في منطقة الخليج العربي، حيث تتعانق الصحراء مع البحر، نشأت حضارات عريقة تعلّمت أن البقاء ليس للأقوى جسدًا، بل للأرحم قلبًا.
هذه الأرض التي قست طبيعتها أحيانًا علمت أبناءها دروسًا في الصبر، الكرم، والإيثار. ولهذا السبب، لم يكن التفاخر بالقوة المجردة جزءًا أصيلًا من ثقافتنا، بقدر ما كانت الرحمة هي القيمة التي نعتز بها ونفاخر بها أمام العالم.
نحن في الخليج نعرف تمامًا معنى القوة: لدينا الموارد، الجيوش، والاستثمارات التي تجوب العالم. لكننا ندرك أيضًا أن هذه القوة لا قيمة لها إن لم تكن مسخرة لخدمة الإنسان. ولهذا نفاخر بأننا نضع الرحمة فوق القوة، ونؤمن أن الرحمة هي التي تعطي القوة مشروعيتها.
هذه ليست مجرد كلمات، بل واقع نراه في سياساتنا ومبادراتنا. ننظر إلى المشاريع الإنسانية التي تطلقها دول الخليج في أنحاء العالم، فنرى جسور المساعدات تُمدّ إلى المحتاجين دون تمييز في العرق أو الدين. نرى صناديق التنمية تمول المدارس والمستشفيات، ونرى فرق الإغاثة تحمل الخيام والغذاء والدواء لمن حلت بهم الكوارث.
وفي الداخل، لا تنفصل هذه القيم عن حياة الناس اليومية. ثقافة التكافل متجذرة في العادات والتقاليد، من الضيافة التي لا تُسأل عن هوية الضيف، إلى الصدقات والزكوات التي تنفق في السر والعلن، إلى قوانين الضمان الاجتماعي التي تضمن كرامة المواطن والمقيم.
قد يقول قائل إن الخليج يملك ثروة هائلة، لكن ما يميزنا ليس الثروة بحد ذاتها، بل طريقة توظيفها. الثروة قد تكون نقمة إذا استُعملت للتفاخر الأجوف أو الهيمنة القسرية، لكنها تصبح نعمة حين تُستخدم لبناء الإنسان وخدمته. هذه فلسفة تنموية وإنسانية نعتز بها.
نحن لا ننكر أهمية القوة. الدول بحاجة إلى جيوش تحمي سيادتها، واقتصاد قوي يضمن استقلالها. ولكننا في الخليج نؤمن أن القوة يجب أن تكون درعًا يحمي قيمنا، لا سوطًا يفرضها على الآخرين. نريد قوة تبني السلام، لا قوة تصنع الحرب.
لهذا السبب نقول بثقة: في الخليج، لا نفاخر بقوتنا قدر ما نفاخر برحمتنا. الرحمة هي أصل قوتنا، وسر تماسكنا، وبوصلة مستقبلنا. هي القيمة التي نريد أن نغرسها في أبنائنا، وأن نقدمها للعالم في زمن يحتاج إلى مزيد من الإنسانية والرحمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة