أزمة أوكرانيا والتصعيد بين روسيا والغرب.. طبول بلا حرب
كشفت دراسة حديثة صادرة عن مركز تريندز للبحوث والاستشارات، عن تطورات الأزمة بين روسيا والغرب على وقع التصعيد بالأزمة الأوكرانية.
الدراسة التي كتبتها الدكتورة نورهان الشيخ، أشارت إلى أنه منذ نهاية العام الماضي وطبول الحرب تتصاعد بين روسيا والغرب، حتى اعتقد بعضهم أن المواجهة المباشرة بين الجانبين أصبحت وشيكة في أوكرانيا.
وأشارت إلى أن هذا التصعيد جاء ضمن سلسلة كانت من ضمنها أحداث كازاخستان العنيفة، فضلا عن تعثر المفاوضات الروسية – الأمريكية في جنيف، وروسيا – الناتو في بروكسل.
الدراسة طرحت العديد من التساؤلات حول مآلات هذا الصعيد، وهل من الممكن أن يتطور نحو الصدام العسكري؟ أم إنه ما زال هناك ضوء في نهاية النفق ولم يستنفد الحوار بعد بين الجانبين؟ وهل تُقدم روسيا على إشعال الموقف والمبادرة بعمل عسكري بالهجوم على أوكرانيا كما يتخوف الغرب؟.
وقالت الدراسة إن موسكو تسير في اتجاه "خطوة مقابل خطوة"، بمعنى إذا كانت الخطوة الغربية تصعيدية سيقابلها خطوات مماثلة من جانب روسيا، والعكس.
وأوضحت الدراسة أن "روسيا لن تبادر بالتصعيد إلا إذا صدر من الغرب ما يعتبر تصعيداً بالنسبة إليها، فإذا قام الغرب بنشر صواريخ ستقوم روسيا بنشر منظومات أيضاً، ليس على حدودها الغربية مع أوروبا فقط، وإنما في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة وتحديداً كوبا وفنزويلا".
سيناريوهات متعددة
وفيما يتعلق بسيناريو العمل العسكري من جانب أوكرانيا لإعادة إخضاع منطقة دونباس بالقوة لسلطتها، قد تقوم روسيا بالرد، ولكن في حدود حماية الروس في المنطقة ووقف العمليات العسكرية وأي ضربات من جانب كييف عليها.
ويستند هذا السيناريو على ما حدث في جورجيا وأوسيتيا الجنوبية عام 2008، بمعنى أن روسيا لن تقدم على اجتياح كامل لأوكرانيا، وإنما ستنفذ عملا دفاعيا، يمكن أن يحرك مفاوضات لاحقة.
أما بالنسبة لسيناريو الحرب المفتوحة، استبعدت الدراسة نشوب حربا مفتوحة بين روسيا والناتو، ووصفت الأمر باعتباره أقرب إلى "تكسير عظام" من الجانبين لتحقيق مكاسب استراتيجية.
ونوهت إلى أن الأمر سينتهي في الغالب إلى تجميد الأوضاع، وربما فرض مزيد من العقوبات الغربية على روسيا، يدعم هذا مجموعة من العوامل والمؤشرات.
أول هذه المؤشرات، بحسب الدراسة، هي أن الولايات المتحدة التي أعلنت انسحابها من أفغانستان لأنها لا تريد الاستمرار في “حرب لا نهاية لها” على حد تعبير بايدن، لا يمكن أن تتورط في مواجهه غير محسوبة العواقب كهذه في أوروبا.
ولفتت إلى أن كل ما تريده واشنطن هو استمرار روسيا كشبح يهدد أوروبا لضمان بقاء الأخيرة في الفلك الأمريكي.
وأفادت الدراسة بأنه رغم أن ويندي شيرمان، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي أعلنت رفض المقترحات الأمنية الروسية واعتبرتها غير مقبولة مطلقاً مؤكدة أن واشنطن لن تسمح لأحد بوقف سياسة الأبواب المفتوحة للناتو أمام أي دولة، فإنها أكدت اتفاق الطرفين على ضرورة منع نشوب حرب نووية.
ثاني هذه المؤشرات، تتمثل في ميل الطرفين للحوار، فقد أكد بايدن أن واشنطن لن تحارب عن أوكرانيا واستبعد إرسال قوات أمريكية إليها إذا تعرضت لهجوم روسي، مؤكداً أن الهدف هو إقامة علاقات مستقرة وقابلة للتنبؤ بين واشنطن وموسكو.
منفذ للحل
وأشارت الدراسة إلى أنه رغم تعثر المفاوضات الأخيرة فإن باب الحوار مازال مفتوحاً، إذ أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في 13 يناير أن موسكو تتوقع أن يسلم الغرب إليها اقتراحاته بشأن مبادرتها بخصوص الضمانات الأمنية في غضون أسبوع، وإن كان قد حذر من مماطلة الغرب وأن روسيا لن تنتظر رد الغرب على مبادرتها إلى ما لا نهاية.
وكان المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف، وصف سلسلة المفاوضات التي جرت مع الولايات المتحدة والناتو حول الضمانات الأمنية لروسيا، بأنها لم تكن ناجحة، إلا أنه أكد وجود إرادة سياسية لدى روسيا لمواصلة الحوار، وأن المطلوب هو تحقيق نتيجة ملموسة من خلاله.
وأعلن ستولتنبرج، عقب مفوضات بروكسل أن الحلف مهتم بالحوار مع روسيا لكنه يرفض تقديم أي تنازلات بشأن أوكرانيا، وأنه على استعداد لاستئناف بعثتي الطرفين بين بعضهما دون شروط مسبقة.
وانتهت الدراسة إلى أن التصعيد الروسي – الغربي الحالي ليس هو الأول من نوعه، وإنما هو حلقة في سلسلة طويلة من الشد والجذب بين روسيا والغرب على مدى العقد الماضي، وذلك في إطار مرحلة رخوة من إعادة تشكيل النظام الدولي وتأكيد التحول لتعددية القوى، وفي سياق من صراع المكانة والنفوذ وتناقضات المصالح بين الجانبين والتي سوف تستمر في المستقبل المنظور.
فمن الواضح أن واشنطن هي من تمسك بإيقاع الأزمة، وأثّر وصول إدارة بايدن للبيت الأبيض كثيراً على مسارها، فمنذ مطلع إبريل الماضي والتوتر يسود المشهد الأوكراني، ليس لما أعلنه بايدن من أن روسيا العدو الأول للولايات المتحدة فقط، بالإضافة إلى كونه مهندس السياسة الأمريكية خلال فترة التصعيد الأولى عام 2014، وإنما لعوامل موضوعية ومصالح مهمة أيضاً.
فمن ناحية تسعى إدارة بايدن لإثبات جدارتها ومغازلة الداخل الأمريكي في وقت تواجه الإدارة انتقادات حادة بسبب استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والعجز عن السيطرة على فيروس "كوفيد-19" وتداعياته ومتحوراته، إلى جانب استمرار ما يسمى بـ “الظاهرة الترامبية” وحالة الانقسام السياسي والمجتمعي الذي بلغ تصعيداً غير مسبوق مع اقتحام مبنى الكونجرس في 6 يناير من العام الماضي.
لذا، فإن تصعيد المواجهة مع روسيا له أهميته، خاصة قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي المقررة هذا العام والتي يسعى الديمقراطيون لاستمرار تقدمهم بها.