغتنا الجميلة إلى آفاق أرحب وأكثر عصرية ومواكبة للواقع؟
- هذا المتفائل بمستقبل هذه اللغة، يؤكد حاجته إلى خريطة طريق فيما يتصل بعمل مجمعنا والمجامع اللغوية العربية، وإلى مدخل مستقبلي، يقوم بوضع السياسات اللغوية المطلوبة. وفي المقابل، نرى حال غير المتفائل بمستقبل هذه اللغة، الرازح تحت كثيرٍ من سلبيات الواقع اللغوي، واليأس من إنتاج معرفة جديدة، تُنهضنا، وتُنهض اللغة مما يتصوره كبوةً لها، وتخلفًا عن الوفاء باحتياجات ما نتطلع إلى تحقيقه.
فهو يرى تراجعًا ملموسًا في مستوى إتقان اللغة العربية -بمستواها الفصيح- عند أبنائها، صغارًا وكبارًا. ويرى في الوضع التعليمي سطوةً للمناهج السائدة التي تكرر النماذج التقليدية، على أنها هي التي تُمثّل اللغة العربية، وإعراض هذه المناهج عن كل جديد يمتلئ به العصر من نصوص وإنتاج حديث وإبداع متدفق.
إن الواقع من حولنا يُنبّهنا إلى أن اللغة العربية لا تستطيع اقتحام عالم المعرفة، ما لم تكن لغة اليوم، بكل تجلياته الحداثية والعصرية، في العلم والتقنية والفنون والآداب، حتى لا تكون مجرد لغة مرتبطة بالتاريخ، غارقة في الماضي فقط.
ولكي تتخلص من انعزالها عن اللغات الأخرى، لابد من التلاقح، واستعارة بعضها من بعض. ولابد من العناية بتمكين اللغة العربية في بيئتها، بوصفها مدخلاً سياسيًّا ومجتمعيًّا وثقافيًّا، وأساسًا للتقدم والتنمية.